زوّجوني يوم عيد ميلادي الخامس عشر... ويا لها مِن هديّة آتية مِن القلب! كان أبي واخوَتي يُريدون التخلّص منّي، ربمّا لأنّني كنتُ الأنثى الوحيدة المُتبقّية وسطهم بعدما ماتَت والدتي وتركَتني لِمصيري.
زياد زوجي كان لطيفًا وطيّبًا، لكنّه كان يعملُ في الخارج ولا يزورُ البلد إلا أربع مرّات في السنة. طلَبَ منّي أن أعيشَ في البيت العائليّ مع أخيه وزوجته، وأصبرَ حتى يتمّكن مِن العودة بِصورة نهائيّة. لَم أبالِ كثيرًا، فكلّ شيء كان أفضلَ مِن العَيش مع أناس لا يُحبّوني بل يُعاملوني وكأنّني مصدر بلاء دائم. وبعد الفرَح بأيّام قليلة، سافَرَ زياد واعدًا بالرجوع بعد أشهر قليلة. وبقيتُ على اتصال هاتفيّ معه وعبر السكايب.
ماهر، أخ زوجي، كان يكبرُه بِحوالي العشر سنوات وكان مُتزوجًا مِن منال، إمرأة صامتة ودائمة الإرتباك والخوف، فبالكاد استطعتُ تبادل الكلام معها. وحده ماهر كان يجلسُ معي ونحكي بأمور عديدة، فقد كانت له معرفة واسعة أحبَبتُها. بعد ذلك، كنتُ أخلدُ إلى النوم في جناح مِن البيت مستقلّ له مدخله الخاص مِن ناحية الطريق. هكذا كنتُ أشعرُ أنّ لي بيتًا لي وحدي ولا أعيشُ فعليًّا مع أحد.
جاء زياد لِزيارتي لأيّام معدودة قضَيناها بِفرَح وحماس، ووجدتُ أنّني صِرتُ مُتعلّقةً به، لا بل واقعةً في حبّه. هو الآخر كان يكنّ لي مشاعر قويّة، الأمر الذي خفّفَ مِن وطأة البُعد الذي يفصلُنا. قرّرَنا عدَم الإنجاب إلى حين يعودُ زياد بِصورة دائمة، لأنّني لَم أكن مُستعدّة لِتربية طفلنا بِمُفردي.
لكنّ السعادة التي توقّعتُها لَم تأتِ، ليس لأنّ زوجي أهمَلَني أو كذِبَ عليّ، بل بِسبب أخيه ماهر. فذلك الرجل كان يسكنُه شرٌّ كبيرٌ وجوعٌ لا حدود له. أجل، جوعٌ... لي. فالذي اعتبَرتُه إهتمامًا صادقًا وبريئًا لزوجة أخ، إتّضَحَ أنّه رغبةٌ دنيئة. لقد كان ماهر يُريدُني، وحسب.
ويوم أطلَعَني ماهر بِوقاحة على نواياه تجاهي، أي أنّه يُريدُ إقامة علاقة جنسيّة معي، بدأتُ بالصراخ به ونعَتُّه بالقذر والمُنحطّ أخلاقيًّا، وهو وعَدَني بأنّه سيصل إلى مُبتغاه بأيّ ثمن وطريقة. كان يجدُرُ بي إخبار زوجي بالأمر، لكنّني لَم أرِد أن أشغلَ بالَه عن بعُد وأخَلقَ خصامًا بين الأخَوين، خاصّة أنّني اعتقدتُ أنّ ماهر فَهِمَ أنّني لا أُريدُه أبدًا. على كلّ حال، كانت زوجته قد سمِعَتنا حتمًا لِكثرة صراخي عليه وهو سيخجلُ بالتأكيد منها ويهدأ.
لكنّني لَم أكن أعرفُ مدى قباحة ماهر أو حتى طغيانه على المسكينة زوجته وترهيبه لها. لِذا، عادَ يُحاولُ اقناعي بِخيانة زوجي معه. عندها هدَّدتُه بِوضوح بإخبار زياد وكلّ مَن حولي، فهدأ... أو هكذا ظنَنتُ.
فذات يوم، بعدما عدتُ مِن التسوّق ودخلتُ جناحي، وقفتُ مكاني أرتجفُ مِن الخوف: كان في الداخل رجل لَم أرَه بِحياتي واقفًا وسط غرفة النوم. ركَضَ ماهر وزوجته واختبأتُ وراءهما، لكنّ أخ زوجي أبعَدَني بِسرعة عنه قائلاً:
ـ تَجلبين عشيقكِ إلى البيت، يا فاسقة؟!؟
ـ عشيقي؟!؟ لا أعرفُ هذا الرجل!
