إدّعى زوجي الأخلاق ولكن أمره إنكشف

عندما كنتُ صغيرة، كنتُ أسمع جدّتي تقول: "الناس التي تتباهى بنزاهتها كثيراً، تكون غالباً عكس ذلك" ولكنني حسبتُه قولاً قديماً يتناقله كبار السنّ تلقائيّاً ولم أدرك حقيقته إلّا بعدما تزوّجتُ عامر. تعرّفتُ إليه عندما كنّا في الجامعة ندرس إدارة الأعمال وكان يسبقني بسنة وبقينا نتواعد حتى أن تخرّجتُ ووجدنا كلانا وظائف. كان شاباً وسيماً وله أسلوب خاص بالتعامل مع الآخرين، فكان بإستطاعته إقناع أي أحد بأيّ شيء. وأظنّ أنّه أقنعَني بالزواج منه بهذه الطريقة، فأنا لم أكن دائماً أحبذّ الفكرة، لأنّه كان يصنّف الناس وينتقدها ونادراً ما كان يعجبه أحد إلى درجة أنّه لم يكن لديه أصدقاء. وحاول إبعادي عن أصدقائي قائلاً:

- ما المنفعة مِن الإختلاط بهؤلاء الناس؟ أنتِ أفضل منهم بكثير... أنا مثلاً لا أعاشر أحداً، لأنّني لم أجد مَن يساويني أخلاقيّاً وفكريّاً، لذا فضّلتُ أن أكون لوحدي... وقد إخترتكِ أنتِ، لأنّكِ الوحيدة التي تشبهني... هيّا تخلّي عن أصحابكِ، فهم يشدّونكِ إلى الوراء.

وبالطبع لم اقتنع، لأنّني لستُ مِن الذين يتخلّون عن رفاقهم بسهولة ولكنّ عامر عرف كيف يعزلني عن باقي العالم ويقنعني أنّنا نخبة الناس ولسنا بحاجة إلى أحد. حتى أهلي، لم يعودوا يأتون لزيارتنا، لأنّهم فهموا الرسالة بعد أن لمّحَ زوجي لهم أنّهم دون مستواه، مع أنّ ذلك لم يكن أبداً صحيح،اً فعائلة عامر كانت متوسطة الدخل والثقافة مثلنا تماماً. وبعد فترة طلبَ زوجي أن ننجب الطفل المثالي الذي سيكون مزيجاً ناجحاً منّا نحن الإثنين. ولم أرى أيّ مانع من إنشاء عائلة، لذا وجدتُ نفسي حاملاً بسرعة وكنّا جدّ فرحَين لقدوم طفلنا الأوّل. وأثناء حمَلي حدثَ أن صادفتُ في محل ألبسة إيمان صديقة قديمة لي وسررتُ جداً لرؤيتها بعد مرور سنين طويلة. وبعد أن قبّلتُها بحرارة، سألتُ عن أحوالها وأخبرَتني أنّها تزوّجَت ولكن عندما حاولتُ معرفة مهنة زوجها، أسرعَت في تغيير الحديث وبما أنّ الموضوع كان محرجاً بالنسبة لها، فضّلتُ عدم الإلحاح. تبادلنا أرقام الهاتف ووعدتُها بأن أكلّمها بأقرب وقت لأنّني كنتُ مشتاقة إلى الجلوس مع مَن يذكّرني بأيّام المراهقة. ثمّ خرجتُ وبقيتُ لأختار فستاناً جديداً، حين إقتربَت منّي البائعة وقالَت لي:

- زوج تلك السيّدة يملك ملهىً ليليّاً... مِن نوع خاص...

- ماذا تقصدين؟

- أقصد مكاناً حيث يلتقي به الرجال والنساء التي تبعنّ خدماتهنّ مقابل المال...

