العريس المثالي!

جاء عريسي وأهله إلى دارنا واستقبلَه أهلي بالترحاب، فهو كان رجُلاً مُقتدرًا وذات مركز إجتماعيّ عالٍ. إلا أنّني لَم أكن أُريدُه على الاطلاق، ليس فقط لأنّه يكبرُني بعشرين سنة بل لأنّه كان غليظًا ومُتشاوفًا إلى أقصى درجة. فبإعتقاده، على كلّ فتاة أن تحمدَ ربّها لأنّه إختارَها. والدايَ كانا أيضًا مِن رأيه ولَم يفهما سبب رفضي له. ويوم قدِمَ مع أمّه وأخيه، رحتُ أحبسُ نفسي في غرفتي ورفضتُ الزواج منه، بالرغم مِن تهديدات أهلي بأقصى العقوبات. فحياتي كانت على المحكّ وكذلك سعادتي ومُستقبلي. رحَلَ ضيوفنا فدخَلت أمّي غرفتي وأنّبَتني كثيرًا، ثمّ بدأَت تتغنّى بمزايا العريس وكيف سأعيشُ معه بهناء وراحة، فصرختُ بها:

 

ـ ألا يجدرُ بي أن أحبّه؟!؟ كيف لي أن أمضي عمري معه، كيف لي أن أنامَ معه وبالقرب منه كلّ ليلة يا ماما؟!؟

 

ـ أنتِ لا تعرفين مصلحتكِ، على خلافنا. سترَين أنّنا على حقّ، فالحياة ليست كما تتصوّرينَها زهريّة اللون، بل هي مليئة بالمصاعب والمفاجآت غير السارّة. لِذا عليكِ أن تتزوّجي مِن رجُل ناجح ومُقتدِر. إسمعي... لماذا لا تخرجين معه بضع مرّات وتجلسين معه لترَي إن كنتِ مُخطئة بشأنه؟ لا خسارة في ذلك. ما رأيكِ؟

 

قبلتُ أن أتلاقي مع قصَي، هكذا كان إسمه، فقط لإسكات والدَيّ، لكنّني كنتُ واثقة مِن أنّني لن أُغيّرَ رأيي.

تفاجأتُ بالعريس آتِ بحلّة مُختلفة، أيّ أكثر رخاءً ولوحده، فاصطحبَني بسيّارة جميلة لَم تؤثِّر بي كثيرًا، لكنّه لَم يُحاول إبهاري بل تصرّفَ على طبيعته حين قصدنا مطعمًا لطيفًا وأخذنا نتحدّث. في البدء لَم أُبادِله الكلام بل بقيتُ أهزّ برأسي بصمت. لكن سرعان ما صرتُ أُحدّثه بعدما رأيتُ أنّ ما يقوله منطقيّ جدًّا وذكيّ، فهو أثارَ مواضيع شتّى بلباقة ولطف. لَم أجِده غليظًا بل طيّبًا ويُحاولُ تطميني بعد أن أدركَ مدى عدَم تجاوبي. وفي المرّات التي تلَت، كان قصَي أكثر إرتياحًا فتسنّى لي أن أتعرّفَ على شخصيّته الحقيقيّة البعيدة عن التشاوف والتعالي. وهو أخبرَني عن طفولته ومسيرته، وكيف أنّه كوّنَ نفسه بنفسه بعد جهد جهيد. هل وقعتُ في حبّه؟ ليس تمامًا لكنّني شعرتُ تجاهه بقرب لَم أتصوّره مُمكنًا. هل كانت أمّي على حقّ؟ للأسف لا. وستعرفون لماذا خلال سردي لباقي القصّة.

