أظنّ أنّ أختي قتلَت زوجها

كانت صفاء شقيقتي وصديقتي الوحيدة وكذلك كنتُ بالنسبة لها ويوم أخبروني أنّها ستتزوّج، شعرتُ وكأنّ العالم بأسرِه يتواطأ ضدّي. وذُهِلَت المسكينة عند سماع الخبر، لأنّها لم تكن قد بلغَت الرابعة عشر مِن عمرها ولكن كان قد رآها أنوَر وأُعجبَ بها وأوفَدَ مَن يطلب له السماح لِمقابلة أهلنا. وكان ذلك الرجل تاجراً كبيراً وثرّياً وكان قد تخطّى الخمسين منذ فترة ويحلم بإنشاء عائلة. وقبِلَ به والديّ لأننا كنّا فقراء وكانت بالنسبة لهم فرصة صفاء الوحيدة ليكون لها حياة هنيئة. بكَت المسكينة كثيراً، خاصة عندما رأت عريسها ولكنّها وافقَت فقط لكي تساعدنا جميعاً على الخروج مِن عوذنا. وودّعتَني قائلة:"حبيبتي أسمى... سأفعل جهدي لكي نبقى قريبتَين مِن بعضننا... لن أتركَكِ فأنتِ دنيايَ..." ورحَلَت إلى مدينة لا تبعد كثيراً عنّا.

ليلة زفافها كانت مرعبة بالنسبة لها، فلم تكن تحب زوجها ولم تكن تعلم شيئاً عن أمور الزواج وأخبرَتني أنّها كرهَت ملمسه لها وكل ما فعلَه تلك الليلة. بكينا سويّاً وقلتُ لها أنّه يقال أنّ المرأة تتعوّد على الأمر مع الزمن وأنّها ستحبّ ممارسة الجنس مع أنوَر. لم أكن واثقة مِن الذي قلتُه لها ولكنّني أردتُ تسهيل الأمر عليها. خفتُ كثيراً أن يزوّجني أهلي مثلما فعلا مع أختي، لِذا قررتُ أن أمكث في البيت ولا أدع أحداً يراني وإهتميّتُ بدراستي وبحياة صفاء وتابعتُ كل مستجدّاتها لأساعدها على إيجاد السعادة. ورغم لطافة ومحبّة أنوَر لها، لم تستطع صفاء أن تحبه ولكنّها إستفادَت مِن ماله لتصرفه على نفسها وعلينا قائلة:"على الأقل ليس فقيراً". وأصبحَت شقيقتي تشتري الثياب الأنيقة والأحذية والجزادين الباهظة الثمن وتزيّن نفسها بالذهب والمجوهرات. ولكن كل ذلك كان مِن دون فائدة، لأنّ زوجها كان يغار عليها كثيراً ومِن خوفه أن تجد رجلاً مِن سنّها وتقع في غرامه، كان يمنعُها مِن الخروج مِن دونه. ولأنّ صحتّه لم تكن جيدّة، كانا يبقيان في المنزل معظم الوقت ما أثار غضب صفاء وزاد مِن كرهها له. ووجدَت أنّ الحل الوحيد كان أن تخرج أثناء نومه ولكنّ أنوَر لم يكن ينام طويلاً، لِذا قرَرَت أن تضع له المنّوم في فنجان الشاي الذي كان يتناوله في المساء. وهكذا أصبح لها متّسع الوقت للمرور بي وأخذي إلى المطاعم الفخمة وأماكن اللهو.

