تآمروا ضدّ حبّي لِدارين

كان لي حبيبة وكنتُ أسعد الرجال وإعتقدتُ أنّ الأمور تسير دائماً كما نتصوّرها أي أنّ لا شيء يمكنُه أن يعكّر صفو حياتنا. ولكنّ الواقع يأتي غالباً لِيذكرّنا بأنّنا مجرّد أحجار يحرّكها القدر ليلعب بنا كما يشاء ويسخر مِن أحلامنا. أحببتُ دارين منذ اللحظة التي تلاقَت بها نظراتنا وعندما إبتسمَت لي، إمتلأ قلبي بالدفء وعلمتُ أنّه لن يدقّ إلاّ لها. وعمِلتُ جهدي لأراها مجدّداً وتواعدنا وكانت لقاءاتنا دائماً جميلة. كنتُ أحبّ أن أستمع إليها وهي تخبرُني عنها وعن كل الذي يستهويها وكانت عيناها تلمعان كلمّا نظرَت إليّ. وعندما تأكدّتُ مِن مشاعرها تجاهي، ركضتُ أخبر أمّي عنها. ولكنّني لم ألمس مِن ناحيتها أي حماس لقصّة حبّي مع أنّني لطالما كنتُ المفضّل لديها. وعندما سألتُها عن تلك البرودة، أجابَت:

 

ـ أرجو ألاّ تكون جديّاً في علاقتكَ مع هذه الفتاة

 

ـ بلى... هي التي أريد أن أقضي معها باقي حياتي... لماذا تقولين ذلك؟

 

ـ لأنّني أريدكَ أن تتزوّج مِن مُنيرة إبنة شقيقتي...

 

ـ ولكن يا أمّي... مُنيرة هي بمثابة أخت لي... لا أحبّها ولا أتصوّر نفسي معها أبداً

 

ـ ولِما لا؟ هي فتاة جميلة وذكيّة ورصينة... هذه صفات مهمّة لزوجة المستقبل... الحبّ ليس مهمّاً بقدر الخصل الحميدة... هذه الفتاة التي تحبّها ربمّا ليست صالحة لتكون أمّ أولادكَ.

 

ـ وما أدراكِ أنّها ليست مؤهّلة لذلك؟ أنتِ لا تعرفينها بعد!

 

ـ إجلبها إذاً وسنرى

 


ودعوتُ دارين للمجيء إلى بيتنا والتعرّف إلى والدتي وكنتُ أفضّل أن يكون والدي موجوداً معنا ولكنّه كان في أفريقيا حيث كان قد ذهَبَ منذ أشهر للإهتمام شخصيّاً بمصالحنا هناك. ولكنّ أمّي إستقبلتها ببرودة واضحة وسألَتها أسئلة عديدة عنها وعن ذويها على أمل أن تجد عيباً ما. ولكنّ حبيبتي كانت مِن عائلة ذات سمعة جيّدة الأمر الذي أغضبَ أمّي. وحين رحَلت دارين، سألتُ والدتي عن رأيها بها، فقالت:

 

ـ لا بأس بها... ولكنّني أفضّل مُنيرة عليها

 

ـ هذا لأنّها قريبتكِ... ولكن عندما تصبح دارين كنّتكِ أنا متأكدّ أنّكِ ستحبّينها كثيراً

 

وبدوري تعرّفتُ إلى أهل حبيبتي وأحبوّني، فقرّرتُ أن أحدّد موعد الزفاف إلى ما بعد عودة والدي ولكن أمر جاءَ ليعكرّ علينا جوّ الفرح الذي لفنّا أنا ودارين وهو أنّ أبي أصيبَ بحمىّ المالاريا وتوجّبَ عليّ أن أذهب إليه بأقصى سرعة ممكنة. عندها قلتُ لأمّي:

 

ـ لماذا لا يذهب أخي بدلاً عنّي؟

 

ـ أنتَ البكر وتعرف بأمور مصالحنا هناك... أبوكَ مريض وأنتَ تحاول التملّص مِن المسؤوليّة؟ أليس لديكَ أي عاطفة تجاه الذي ربّاكَ وأعطاكَ كل ما تملكه؟

 

ـ بلى يا أمّي... سأفعل ما تطلبينه منّي...

 

وركضتُ إلى دارين وطلبتُ منها أن تتفهمّ الوضع وبالطبع شجّعَتني على السفر لأنّها كانت إنسانة محبّة وحنونة. وودّعتُها واعداً إيّاها أنّ غيابي لن يطول. وعندما وصلتُ إلى نيجيريا، وجدتُ والدي في الفراش وحزنتُ على رؤيته هكذا. وبعد أن إطمأنّيتُ عليه، قصدتُ مقرّ الشركة وأخذتُ مكانه وإعتقدتُ أنّها لن تكون سوى مسألة أيّام. ولكنّ وضع أبي لم يتحسّن بل بالعكس وهكذا إضطرّيتُ للمكوث وقت أطول. وبالطبع بقيتُ على إتصال مع دارين أُطلعُها على المستجدّات كلهّا. ومرَّت الأيّام ثم الأسابيع ومِن بعدها الأشهر وأنا أنتظر بفارغ الصبر أن يتعافى والدي ولكنّ ذلك لم يحصل. وفي هذه الأثناء، بدأت تخفّ جوابات دارين على رسائلي رغم وعودي بالعودة. لِذا قرّرتُ أنّ عليّ الرجوع بأقرب وقت خاصة أنّني بدأتُ أشكّ بجديّة مرض أبي. فقرّرتُ أن أتأكدّ مِن الأمر وفي ذات يوم دخلتُ غرفة والدي وقلتُ له:

 

ـ هيّا بنا!