أخَذَ ماهر هاتفه والتقَطَ صورةً للرجل في غرفة النوم. وقَبل أن أبدأ بالدفاع عن نفسي أمام هكذا تهمة، قال ماهر للغريب:
ـ يُمكنُكَ الرحيل الآن... شكرًا على الخدمة!
وفهمتُ اللعبة. وأرسَلَ ماهر زوجته إلى جناحهما وقال لي عندما صِرنا لِوحدنا:
ـ قلتُ لكِ إنّ لا منفعة مِن صدّي... لا يُمكنُ لفتاة يافعة الفوز أمام رجل مُخضرَم مثلي. هل بدَّلتِ رأيكِ الآن؟
ـ أبدًا! لن أُسلِّمَ نفسي لكَ!
خرَجَ أخ زوجي مِن غرفتي وبسمة لعينة على وجهه، وخفتُ مِن الذي كان ينوي فعله. بعد أقلّ مِن ساعة، طَرَقَ أخي الكبير بابي مُغتاظًا. للحقيقة، لَم أرَه بِحياتي بهذا الكمّ مِن الغضب، وأدركتُ أنّ ماهر قد أرسَلَ له الصورة. بدأ أخي بالصراخ عليّ وبنَعتي بِشتّى الألفاظ الشنيعة ووعدَني بِعقاب رهيب. حينها ركَضَ ماهر ليقولَ له:
ـ مهلاً... لقد أخطأتُ الظنّ... ذلك الدّخيل لَم يكن عشيق أختكَ بل كان سارقًا دخَلَ مِن المدخل الخاص. لقد علِمتُ ذلك بعد أن شكا لي بعض الجيران مِن لصّ سطا على مُقتنياتهم.
ثمّ نظَرَ أخ زوجي إليّ وأضافَ:
ـ قد أكون مُخطئًا طبعًا... دَعني أتحقّقُ مِن الأمر... لِنقُل الآن إنّه لصٌّ وليس عشيقًا... سأكلّمُكَ لاحقًا. الآن عُد إلى بيتكَ وانسَ ما قلتُه لكَ.
كان ماهر يُريني بذلك مدى سيطرته على الوضع وعلى مصيري، وأعترفُ أنّني خفتُ كثيرًا مِن هذا القدر مِن الشرّ والتخطيط. رحَلَ أخي ولكن ليس مِن دون أن يُهدّدَني مُجدّدًا. وبدأتُ بالبكاء.
أخذتُ هاتفي لأتّصل بِزياد وأخبرُه بِكلّ شيء، إلا أنّني عدَلتُ عن ذلك بعدما أدركتُ أنّ زوجي سيُصدّقُ أخاه على زوجة لا يعرفُها تمام المعرفة. لكنّني لَم أكن أبدًا مُستعدّة للخضوع لِرغبات ماهر. شعرتُ بِوحدة قاتلة، فلَم أكن سوى فتاة لا حول ولا قوّة لها مرميّة في ملعب الكبار وانحرافاتهم القذِرة. كل ما كنتُ أريدُه هو العَيش بِسلام مع زوج صِرتُ أحبُّه وأبني معه عائلة جميلة.
زارَني ماهر في غرفتي في الليلة نفسها مُرتديًا ثياب النوم وبِنيّته تنفيذ ما في رأسه، إلا أنّني طردتُه بِعنف وأقفَلتُ باب الغرفة والباب المطلّ على الطريق. ثمّ نمتُ وبِجانبي سكّين كنتُ أنوي استعماله ضدّه لو عادَ... أو ضدّ نفسي. فالموتُ كان أفضل بِكثير مِن إنصياعي لهكذا إنسان وخيانة الحبيب.
وفي وقت ظننتُ أنّ الله والبشر كانوا قد ترَكوني، جاءَتني رسالة صوتيّة على هاتفي. كانت مِن رقم مجهول منّي وخفتُ أن تكون لعبة جديدة إبتكرَها ماهر للإيقاع بي والقضاء عليّ. تردّدتُ بِفتحها، لكنّ الفضول غلَبَني. فتَحتُ الرسالة وإذ بي أسمعُ صوتَ ماهر. إرتعبتُ إلى أقصى درجة وتحضَّرتُ لِسماع تهديدات جديدة وشنيعة، إلا أنّني أدركتُ أنّ الرسالة هي في الواقع تسجيل له وهو يروي لأحد، وبِفخر، كيف أنّه طلَب مِن صديقه المجيء وأدخلَه إلى غرفتي وأمرَه بالمكوث مكانه إلى حين أعودُ، ولَعِب دور العشيق لو لَزِمَ الأمر. إمتلأ صدري بالأمل، فكنتُ أمسكُ بين يدَيّ الدليل القاطع على براءَتي. خطَرَ بِبالي إرسال التسجيل إلى أخي وزوجي، لكنّني أردتُ معرفة هويّة المُرسِل. لِذا كتبتُ جوابًا على الرسالة:
ـ أشكركَ مِن كلّ قلبي، فلقد أنقَذتَ شرَفي... لكن، مَن أنتَ؟
ـ هذا أنا... سُعاد... زوجة ماهر.
