حوّلَتني أمّي مِن صبيّ إلي بِنت

يفرح الناس عادة عندما ينجبون الأولاد الذكور ولكن في حال والدتي، فكان ذلك بمثابة كارثة. فعندما ولِدَ أخي الكبير ومن ثمّ أخي الثاني، كادَت والدتي تصاب بالكآبة. وعندما جئتُ أنا إلى الدنيا وأخبروها أنّها أنجبت صبيّاً آخراً، رفضَت أن تراني وبعد جهد جهيد، قبِلت أن تحملني بين ذراعيها. وأظنّ أنّها وفي تلك اللحظة، قرّرَت أنّني سأكون إبنتها التي إنتظرتها مطوّلاً.
فمنذ البدء ألبسَتني اللون الزهري وحين بدأ شعري يطول وضعَت فيه الربطات الملوّنة. وبالرغم أنّهم أعطوني إسم سامي، كانت هي تناديني سامية أو "لعبتها الصغيرة". وبالرغم أنّ والدي كان يرى ما تفعله، لم يكن يقول لها شيئاً، ربما لأنّه إكتفى بوجود صبييّن حقيقييّن ولأنّه أراد تجنّب مزاج زوجته الصعب. وبدأتُ أرتدي الفساتين، على الأقل عندما كنّا في البيت وحين أصبحتُ واعيّاً على العالم الذي يحيط بي، كنتُ قد تعوّدتُ على أن أكون دمية إمرأة غير متوازنة نفسيّاً. وأتذكّر أنّني كنتُ أحمل إسمَين وأعيش حياتين مختلفتين، الواحدة مليئة بالألوان واللعب الجميلة والأخرى رسميّة أكثر حين يأتي الناس لزيارتنا.
وحدها جدّتي كانت تستاء لما يجري وتوبّخ إبنتها على ما تفعله بي ولكنّ أمّي كانت تجاوبها دائماً: "هذه إبنتي وأفعل بها ما أشاء".

 

وعندما حان الوقت لكي أذهب إلى المدرسة، خال رفاقي أنّني فتاة بسبب شعري الطويل وحركاتي الأنثويّة. وأظنّ أنّ منذ ذلك الوقت شعرتُ بالخجل والعار ولكن حبّي لأمّي وثقتي فيها، أقنعاني أنّها تعلم ما هو الأفضل لي. وحين أخبرتُها أنّ الأولاد يسخرون منّي، قالت أنّهم يغارون من جمالي ويتمنّون أن يكونوا مثلي وأنّ عليّ الإفتخار بنفسي تجاههم. وهذا ما فعلتُه في الفترة الأولى، حتى أن وجدتُ بعد بضعة سنوات الحل المناسب وهو أن أكون سامي في المدرسة وسامية في البيت. وهكذا تعلّمتُ كيف أخفي للناس هويّتي الرقيقة وأفرض ذكوريّتي عليهم. ولكن كنتُ أفضّل حياتي كفتاة، لأنّني كنتُ أحظى بإنتباه وحبّ والدتي وأستمدّ منها الحنان والطمأنينة. لذا كنتُ أُسرع في العودة إلى المنزل لأخلع هدومي وأرتدي الفساتين الجميلة. ولكنّ أبي لم يعد يتحمّل رؤيتي بهذا الشكل وغضبَ منّي ومن والدتي وهدّدنا وأوصانا بألا نستمرّ بهذا الشذوذ. عندها أخذَتني والدتي جانباً وقالت لي:

 

- إسمعي حبيبتي... هؤلاء الناس أشرار... وأقوياء... لذا علينا ألا نحاربهم ونفعل كما يريدون... ولكن أنتِ فتاتي الجميلة ووستبقين هكذا في نظري إلى الأبد... سيكون ذلك سرّنا نحن الإثنين فقط ولا بدّ لأبيكِ الشرير أن يشيخ يوماً أو أن... يموت... في هذه الأثناء سندّعي أنّنا كما يريدنا أن نكون... كوني صبورة.

 

دخلَ كلامها في ذهني وفعلتُ كما إتفقنا، أيّ أنّني لم أعد أتبرّج أو ألبس زي نسائي ولم أعد أظهر الناحية الأنثويّة في شخصيّتي. ولكن هذه الميول بقيَت في قلبي، فكلّما كنتُ أمرّ قرب نافذة محلّ ألبسة كنتُ أنظر بإعجاب بالفساتين المعلّقة وأقول لنفسي أنّني سأشتريها عندما أكبر.
ومرّت السنوات بهدوء وظنّ والدي أنّني أصبحتُ كباقي الشبّان بالرغم أنّني لم أواعد أيّ فتاة بعد. لذا قرّر أبي أن يقنعني بوجوب معاشرة البنات، ربّما ليتأكّد أنّني بتُّ طبيعيّاً. ولأنّني تعوّدتُ على الكذب والتمثيل، رأيتُ أنّه حان الوقت لأجد إحداهنّ وأجلبها إلى أهلي. وهكذا إخترتُ إحدى زميلاتي في الجامعة وأوهمتُها أنّني معجب بها وأنّني أريد الخروج معها. وقبلَت فوراً لأنّني كنتُ وسيماً ولبقاً وجاءت معي إلى البيت وفرحَ أبي عندما رآها.
أمّا أمّي فإبتسمَت، لأنّها علمَت أنّها كانت تمثيليّة أقوم بها لإسكات الشبوهات وكانت تعرف أنّ قلبي لن يخفق يوماً لفتاة بل لشاب أو رجل. ولكنّني لم أكن مستعدّاً بعد للإقدام على هكذا خطوة، أوّلاً لأنّني لم أكن متأكّداً من ميولي الجنسيّة بعد وثانيّاً لأنّني كنتُ أخاف من العواقب الإجتماعيّة. فالمثليّة أمر غير مقبول في مجتمعنا وفي حال تفشّى سرّي قد أخسر إحترام الناس لي ويؤثّر ذلك على حياتي ومستقبلي المهني.


