خاطَرتُ بِحياة إبني مِن أجل المال

إذا كنتُ اليوم وراء القضبان فذلك بسببي أنا وحدي. لطالما كنتُ أحبّ أن أعيش حياة صاخبة محاطاً بالنساء والسيّارات الجميلة ولكنّني لم أكن يوماً غنيّاً لأفعل كل ما بنفسي. وحين تزوّجتُ وأنجبنا إبننا فارس، ضاقَت حالنا أكثر. لِذا لم أتردّد عندما عرضَ عليّ إبن عمّي أن أهاجر إلى الولايات المتحّدة حيث كان يعيش منذ سنين عديدة. والذي أقنَعَني بالرحيل هو أنّ هناك الحياة سهلة ويمكُنني البدء مِن جديد وبالطريقة التي تُعجبني بعيداً عن الفقر الذي باتَ يهدّدني بسبب إفراطي في شراء كل ما أردته.

وهكذا أخذتُ عائلتي وسافرنا إلى تلك الأرض المليئة بالوعود ومكثنا فترة قصيرة عند ذلك القريب الذي فتح لنا بابه وإستقبلنا بحرارة. وبعد فترة إستأجرنا شقّة صغيرة وسط جالية كبيرة مِن أبناء بلدي وبدأتُ أفتّش عن عمل. ولكنّني لم أكن أبداً مستعدّاً أن أتعب لأنّ هدفي مِن إنتقالي إلى ذلك البلد كان أن أحصل على مرادي بسهولة لذا وجدتُ وظيفة كحارس مستودع أثناء الليل حين يكون كل شيء هادئ. وكنتُ أقضي معظم دوامي وأنا نائم لا آبه فعليّاً لما قد يحصل لأعود في الصباح إلى البيت لأكمل نومي حتى الظهر. ومِن ثمّ كنتُ أخرج لموافاة أصدقائي الجدد الذين كانوا مثلي لا يفعلون شيئاً مهمّاً.

أّما زوجتي ياسمينا فكانت قد وجَدَت عملاً في مدرسة مجاورة تساعد المعلّمات مقابل مكاناً لولدنا في صفوف الحضانة. لِذا إعتبرتُ أنّ واجباتي تجاه عائلتي كانت مستوفية وأخذتُ أفتّش عن طريقة لأرضي نفسي. لِذا بدأتُ ألعب بالورق مع أصدقائي على أمل أن أجمع المبلغ الكافي لشراء سيّارة جميلة كنتُ قد رأيتُها عند بائع معروف. ولكنّني لم أكن متمرّساً في المَيسر وسرعان ما بدأتُ أخسر القليل الذي كنتُ أجنيه فتراكمَت الديون عليّ. وبالرغم أنّ رفاقي في اللعب كانوا أيضاً مِن نفس البلدة التي ولدتُ فيها فلم يتردّدوا على طلب مالهم وبإلحاح. وبالطبع لم يكن لديّ أيّ سبيل لتسديد تلك الديون فخطَرَ على بالي أن أختلقَ قصّة بشأن زوجتي. فأخبرتُ الجالية كلّها أنّ ياسمينا مصابة بمرض عضال وأنّها قد تموت إن لم تخضع لعمليّة صعبة ومكلفة جداً وطلبتُ مساعدتهم.

 


وأقاموا لنا صندوقاً إشتركَ فيه الكبار والصغار وسرعان ما إمتلأ بالدولارات وشعرتُ أنّ خلاصي باتَ قريباً. وحين جاء الوقت لأستلم المبلغ الذي وصل إلى حوالي العشرة ألاف دولار ذهبتُ إلى رئيس الجالية وقلبي مليء بالفرح. ولكنّني صُدمتُ كثيراً عندما أخبرَني أنّه سيدفع مستلزمات العمليّة للمستشفى مباشرة ولم أعد أعلم ما أفعله. وفي الوقت نفسه علِمَت زوجتي بالخطّة عندما ركض الناس إليها ليدعوا لها بالتوفيق والعافية. ودارَ بيننا شجاراً كبيراً نعَتَتني فيه بالحرامي المعدوم الأخلاق فلم تتصوّر يوماً أنّ زوجها قد يكذب بهذا الشكل ليقبَض ثمَن مرضها الوهميّ.

وأخبرَت الجميع بالحقيقة وكرهوني ولم يعد أحد يتكلّم معي أو يلقي حتى التحيّة عليّ. وأعترف أنّني لم أتأثّر بذلك لأنّني لم أكن بحاجة إلى أحد لكثرة إكتفائي بذاتي. حتى إبني وزوجتي لم يكونا مهمَّين بالنسبة لي وكنتُ أعتبرهما عبئاً عليّ فلولا وجودهما لكنتُ أعيش حياة أفضل أفعل ما أشاء وأذهب إلى حيث أريد. ولكن كان هناك أمر الديون وأصبح الضغط كبيراً عليّ لِذا فتّشتُ عن مَن يقرضني المبلغ اللازم. ودلّني أحد على مُرابي يدّين بفائدة كبيرة. وقصدتُ ذلك الرجل الذي كان يملك محلاً في أحد الأزّقة وهذا ما قاله لي:

 

ـ يبدو أنّكَ لستَ معتاداً على التعامل مع أناس مثلي... هناك قواعد عليكَ الإلتزام بها... أوّلاً: لا تتديّن إن لم تكن قادراً على التسديد... ثانياً: سدّد لي بالوقت المتّفق عليه وبالفائدة التي حدّدناها... ثالثاً: لن تستطيع التهرّب مِن الدفع مهما فعلتَ وأينما ذهبتَ... مفهوم؟

 

ـ مفهوم.