- الآن فهمتُ قصدكِ... وفهمتُ سبب تردّد صديقتي بالتكلّم عن الموضوع... يا للمسكينة... كم مِن الصعب أن تعيش مع رجل كهذا...

وعدتُ إلى المنزل وأنا أفكّر بإيمان وقررتُ أن أتّصل بها في اليوم التالي. وعندما وصل عامر مِن العمل، أخبرتُه عنها وأضفتُ:

- لا بدّ أنّها تعاني مِن الوضع، فأنا أعرفها جيّداً لقد كبرَت وسط أناساً مؤمنين ومحافظين جداً... سأقف إلى جانبها.

نظرَ إليّ زوجي وقال لي بغضب:

- وما دخلكِ أنتِ؟ لم يجبرها أحد على الزواج مِن ذلك الرجل... دعيها تتحمّل مسؤوليّة خياراتها... وأذكّركِ بما إتّفقنا عليه بشأن الأشخاص الذين نعاشرهم... النخبة فقط!

- أوّلاً لم نتّفق على شيء، بل أنتَ قررتَ ذلك لوحدكَ وثانياً إيمان إنسانة شريفة وأحبّها كثيراً... أنتَ لا تعرف معنى الصداقة ولو كنتَ تفعل، لشجّعتني على متابعة أوضاع تلك المسكينة.

- لا أريدكِ أن...

- سأفعل ما أراه صائباً، فأنا راشدة وعاقلة وأستطيع اخذ قراراتي بنفسي. تصبح على خير!


وأدرتُ ظهري له وذهبتُ لأنام. وفي اليوم التالي طلبتُ رقم إيمان وبعد أن تكلّمنا قليلاً، حدّدنا موعداً لنلتقي حول فنجان قهوة في مكان كنّا نرتاده عندما كنّا أصغر في السنّ. وهناك جلسنا وأخبرَتني قصّتها مع زوجها وكيف خبّأ عنها حقيقة عمله إلى بعد أن أصبحَت زوجته وأنجبا أوّل طفل. فلم تعد مستعدّة للرحيل وفضّلَت البقاء قرب عائلتها الصغيرة. وسألَتني عن أحوالي، فقلتُ لها:

- أنا في أفضل حال منكِ، فزوجي عامر عكس زوجكِ تماماً، فهو جدّ متعلّق بالقيَم والأخلاق ويعلّق أهمية كبيرة للعلم والثقافة. ولكنّه يزعجني أحياناً بهذا التطرّف، فلم نعد نعاشر أناس كثر، بل أصبحنا شبه معزولين... ولكن حين يولد طفلي سأنشغل كثيراً ولن يعود لديّ الوقت لأفكّر بالإجتماعيّات.

وإفترقنا وعادَت كل واحدة إلى منزلها ولأنّني لا أخبّئ عن زوجي شيء وبالرغم أنّني كنتُ أعلم أنّه سيغضب منّي، قررتُ أن أخبره بلقائي مع إيمان. وكما توقّعتُ بدأ يصرخ:

- ماذا قلتُ لكِ؟ لا أريدكِ أن تري تلك المرأة...

- وأنا قلتُ لكَ أنّني أوّد معاودة الإتصال بها لأنّها جزء مِن حياتي.

- ألا تعتقدين أنّ إيمان وكمال ليسوا مِن مقامنا؟

عندما سمعتُه يسمّي زوج إيمان، توقفتُ عن المجادلة. حتى أنا لم أكن أعلم إسمه. عندها علمتُ أنّ سبب غضب عامر ليس فقط خوفه على سمعتنا. قلتُ له بنعومة:

- حسناً حبيبي... سأنسى موضوع إيمان... لا تخف، فلن أراها مجدداً.

عندها إرتاح زوجي وقبّلني بقوّة. وبعد دقائق قليلة، دخلتُ الغرفة وبعثتُ رسالة خطيّة لِصديقتي أسألها عن إسم زوجها. ورغم إستغرابها أجابَت:

- إسمه كمال... لماذا؟

- سأشرح لكِ كل شيء غداً عندما يذهب عامر إلى العمل. لا ترسلي شيئاً الليلة.