لذا صبرتُ قليلاً ولكنّني وعدتُ نفسي أن أعيش حياتي يوماً حتى لو تطلّب الأمر سنين طويلة. وفي هذه الأثناء، بدأتُ أجمّع الفتيات حولي، فكلّما زاد عددهنّ كلّما ظنّ الناس أنّني بعيد عن الرجال وهذا ما كنتُ أريده. فباتَ لديّ سمعة زير نساء وحسدَني أصدقائي على شعبيّتي لدى الجنس اللطيف. وتخرّجتُ من الجامعة وبدأتُ العمل في شركة تأمين كبيرة وهناك أيضاً أقمتُ شبكة معجبات واسعة. ولكنّني كنتُ أيضاً قد تعرّفتُ إلى رجل أيقظَ فيّ الميول التي عملتُ جهدي على إخمادها، فوقعتُ في حيرة من أمري: هل أتبع رغباتي وأخسر مكانتي الإجتماعيّة وربما مركزي في الشركة، أم أستمرّ في التمثيل وتجاهل من أنا على حساب سعادتي؟
ولكن لم أقدر أن اتحدّى المجتمع، ففعلتُ ما كان الكل ينتظرني أن أفعله، أيّ أنّني خطبتُ زميلة لي ووعدتُها بالزواج. كانت المسكينة سعيدة جداً أنّ "كازانوفا" الشركة إختارها هي لتكون زوجته، فلم تلاحظ أنّنا لم نقبّل بعضنا يوماً ولم يصدر منّي أيّ علامة حنان أو رغبة تجاهها. ربّما ظنَّت أنّني أحافظ على شرفها وأنّني سأعبّر عن شغفي لها بعد الزواج ولكنّها كانت مخطئة تماماً لأنّني لم أكن أنوي لمسها قط.
فعندما إنتهَت حفلة الزفاف وذهبنا إلى شهر العسل، لم أقترب منها بل تظاهرتُ بالمرض الشديد. رأيتُ الخيبة على وجهها ولكنّني أقنعتُها بأنّني سأتعافى قريباً وأقوم بواجباتي الزوجيّة. ولكنّني كنتُ أعلم أنّني لن أتمكّن من تأجيل المحتوم إلى الأبد، فبعد أن حاولَت مرّات عديدة أن تلمسَني، قلتُ لها:

 

- أنا آسف... لديّ حالة جسديّة... لستُ قادراً على معاشرة النساء... يمكنكِ تركي طبعاً فمن حقّكِ أن تحصلي على حياة جنسيّة طبيعيّة ويمكنكِ أيضاً البقاء معي... سأتكفّل بتأمين حياة مريحة لكِ... لن ينقصكِ شيئاً... وإن شئتِ يمكنكِ إقامة علاقات غراميّة مع غيري... لا أمانع... فكّري في الأمر.

 

تفاجأت زوجتي كثيراً ممّا قلتُه لها ولم أتوقّع ابداً أن تقبل عرضي ولكنّها فعلَت. أظنّ أنّها في البدء تأمّلَت بأنّني سأتحسّن ومن بعدها قالَت لنفسها أنّها أصبحَت متزوّجة وستعيش برخاء وكما يحلو لها. وهكذا إتفقنا على لعب دور الزوجين السعيدين المتحابّين أمام الناس وعشنا حياتنا كل واحد من ناحيته.

وعندها فقط إستطعتُ أن أجد الشخص المناسب لي.
والآن أعيش الحياة التي أردتُها ولكن عليّ الإختباء والإحتراس والتأكّد من أنّ لا أحد سيعرف حقيقتي. هل أنا سعيد؟ بالطبع لا لأنّني ضحيّة أم اصابها الجنون ففعلَت منّي لعبتها الحيّة وأب غير مبالي تركها على سجيّتها لكي لا تضايقه ولم ينتبه إلى خطورة ما يجري إلا عندما فات الأوان. فمن صبيّ كان مقدّراً أن يعيش حياة هنيئة ويكوّن عائلة سعيدة، أصبحتُ على الأقل في داخلي إمرأة محبوسة في جسد رجل أحاول إخفاء هويّتي الحقيقيّة عن باقي الناس وأختبئ كالجرذ لأحصل على لحظات حبّ وحنان لا حقّ لي فيها.
وحسرتي الوحيدة أنّني لن يكون لي إبن أربّيه كما يجب وأعلّمه على عيش رجولته بشكل طبيعي ليحافظ على هويّته الحقيقيّة. ليس لي ذريّة ولن يكون لديّ وريث وعندما أموت لن يترحّم عليّ أحد. سأموت كما عشتُ: وحيداً بين الناس.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button