وهكذا تبدّلَ رأيي بقصَي وقبلتُ به، الأمر الذي أراحَ بال وقلب والدَيّ. أقامَ لي عريسي حفل زفاف ضخم حضرَه الأهل والأصدقاء الذين هنّأوني وحسَدوني، ورحنا للخارج لقضاء شهر عسلنا. وأُقِرُّ أنّ تلك الأيّام التي عشتُها على إحدى الجزر الخلابة كانت ساحرة. ولدى عودتنا إلى بيتي الجديد، تفاجأتُ بوجود أمّ وأخ قصَي اللذَين كانا سيعيشان معنا... بصورة دائمة، الأمر الذي لَم يُطلِعني عليه أحد. سكتُّ عن الأمر كَي لا أبدو كالعروس المُتذمِّرة، فسألتُ زوجي عن الأمر وهو قال: "أين تُريدين أن يعيشا؟". فهمتُ أنّ هذَين الشخصين سيكونان جزءًا مِن حياتي اليوميّة، وعزمتُ على التعرّف عليهما أكثر بالرغم مِن إستيائي. على كلّ الأحوال كانت لدى قصَي عاملة تنظيف وأخرى تأتي مرّتَين في الأسبوع لتحضير الوجبات، فلَم أضطرّ للعمَل الاضافيّ، وحمدتُ ربّي أنّ زوجي لدَيه المال الكافي لإراحتي.

لكنّ الأجواء في البيت لَم تكن مُريحة، إذ أنّ قصَي كان يقضي وقته في العمَل ويتركُني مع أمّه وأخيه الذي، لسبب جهلتُه، لَم يكن يعمَل بل يقضي وقته مُستلق على الأريكة بالرغم مِن أنّه تخطّى الأربعين مِن عمره. علاقتي بحماتي كانت جافّة، على الأقل مِن جانبها إذ أنّها لَم تُحاول التقرّب منّي، بل تصرّفَت وكأنّني غير موجودة على الإطلاق مع أنّها كانت قد حبَّذَت بزواجنا وطالبَت به. غريب أمر تلك المرأة!

سكنَني الملَل، فصرتُ أقضي نهاري عند أهلي مع والدَيّ وأخوَتي، وأرجعُ إلى البيت قَبل عودة قصَي. أمّا هو، فكان يمكثُ معي خلال العشاء، ثمّ نصعد إلى غرفتنا ليقوم بواجباته الزوجيّة تجاهي وننام.

نصحَتني أمّي أن أحمَل بسرعة كَي أملأ ذلك الفراغ، خاصّة أنّ قصَي كان يُسافرُ على الأقل كلّ شهر يومَين أو ثلاثة وأحيانًا أسبوعًا بكامله بداعي العمَل، ويُرافقُه أخوه في كلّ مرّة. لماذا لَم يكن يأخذُني قصَي معه أيضًا بدلاً مِن تركي مع أمّه؟ أنا لَم أتزوّج لأصبحَ وحيدة أكثر مِن قَبل، بل لأحظى برجُل يُحبُّني ويُعطي لحياتي طعمًا جميلاً، حياة نتوّجُها بطفل يُشبهُنا. لِذا أرجأتُ موضوع الانجاب بتناولي سرًّا الأقراص، فكنتُ مُحبطة ولا أُريدُ جَلب مولود إلى الدنيا وأنا لَم أجِد توازني الزوجيّ بعد.

مُشكلتي الأكبر كانت مع عماد أخ زوجي، فكنتُ أنزعجُ منه لأقصى درجة بسبب كسَله المُزمِن، وتصرّفاته في البيت وكأنّه سيّد المكان وكأنّني إحدى العاملات فيه. حاولتُ التحدّث معه مرّات لا تُحصى، لكنّني جوبِهتُ برفض مِن جانبه، بل لمَستُ إزدراءً واضحًا لي. مَن يظنّ نفسه؟!؟ هل لأنّ أخاه لدَيه عمَل يدرُّ عليه الأموال وبيتًا جميلاً؟ هل ظنّ عماد أنّ قصَي "إشتراني" مِن أهلي؟ لَم نكن فقراء بل مِن الطبقة الوسطى، وكنتُ سأجدُ في كلّ الأحوال عريسًا آخَر عاجلاً أم آجلاً. أخبرتُ زوجي بما يجري بيني وبين عماد، وهو قال لي:

 

- لطالما كان أخي مُختلفًا عنّي... أتركيه وشأنه. ولا تنسي أنّه لا يزال عازبًا، الأمر الذي خلقَ لدَيه إمتعاضًا. إنّه إنسان طيّب وحنون، صدّقيني.

