تقاسَمتُ زوجي مع نساء أخريات

كل إمرأة تحلم بأن يكون لها رجلاً ناجحاً لتفتخر به! ولن تتردّد أبداً لِتسهيل الأمور له، لكي تتحقّق طموحاته. ولكن هناك أمور لن يقبل أحد بها مهما كانت المكافأة عالية. ولكن أحياناً تكون الظروف أقوى منّا ونجد أنفسنا أمام خيارات لم نكن لنأخذها في أوقات أخرى. وما حصل لي، خير مثَل على ما قد يحدث عندما تطغى الشهرة على كل المبادئ الأخرى. كنتُ قد حصلتُ على إجازتي في الفنون الجميلة وأعمل في معرض فنّي مشهور، عندما إلتقيتُ بِمازن الذي أتى إلينا بحثاً عن مكان يعرض فيه لوحاته.
كان فناناً بارعاً ولكنّه لم يكن معروفاً بعد وكان قد وجدَ صعوبة بأن يقبل به أحد. ولكن مدير معرضنا، قرّر أن يعطيه فرصة لكي يضع قدماً في عالم اللوحات التي تباع للأثرياء وأصحاب الذوق الرفيع. وهكذا بدأتُ العمل معه وكنا نلتقي يوميّاً لنضع جدولاً ونقرّر كيفيّة نشر فنّه، ليطال جمهوراً واسعاً. وبعد هذا العمل المكثّف، نال العرض نجاحاً كبيراً بفضل رسوماته الجميلة وعملي الدؤوب. وليشكرني على تعَبي معه، قام مازن بدعوتي إلى العشاء وقبلتُ بسرور، أوّلاً لأنّني أستحقّ هذه المكافأة وثانياً لأنّني كنتُ معجبة به. وقضينا وقتاً ممتعاً نتكلّم عن الرسم والنحت والشهرة. لم أكن أعلم آنذاك إن كان مازن يبادلني شعوري أو كان إهتمامه بي مهنيّ فقط، إلى حين أبدى رغبته برؤيتي مجدداً. وسألتُه:

- لماذا؟ لقد إنتهى المعرض

- أعلم هذا ولكنّني أستمتع برفقتكِ وأعترف أنّني أشتاق إليكِ...

إحمرّ وجهي وإبتسمتُ له وقبلتُ أن أراه. وهكذا ولدَت علاقة بيننا، مليئة بالفن والألوان كما أردتُها أن تكون. وبعد بضعة أشهر، طلبَ مازن يدي وأصبحتُ زوجته. في البدء كانت حياتي تشبه الحلم، لدرجة أنّني لم أصدّق أنّني وجدتُ إنساناً بهذا الكمّ مِن الشغف والحماس ولكن سرعان ما جفّ حبّه لي. لم أنتبه فوراً على التغيير الذي كان يحدث، لأنّ زوجي كان منهمكاً بإقامة معرضه الثاني وكان منشغلاً جداً وبالطبع إنتظرتُ حتى ينتهي مِن تحضيراته لكي نعاود حياتنا الجميلة سويّاً ولكن هذا لم يحصل، لأنّه وبكل بساطة لم يعد مهتمّاً بأمري. وحين سألتُه عن سبب إهماله لي قال لي بكل بساطة:

- حين تعرّفتُ إليكِ، كنتِ مصدر إلهاماً لي وبفضلكِ رسمتُ لوحات رائعة ساهمَت بإطلاقي في عالم الفن... ولكن اليوم لم يعد لكِ أي تأثير على عملي... أنا آسف...

- ماذا تقصد؟ هل تريد أن نفترق؟

- إسمعيني... أنا لا شيء مِن دون فنّي... لا وجود لي ولا جدوى مِن حياتي... إن لم أعد قادراً على الإنتاج، فمِنَ الأفضل أن أموت... أحبّكِ ولكنّني بحاجة إلى نوع خاص مِن الحب... كالذي كان بيننا عندما بدأنا علاقتنا... لا أريد ان أسبّب لكِ الأذى ولكنّني بحاجة إلى معاشرة إمرأة تثير فيّ الإبداع... قد تكون فترة قصيرة كما قد تكون طويلة، فأنا لا أستطيع تحديد ذلك... إن كنتِ قادرة أن تقاسميني مع أحد آخر، فيمكننا البقاء سويّاً أمّا إذا كان هذا سيسبّب لكِ التعاسة، فمِن الأفضل أن يذهب كل منّا في طريقه... فكّري في الأمر.

وطبعاً صدمتُ بسماع هذا الحديث، فلم أتخيّل يوماً أنّ رجل حياتي وبالأخصّ زوجي سيأتي ويقول لي أنّه يريد أن يقع بحب إمرأة أخرى. بكيتُ ثمّ أخذتُ أفكّر في الأمر كما طلبَ منّي أن أفعل وقلتُ لنفسي أنّني ربما أستطيع إنقاذ زواجي إن كنتُ صبورة، لأنّني كنتُ أعلم أنّ طباع الفنّانين ليست تقليديّة وأملتُ أن تكون مرحلة عابرة أسترجع مِن بعدها حبّ زوجي. فأعطيتُه جوابي:

- سأتحمّل الوضع ولكنّني أريد منكَ ألّا تقلّل مِن إحترامي يوماً وألّا تنسى أنّني زوجتكَ... فعليكَ أن تكون كتوماً بما يخص علاقاتكَ وألّا يعرف أحداً بها حتى أنا.