 

ـ إلى أين؟

 

ـ إلى المشفى... حالتُكَ لا تتحسّن ولا أعتقد أنّ العلاج الذي تتبعه ملائم... هيّا آخذكَ إلى حيث سيهتمّون بكَ بشكل أفضل.

 

ـ لا! لا أريد الذهاب!

 

ـ إذاً سآتي لكَ بطبيب آخر.

 

ـ لا! لا أريد طبيباً!

 

ـ ولِما لا؟ لن أتراجع! إمّا المشفى وإمّا طبيب جديد... أنا مصرّ على ذلك

 

عندها إعترفَ لي والدي أنّه ليس مريضاً بل أنّ أمّي طلبَت منه أن يتداعى المرض لكي آتي إليه وأبقى معه أطول مدّة ممكنة. نظرتُ إليه بدهشة وسألتُه:

 


ـ ولماذا تفعل ذلك أمّي؟

 

ـ لكي يتسنّى لها إبعاد خطيبتكَ عنكَ وتزويجكَ مِن مُنيرة.

 

وفي اليوم ذاته، أخذتُ أوّل طائرة إلى البلد وركضتُ لأرى دارين قبل فوات الأوان خاصة أنّني لاحظتُ فتوراً واضحاً في مشاعرها نحوي. ولكنّني وصلتُ متأخّر لأنّ والدها أخبرَني أنّها خُطبَت لشاب آخر. وعندما طلبتُ أن أراها منَعَني مِن ذلك قائلاً:

 

ـ لقد أضعتَ وقت إبنتي بما فيه الكفاية... إنتظرَتكَ ولكنّكَ لم تعد وعندما أرادَت معرفة مصيرها قصَدَت والدتكَ التي نصحَتها أن تجد مَن يحبّها فعلاً لأنّكَ وحسب قولها كنتَ تتلاعب بمشاعرها وتخطّط للبقاء في أفريقيا بصورة دائمة. ولكي تتأكدّ مِن الخبر إتّصلَت دارين بأبيكَ هناك وعلِمَت منه أنّه ليس مريضاً وأنّكَ أنتَ الذي أرادَ موافاته إلى نيجيريا للعمل معه والإستقرار عنده.

 

ـ هذا ليس صحيح! أمّي وأبي كذِبَا عليها وعليّ أيضاً! أرجوكَ سيّدي دعني أرى دارين لأشرحَ لها ما حصل فعلاً!

 

ولكنّ الرجل أقفلَ الباب بوجهي بعدما طلبَ منّي أن أدَع إبنته وشأنها. وعدتُ إلى منزل أهلي حزين القلب ومكسور. وإستقبلَتني أمّي بفرح وعانقَتني قائلة:

 

ـ ستنساها... سترى...

 

وكنتُ أريد أن أعاتب والدتي ولكنّني لم أرَ جدوى في ذلك، فكانت حبيبتي تكرهني ولم يكن لديّ إثبات على براءتي لِذا فضّلتُ الإستسلام. وهكذا بعد زفاف دارين بقليل، تزوّجتُ مِن مُنيرة كما أرادَتني أمّي أن أفعل منذ البدء. كنتُ قد وقعتُ ضحيّة مؤامرة حاكَتها والدتي بمساعدة أبي فقط لتدير حياتي كما تشاء دون أن تأبَه بمشاعري أو مشاعر التي أحببتُها وكأن ذلك لم يكن مهمّاً أمام أرادتها. ولم أستطع أن أحبّ زوجتي لأنّها لم تكن مثل دارين ولأنّني إعتبرتُها السبب فيما حصلَ لي. ولم أدَعها تحمل منّي لكي أستطيع تركها لاحقاً. وحتى حدوث تلك اللحظة، أعيش حياتي كما أشاء أي أغيب عن المنزل طوال النهار ومعظم الليل ضارباً عرض الحائط كل توسّلاتها ونداءات أمّي. لن أسمح لأحد أن يقرّر عنّي بعد الآن. أنتظر فقط الوقت المناسب لأذهب بعيداً وأبحث عن إمرأة تسدّ الفراغ الذي تركَته حبيبتي.

أما مِن ناحيتها، فأصبح لِدارين إبنة صغيرة وعلِمتُ أنّها سعيدة مع زوجها. أتمنىّ لها كل التوفيق ولا أريد لها سوى السعادة حتى لو كان ذلك مِن دوني لأنّني أحبّها كثيراً ونسيانها أمر شبه مستحيل.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button