 

طيّب وحنون؟!؟ على كلّ الأحوال، فعلتُ كما قال لي قصَي وابتعَدتُ عن أخيه... وعن أمّه وعن البيت كلّه!

مرَّت الأشهر ثمّ السنة، ولَم يتغيّر شيء سوى أنّني فقدتُ بهجتي وصرتُ نحيلة وتعبة طوال الوقت. بكلمة، غرقتُ في الاكتئاب الذي يُصابُ به كلّ إنسان خسِرَ ما كان لدَيه ونالَ ما لَم يكن يُريدُه. فما نَفع المال والجاه إن كان المرء لا يضحكُ ولا يحلُم؟

أردتُ التراجع والطلاق إلا أنّ أمّي منعَتني مِن ذلك، مُهدّدة بإقفال الباب في وجهي إن قرّرتُ العودة إلى المنزل الأبويّ. ما هذه القساوة؟ ألا ترى والدتي كَم أنّني تعيسة؟ هل يجب أن تُضرَب أو تُهان الإبنة ليُسمَح لها بالعودة؟ ماذا عن حالتها النفسيّة وقلّة سعادتها؟

ووسط ذلك المناخ غير الصحّيّ، تفاجأتُ يومًا بعماد يدقٌّ باب غرفتي. هو وقَفَ قبالتي وقالَ لي بنبرة قاسية ونظرة غضب واشمئزاز:

 

ـ ألن تُنجِبي على الاطلاق؟!؟ ماذا تنتظرين؟

 

ـ وما شأنكَ أنتَ؟!؟ لا تتدخّل بحياتي الخاصّة والزوجيّة!

 

ـ الموضوع يخصُّني أكثر ممّا يخصّكِ... يا زوجة أخي! علينا معرفة سبب عدَم إنجابكِ فلقد مرَّت سنة بكاملها!

 

ـ أخرُج مِن غرفتي على الفور! هيّا! ما هذا الكمّ مِن الوقاحة؟!؟

 

أخبرتُ زوجي مساءّ بما حصَلَ وهو هدّأ مِن غضبي قائلاً:

 

- ألَم أقُل لكِ إن عماد مُختلف؟ لا تُعلّقي أهمّيّة على الأمر... لكن ماذا عن موضوع الحَمل؟ ربّما علينا أخذكِ إلى طبيب، فأنا أُريدُ ولَدًا لأنّني لَم أعُد شابًّا ولا يجب أن أتأخّر أكثر مِن ذلك.

 

كان بإمكاني التوقّف عن أخذ الأقراص وإثبات قدرتي على الانجاب، لكنّني لَم أفعَل بسبب امتعاضي مِن أخ زوجي وبسبب قلّة سعادتي الزوجيّة المليئة بفراغ لا يُحتمَل. أردتُ الخروج مِن زواجي واحترتُ بإيجاد الطريقة المُناسبة.

وزادَ امتعاضي حين قالَت لي حماتي بعد أيّام قليلة:

 

ـ ما بالكِ؟ تقضين وقتكِ بالأكل والنوم وزيارة أهلكِ... نُريدُ منكِ ولَدًا وبأسرع وقت، ألَم نأتِ بكِ لهذا الغرَض؟

 

ـ ماذا؟!؟ "أتَيتُم بي"؟ ما هذا الكلام؟ إبنكِ أحبَّني وأرادَني زوجةّ له بكلّ جوارحه وعمِلَ جهده لإقناعي به. الإنجاب يأتي نتيجة حبّ وتفاهم والولَد يكون ثمرة ثنائيّ يُريدُ بناء عائلة مُحبّة على أسُس قويّة. أين تلك الأسس؟ فأنتِ لا توجّهين الكلام لي على الاطلاق ولا عماد. أمّا زوجي، فهو يُعاملُني وكأنّني قطعة أثاث في بيته. لن أنجِب!