ووعدَني بذلك بعدما قبّلني وشكرَني على تفهّمي وحكمتي. وبدأ يغيب عن المنزل ليذهب إلى "مشغله" كما كان يسمّيه، ليعمل على لوحاته ويلاقي عشيقاته. لم أنزعج كثيراً طالما كان يعود إليّ في المساء ويلاطفني ويخبرني عن مسيرة عمله ولكن ضمنيّاً كنتُ مشتاقة إلى حياتنا السابقة، حيث لم يكن لديه سواي في حياته. وأقامَ معرضه وعندما إكشتفتُ رسوماته، رأيتُ فيها علامات الإبداع وعندما تكلَّمت جميع الصحف عنه، علمتُ أنّني فعلتُ الصواب، فمِنَ المؤسف أن أكون السبب في فشل إنسان ببراعته. وإنتظرتُ أن يعود إليّ بعدما إنتهى مِن إنشغالاته وهكذا حصل وكنتُ أسعد إمرأة في العالم. عندها أطلعتُه على رغبتي بأن أصبح أمّاً ولكنّه لم يكن مِن رأيي:

- لا لا لا! لا أريد أولاداً!

- ولكنّنا عائلة الآن وأريد طفلاً.

- لا أستطيع تحمّل بكاء طفل في المنزل ولا القيام بواجباتي كأب... هذا ليس مَن أنا... تريدين نهايتي؟ أنظري إليّ... هل أبدو قادراً على تربية ولد؟

- أنا سأفعل ذلك... لا أطلب منك شيئاً.

- لن يحدث هذا! إن كنتِ تريدين الإنجاب إفعلي ذلك مع غيري!

لم أقابل يوما شخصاً بأنانيّته وأدركتُ أنّه لا يحبّ أحداً سواه وأنّني واقفة على مفصل مهمّ في حياتي وأنّ عليّ أخذ قرارات حاسمة بشأن مستقبلي. ولكن في ذلك الوقت، تمّت دعوته إلى الخارج ليقوم بسلسلة محاضرات وطلبَ منّي مرافقته، فأرجأتُ إتخاذ القرارات إلى ما بعد عودتنا. وعندما وصلنا إلى لندن، ذهلتُ بجمال المدينة وأناسها ونسيتُ موضوع الإنجاب وسط الدعوات والسهرات والمقابلات. ولكن عندما حان موعد العودة، قال لي مازن أنّه سيبقى هناك بعض الوقت ليقوم بأعمال صغيرة لن تستغرق سوى أيّام قليلة. ورجعتُ إلى البلد وإنتظرتُه حتى يلحق بي ولكنّه بدأ يجد كل يوم عذراً جديداً، حتى أن فهمتُ أنّ لديه عشيقة هناك تعرّف عليها أثناء تواجدي معه ما أغضبني كثيراً. عندها قلتُ له أن يبقى حيث هو، لأنّني لم أعد أريده. ولم يؤثّر ذلك عليه، بل بدا سعيداً لهذا القرار. ودام غيابه ستة أشهر، جاء مِن بعدها يقرع الباب وكأنّ شيئاً لم يحصل وأمام هذه الوقاحة الممزوجة بنوع مِن البراءة، لم أعد أعلم كيف أتصرّف معه:

- ماذا تفعل هنا؟

- عدتُ إليكِ حبيبتي...

- قلتُ لكَ أنّني لم أعد أريدكَ... إرجع إلى تلك المرأة!

- لقد تركتُها... لم أعد بحاجة إليها بعدما رسمتُ لوحتَين رائعتَين!

- لن تستطيع إستعمال الناس لِمصلحتكَ طوال حياتكَ... سيأتي يوم وتجد نفسكَ وحيداً... الآن إرحل مِن هنا!

وإقتربَ منّي ومسكَني وقبّلَني بِشغف وضعفتُ أمامه كالعادة. وعدنا كالسابق نحبّ بعضنا كالمجانين وتخيّلتُ أنّ متاعبي إنتهَت. ولكنّني لم أتصوّر أبداً أنّ يوماً سيأتي ويتخطّى مازن حدود المعقول والمقبول ويجلب معه في ذاك ليلة إمرأة إلى منزلنا. كنتُ خارج البيت أتسوّق، حين فتحتُ الباب ورأيتُهما جالسَين على الأريكة يضحكان سويّاً. سألتُه مَن تكون تلك السيّدة فأجابَني:

- إسمها نورا... لا أعرف شيئاً آخراً عنها... قابلتُها في المقهى وأثارَت إهتمامي وألهمَتني كثيراً... أستطيع تصوّر لوحتي الجديدة منذ الآن...

- وماذا تفعل هنا في بيتنا؟

- ستنام نورا هنا الليلة بقربي...

- ماذا؟؟؟ في سريرنا؟ وأنا؟

- تستطعين النوم على الأريكة أو عند أحد ما... أنا بحاجة إلى دفء جسدها لأعمل في الغد.

- حسناً...

ودخلتُ الغرفة وأخذتُ حقيبة وملأتها بأمتعتي وكل ما يخصّني وخرجتُ مِن المنزل مِن دون عودة. لم يدرك مازن أنّني تركتُه، فبعد بضعة أيّام هاتفَني قائلاً أنّه إشتاق إليّ وأنّه إنتهى مِن "عمله" وأنّني أستطيع العودة. وبالطبع لم أعد، بل طلبتُ الطلاق. حصلَ هذا منذ سنين طويلة وأنا اليوم أمّ لثلاث أولاد، بينما لا يزال مازن يتنقّل مِن إمرأة لأخرى، بحثاً عن إلهام لا يدوم.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button