وفي الصباح أخبرتُها بالذي جرى وإستنتجنا طبعاً أنّ زوجي يعرف زوجها ولكنّنا لم نستطع معرفة نوع هذه المعرفة. عندها قالَت لي إيمان:

- دعي الأمر لي... أنا أعرف كيف أستخرج المعلومات مِن كمال.

وإنتظرتُ يوماً كاملاً حتى حصلتُ على ما أردتُ معرفته. رنّ هاتفي وإذ بصديقتي تقول:

- حبيبتي... هل أنتِ جالسة أم واقفة؟

- جالسة لماذا؟

- لأنّ الصدمة ستكون قاسية... عندما عادَ زوجي وفي ساعة متأخرّة مِن عمله، قلتُ له أنّني إلتقيتُ بصديقة قديمة لي وأنّ زوجها عامر س. يعرفه ويرسل له سلامات. عندها ضحكَ وقال: "يا لوقاحته... يبعث لي سلامات مع زوجته... إذاً هي على علم بأنّه زبون عندي في الملهى... لا بل أفضل زبون! مِن الواضح أنّ صديقتكِ ذات صدر رحب لتستوعب أنّ زوجها يأتي وذلك منذ سنين مرّة في الأسبوع ليسهر مع فتياتي ويصرف عليهنّ المال ويأخذ كل مرة إحداهنّ إلى الفندق...

ومِن الجيّد أنّني كنتُ جالسة، لأنّني لم أتوقّع أبداً ما سمعتُه مِن إيمان. كنتُ أظنّ أنّ غياباته الليليّة الأسبوعيّة متعلّقة بعمله، فإذ به يذهب إلى الغانيات. ثمّ ضحكتُ عالياً لأنّني تذكّرتُ مدى تعلّقه بالقيَم والأخلاق وكيف أصرّ أن نعاشر نخبة الناس فقط. ولكن مِن الواضح أنّه أبعدَ عنّي أكبر عدد مِن الناس لكي لا يكشف أحد سرّه أمامي ولكنّه لم يتصوّر أبداً أن تكون صديقتي القديمة زوجة مالك الملهى. العالم فعلاً صغيراً! وبعد أن شكرتُ إيمان على معلوماتها القيّمة، أخذتُ أفكّر بحلّ لمشكلتي وقررتُ أن أقبض على عامر بالجرم المشهود وعندما قال لي أنّه سيتأخّر في المكتب، علمتُ أنّه ذاهب إلى الملهى. فطلبتُ سيّارة أجرة وإنتظرتُه قرب المدخل وبعد أن وصل إلى هناك بحوالي نصف الساعة، دخلتُ بدوري. كانت طبعاً أوّل مرّة أزور هكذا مكان وكنتُ منزعجة جداً مِن رؤية كل تلك النساء المبرّجات وهؤلاء الرجال الذين بمعظمهم يخونون زوجاتهم. ورأيتُ عامر جالساً على طاولة يحتسي الكحول مع فتاتين، فذهبتُ إليه وقلتُ له:

- كيف يسير إجتماعكَ؟

نظرَ إليّ وكأنّه لا يعرفني لكثرة إندهاشه وحاولَ الإجابة ولكنّه لم يستطع. ثمّ تابعتُ:

- سأدعكَ مع تلك الفتيات وأرحل... نهائيّاً... إبتسم!

وبواسطة هاتفي، أخذتُ له صورة لكي يكون لديّ دليل أقدّمه إلى المحكمة في حال لم يوافق على الطلاق. ولكنّه خاف مِن أن أفضح أمره وأشوّه الصورة التي إختلقها لنفسه وأعطاني الطلاق وحضانة طفلي الذي وُلِد بعد أشهر قليلة.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button