ـ يا إلهي! تعالي إلى غرفتي في الحال!
ـ حالما يتركُ ماهر البيت.
جاءَت سُعاد إليّ وكأنّها ذاهبة إلى الموت. كانت تلك المرأة كُتلة خوف وتردّد، أي الإنسانة المثاليّة لهكذا رجل. فهو كان قادرًا على السيطرة عليها وجعلها تقبلُ بِكلّ ما يفعله أو يقوله... تقريبًا. فرسالة سُعاد كانت تدلُّ بوضوح على أنّها لَم تكن غبيّة، وأنّها سئمَت مِن أفعال زوجها.
جلسَت سُعاد على حافة سريري وبدأَت بالبكاء. عانقتُها إلى أن هدأت ومِن ثمّ قالَت:
ـ لقد تحمّلتُ مِن ماهر الكثير لأنّني وحيدة ولا مكان لي أهربُ إليه. لو كان لي عمل لرحَلتُ بعيدًا لكنّني لَم أعمل يومًا بِسببه، فهو مَنعَني مِن ذلك كي أظلّ مرتبطة به. أرجوكِ أن تحميني منه حين تستعملين التسجيل.
ـ لماذا سجَّلتِ له حديثه؟
ـ أفعلُ ذلك منذ فترة طويلة، أي قَبل مجيئكِ إلى البيت، فقد كنتُ أكيدة مِن أنّ ذلك سيُفيدُني يومًا لكنّني لَم أعلَم أنّه سيُفيدُ غيري. كنتُ أنوي جمع ما يكفي لِطلَب الطلاق، فماهر يتباهى أمامي بِخياناته لي. يا للقذِر!
ـ وهو لَم يعلَم أنّ المظلوم يَنقلِبُ على الظالم يومًا وبأساليب لا تتطلّب القوّة والعنف... أتدرين شيئًا يا سُعاد؟ أنتِ أقوى ممّا تتصوّرين، صدّقيني.
ـ ماذا سيحصلُ لي؟!؟
ـ سأحميكِ، أعدُكِ ذلك.
أخذتُ سُعاد ورحنا إلى عمّتي في القرية. وعادَ ماهر إلى البيت فلَم يجد أحدًا، بل رسالة منّي تقول:
"لقد انقلَب السحر على الساحر! ستصلُكَ رسالة صوتيّة تُبيّنُ بِوضوح براءَتي ومكركَ... وسأرسلُها أيضًا إلى زوجي وأخي وأنتَ تعرف تمامًا ما ينتظرُكَ. فإن رحمكَ زياد، فلن يقبلَ أخي أبدًا أن تنتهكَ شرف أخته هكذا وتستغفلَه، فسيقتلُكَ حتمًا. نصيحة منّي، لا تضِع ثانية واحدة بل اترك البيت نهائيًّا واختبئ. لن أدعَكَ تفلِتُ بِفعلتكَ إن بقيتَ مكانكَ. ولا تنسَ أيضًا تطليق سُعاد، فهي جزء مِن المُعادلة. سيبقى التسجيل معي ومعها حتى آخر أيّامنا، فإيّاكَ أن تقتربَ منّي أو مِن زوجتكَ... السابقة.
عندما عادَ زياد مِن السفر، كان أخوه قد ترَكَ المنزل وطلّقَ سُعاد التي وجدَت بِسرعة عملاً لِكثرة حماسها. سألَ زوجي عن أخيه فقُلنا له إنّه أحبَّ امرأة أخرى وذهَبَ ليتزوّجها ويعيش معها.
بقيَت سُعاد معنا، وساعدَتني في تربية ولدَيّ خلال غياب زياد. وحين عادَ بِصورة دائمة، أحبَّت تركنا والعَيش لِوحدها إلا أنّنا رفضنا ذلك بقوّة. فكيف لي أن أترك التي أنقذَت شرَفي وحياتي؟
لقد مضى على تلك القصّة سبع سنوات عشنا خلالها بِسلام. لَم نسمعَ خبرًا مِن ماهر ولا نعرفُ شيئًا عنه.
آه! لقد نسيتُ أن أخبرَكم: لقد تزوّجَت سُعاد وهي سعيدة في بيت زوجها وهما يزورانا باستمرار.
حاورتها بولا جهشان