 

وفي تلك اللحظة، إنضمَّ عماد لأمّه وبدأ يصرخُ عاليًا:

 

- أريدُها أن ترحَل! لقد كذبتُما عليّ وقُلتُما أنّها لن تمكثُ طويلاً، بل إنّها سترحَل فور إنجابها الطفل! إن هي لَم ترحَل فسأفعلُ ما وعدتُكما به!

 

خافَت حماتي كثيرًا مِن كلام إبنها، فاتّصلَت بزوجي على الفور باكيةً، فقدِمَ قصَي في غضون دقائق.

ما حصَلَ بعد وصول قصَي شبيه بحلم مُزعج، فهو أخَذَ يُقنِع أخاه بالعدول عن تنفيذ تهديدٍ لَم أفهَم ماهيته. أمّا الأم، فبدأَت توَلوِل وتصرخُ: "لماذا يحصلُ لنا ذلك يا ربّي!". وقفتُ أنظرُ إليهم وأنا أقولُ في نفسي إنّني وسط مجانين! ثمّ حصَلَ ما لَم أتوقّعه أبدًا: عانَقَ زوجي أخاه و... وقبَّلا بعضهما على الفَم! شعرتُ بالغرفة تدورُ مِن حولي إذ أنّني أعتقدتُ نفسي أتخايلُ ما يجري.

سكَت عماد أخيرًا، ثمّ قال لي زوجي:

 

- عماد ليس أخي بل... عشيقي. هو يسكنُ معنا منذ سنوات طويلة ونحن مُتحابّان، لكنّنا نُريدُ طفلاً يجمعُنا ونُربّيه سويًّا. إخترتُكِ لأنّكِ جميلة وخلوقة، لكنّكِ لَم تقومي بواجباتكِ، فعليكِ أن ترحَلي.

 

نظرتُ إلى أمّ قصَي ووجدتُها كئيبة لأقصى درجة، وهي قالَت لي:

 

- أعلَم أنّني سأحترقُ في نار جهنّم، لكنّه إبني وأنا أحبُّه كما هو. مِن الأفضل لكِ أن تعودي إلى أهلكِ. مصيري أن أبقى هنا مع هذَين، ليُسامحني الله!

 

حزمتُ أمتعتي بسرعة فائقة، وركضتُ خارج ذلك البيت البغيض وهؤلاء الناس الذين تلاعبوا بي لتنفيذ ما خطّطوا له. فهمتُ بلحظة سبب تصرّفات كلّ منهم: مِن قلّة إهتمام زوجي بي، إلى عدَم تفاعُل حماتي معي، إلى كره عماد لي وسفراته مع قصَي ليعيشا علاقتهما على سجيّتهما. كلّ شيء بدا لي واضحًا كالنهار، حتّى عدَم إعجابي بقصَي منذ البدء، إذ كان مِن البداية لا يوحي لي بالرجولة، الأمر الذي شعرتُ به غرائزيًّا.

أعطاني قصَي ما يحقّ لي مِن مال وأكثر، وطلَبَ منّي عدَم فضحه. إلا أنّني رفضتُ السكوت، فلماذا أستُر عليه بعد الذي فعلَه بي؟ لماذا أسكُت عنه ليظنّ الناس أنّني تطلّقتُ لأنّني زوجة سيّئة أو لأنّني لا أُنجِب؟ ليتحمَّل وأمّه وعشيقه مسؤوليّة خياراتهم!

لَم أجِد الحبّ مِن جديد سوى بعد أعوام، فكان عليّ أن أنسى الذي حصَلَ لي وأن ينسى الناس قصّتي، وأنا اليوم سعيدة بزوجي وولدَيّ.

أمّا بالنسبة لقصَي، فهو سافَرَ بعيدًا مع عماد بعد أن كُشِفَ أمرهما، وبقيَت أمّه لوحدها في البيت الكبير، وأنا لستُ آسفة على أيّ منهم!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button