ولكنّني كنتُ قد قلتُ ذلك دون أن آخذ كلام الرجل على محمل الجدّ لأنّني كنتُ واثقاً أنّني سأرجع له المال وبسرعة بفضل الحظ الذي كان لاّبد أن يعود إليّ. فبعد أن دفعتُ المال لزملائي في اللعب عاودتُ السهر معهم لأستطيع تسديد مال الرجل الذي بدأ يتراكم بسبب الفوائد الهائلة التي كانت تضاف يوم بعد يوم. ولكنّني وكما سبقَ أن قلتُ لم أكن أجيد لعب المَيسر وحصل لي كما في السابق وخسرتُ كل ما لديّ فبات مِن المستحيل إرجاع ما عليّ.

فقصدتُ محلّ المُرابي في ذاك ليلة على أمل أن يمهلني بعض الوقت وتوسلتُ إليه بقوّة مستعيناً بالكذب والإحتيال. وإستطعتُ إقناعه ولكنّه أضاف فوائد أخرى على المبلغ وحين خرجتُ مِن عنده أدركتُ أنّني في ورطة كبيرة. عندها قرّرتُ أنّ الوقت حان لأهدأ قليلاً وأفكرّ بطريقة شريفة لتحصيل المال. ولكن هذا الإندفاع لم يكن نافعاً لأنّه كان مِن المستحيل ألاّ أتأخرّ. وبدا الهمّ عليّ لِدرجة أنّ زوجتي لاحظَت أنّني أحمل على كتفيّ عبأً أكبر منّي. وأخبرتُها كل شيء وبدأت تبكي وتسأل نفسها كيف إرتبطَت برجل مثلي أي معدوم مِن أدنى حسّ بالمسؤوليّة خاصة تجاه عائلته.

 


طلبتُ منها الغفران ووعدتُها أنّ أتغيّر. وكنتُ جدّيّاً بما قلتُه لها إلاّ أنّني لم أكن أعلم بعد أنّ قراراتي الجديدة لم تكن لتنفَعَني لأنّ الرجل الذي كان ينتظر ماله كان جزءً مِن شبكة كبيرة لا تسمح لأحد بالتلاعب معها وكنتُ قد بدأتُ أزعجهم. فبعد اقل مِن شهر على حديثي مع ياسمينا دقّ بابنا رجل لم أرَه بحياتي وعندما فتحتُ له قال أنّه آتٍ لأخذ "الغرض". فهمتُ فوراً قصده وأجبتُه أنّ ما يريده ليس حاضراً بعد. ولَم أنهِ جملتي حتى أن سحَبَ مِن جيبه مسدّساً وأمَرَني بالخروج مِن المنزل. فعلتُ كما طلَبَ منّي ظاناًّ أنّه سيأخذني معه ولكنّه دخلَ البيت وتوجّه إلى غرف النوم. لحقتُ به بسرعة ورأيتُه يخرج زوجتي أيضاً. وعندما أرادَت أن تأخذ معها إبننا أمرَها الرجل بتركه في البيت. بدأَت المسكينة بالصراخ ولكنّه دفشَها بقوّة حتى الباب وقال لنا:

 

ـ هيّا أخرجا! سأبقى مع الولد حتى تأتيا لي بالمال كلّه! وإن خطَرَ على بال أحدكما الإتصال بالشرطة فلن أتردّد على قتله... هيّا!

 

وأقفلَ الباب بوجهنا وجلسنا على الدرج نبكي. ثم نظرَت إليّ زوجتي بغضب لا يوصف وصَرَخَت بي:

 

ـ إن حصل لفارس أيّ مكروه سأقتلكَ بيديّ! هل تفهم ما أقوله؟

 

هزّيتُ برأسي والدموع تنهال على وجهي وركضتُ أطرق باب الناس ولكن ما مِن أحد صدّقَ روايتي بعد كذبة مَرض زوجتي. عندها لم يبقى أمامي سوى حلاً واحداً وهو السرقة فكانت حياة وحيدي على المحكّ. وهكذا دخلتُ محلاً إخترتُه صدفة وتظاهرتُ أنّني أخبّئ مسدّساً في جيبي وطلبتُ مِن الموظّفة أن تعطيني كل ما في الصندوق. ولأنّ المبلغ لم يكن كافيّاً أخذتُ ساعات ومجوهرات الزبائن الموجودة وركضتُ خارجاً حتى أن وصلتُ البيت. اعطيتُ الرجل كل ما حصلتُ عليه. نظرَ إلى المال والأغراض وخرجَ دون أن يتفوّه بكلمة. ركضَت زوجتي التي كانت لا تزال تنتظر خارجاً لترى إن كان فارس بخير فوجدَته نائماً. ثم حملَته وخرجّت به صارخة:" لن ترانا مجدّداً."

جلستُ أبكي بمرارة ولم أكن أعلم حينها أنّ الشرطة ستبحث عنّي بفضل شريط المراقبة الموجود في المحل الذي سرقته.

وفي اليوم التالي تمّ القبض عليّ. وها أنا أقضي سنَتي الثالثة والأخيرة في السجن وأمَلي الوحيد هو رؤية إبني فارس وضمّه إلى صدري وطلب السماح منه لأنّني خاطرتُ بحياته بسبب أنانيّتي وكسَلي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button