حبٌّ في الأندلس من وراء القضبان. قصة ابن زيدون وولادة

"أضحى التنائي بديلا من تدانينا 
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم ولا جفت مآقينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا
إن طالما غير النأي المحبينا"

... من منا لا يعرف بيتاً من هذه الأشعار التي كتبها ابن زيدون لعشيقته الأزلية، ولادة، منذ أكثر من الف سنة، والتي غنّتها فتحيّة أحمد وما زال يرددها المحبّون من المحيط إلى خليج الشعر والهوى.

هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي القرشي، ولد عام ٤٩٤هـ \١٠٠٣م، وينتمي إلى قبيلة مخزوم القرشية. عرف عنه اهتمامه بالأدب. نهل من المعارف والعلوم حتى أصبح واحداً من أشهر الشعراء العرب.

هي ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن الخليفة "المستكفي بالله" أشهر نساء الأندلس، وإحدى الأميرات من بني أمية، جميلة شقراء فاتنة، ذكية، شاعرة، متحررة، رفعت الحجاب للمرة الأولى في تاريخ الأندلس، وكانت بعد موت أبيها تقيم ندوة في منزلها يحضرها الشعراء والأدباء ومنهم ابن زيدون، فبادلته حباً بحب، وهياماً بهيام. في حدائق مدينة قرطبة الأندلسية بدأ اللقاء الأول بين ابن زيدون وولادة... هو في ربيع الشباب، وهي صبيّة رائعة الجمال. تحت ظلال الأشجار الوارفة، كان ابن زيدون وولادة يتساقيان كؤوس الحب.

دامت العلاقة على وتيرة قوية إلى أن تعثرت فجأة، فحلت القطيعة مكان الشغف والإفتتان. يرجع النقاد هذه القطيعة إلى أسباب شتى، منهم من يقول إنها الغيرة، لما ذُكر أنه في أحد الأيام استمع ابن زيدون إلى صوت جارية ولادة واسمها "عُتبة " وطلب منها أن تعيد، فغضبت ولادة إذ ظنت أن ابن زيدون يغازل جاريتها. بينما يرى البعض الآخر أن سبب القطيعة هو نقد ابن زيدون لبيت شعر قالته ولادة. وكان هناك من يرى أن القطيعة سببها انضمام ابن زيدون لحركة "الجهاورة" المعادية لبني أمية بالرغم من كون ولادة بنت خليفة أموي.

لا تنتظر ولادة كثيرا . تختار الوزير ابن عبدوس ليكون العاشق الجديد نكاية بابن زيدون الذي اعتدى على سلطانها الأدبي، ونظر إلى امرأة أخرى كما تعتقد. حاول ابن زيدون عبثا تقديم الإعتذارات ليستعيد حبه الضائع، لكن بدون جدوى، ونجح ابن عبدوس وأعوانه في تدبير مؤامرة ضد ابن زيدون إذ قدم ابن زيدون إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن... ومن سجنه راح ابن زيدون يئن ويتعذب، ويكتب الكثير من القصائد الخالدة عن حبه الذي كان، ولكن ولادة كانت قد أصمت الأذن والقلب.

يهرب ابن زيدون من السجن ويعفو عنه الخليفة ويحاول عبثاً استعادة حب ولادة برقيق الشعر وعذب القول. يشي به الوزير ابن عبدوس عند الخليفة المستكفي الذي يأمر بسجنه مجدداً. لكن السجن لم يمنعه من الغوص في اعماق حبه لولادة، شعراً وهياماً. 

وبعد ٤٠ عام وراء القضبان يتمكن السجين الشاعر من الهروب. يتوجه ابن زيدون إلى الحديقة المشهورة التي كان يجالس فيها محبوبته، تلاقيه ولادة إلى الحديقة حيث تحضنه بقوة، ويتحابان. وتقول الرواية انهما فارقا الحياة في الحديقة في هذه اللحظة.

المزيد
back to top button