ومِن جانبي، كنتُ أتحجّج أنّني عند صديقة لي بقصد الدرس. وأمضينا أوقاتاً جميلة سويّاً ولكنّني لم أكن موافقة على تخديرها لِزوجها وخفتُ أن يُفضح أمرنا إن إستفاقَ أبكر مِن اللازم. عندها قامَت صفاء بزيادة الجرعة لتكون أكيدة مِن النتيجة. وبعد فترة، تعرّفَت شقيقتي في أحدى السهرات على إمرأة وزوجها وأصبحَت صديقتها الحميمة بوقت سريع. إستغربتُ للأمر، فكانت صفاء إنسانة خجولة لا تحبّ معاشرة الغرباء ولكنّها قالَت لي أنّ لدى تلك المرأة مزايا حميدة وأخلاق عالية. وكانت تقول الحقيقة بهذا الشأن ولكن هدفها الحقيقي كان بهجَت الزوج وكان هذا الأخير يشاطرها الإعجاب. وهكذا أصبحا بعد فترة قصيرة يتواعدان سرّاً ويمارسان الجنس في منزل وعلى سرير صديقتها. وحاولتُ إقناعها بالعدول عن الإستمرار بهذه العلاقة ولكنّها أسكتَتني وبدأت تتفاداني. ولم تعد صفاء تأخذني معها كالسابق لكي لا تسمع تأنيبي لها ولكي تستغل ذلك الوقت لرؤية عشيقها. وعندما رأيتُ إصرارها، قررتُ تركها على سجيتّها.

 


وبعد فترة، علِمتُ منها أنّها حامل ولكنّني لم أرَ الفرحة في عيونها وخلتُ أنّها إعتبرَت الجنين عائقاً عليها ولكن الحقيقة كانت مختلفة تماماً. وكانت صدمتي كبيرة جداً عندما رأيتُ عيون إبنها الزرقاء حين ولِدَ بينما كانت صفاء وزوجها سمروا اللون. ولِحسن حظ شقيقتي، كان لدينا عمّة شقراء في العائلة وإستطاعَت هكذا تبرير الذي فعلَته. ولكي لا أخسر أختي إلى الأبد، فضّلتُ عدم التكلّم معها بالموضوع وإكتفيتُ بِتهنئتها. وكانت فرحة المسكين أنوَر لا تقاس بعدما أصبح أخيراً له مَن يحمل إسمه ولكن حالته الصحيّة كانت تتدهور بسرعة وبالرغم أنّه عرض نفسه لِعدّة أطبّاء لم يُعرف سبب ضعفه.

وفي يوم مِن الأيّام، نُقِلَ بسيّارة الأسعاف إلى المستشفى بعدما غَرِقَ بغيبوبة لم يكن لِيستفيق منها. وبالطبع ركضتُ لأكون إلى جانب أختي في محنتها وكنتُ معها عندما قال الطبيب المعالج لِصفاء أنّ زوجها كان يخلط الأدوية ببعضها ولا يتقّيد بالتعليمات والمقادير الصحيحة ما أدّى إلى وقوع المصيبة. ولكن عندما نظرتُ في تلك اللحظة إلى شقيقتي، رأيتُ على وجهها بسمة خفيفة جدّاً وعلِمتُ أنّها كانت مَن تلاعب بالأدوية إلى جانب دسّ للمحدّر. ولكنّني لم أكن واثقة مِن ذلك، لِذا لم أقل لها شيئاً خوفاً مِن أن أظلمها. ولم تكفّ صفاء عن لقاء عشيقها حتى عندما كان زوجها راقض في سرير المشفى وكنتُ أنا التي جلَست بجانبه طوال الوقت. ولكنّ الموت أخذَ أنوَر بعد فترة وجيزة وأصبحَت عندها صفاء حرّة لِتستمتع بحبيبها ومال زوجها الوفير. ولكن كان هناك عائق أخير وهو زوجة بهجَت وأرادَت شقيقتي إزاحتها مِن طريقها لكي تتزوّج مِن أب ولدها الحقيقي. ولو قدِرَت على ذلك، أنا متأكدّة أّنّها كانت قتلتها هي الأخرى ولكنّها إكتفَت بالتخطيط على دفعها إلى خيانة زوجها ما كان سيؤدّي إلى تطليقها الفوري.

وهكذا قصدَت أحد أصدقاء بهجَت وعرضَت عليه الكثير مِن المال ليُغري المرأة. لم يكن بهجَت على علم بكل ذلك لأن صفاء خافت أن يمانع أو أن يكتشف إلى أي حدّ يمكن لِشرّها أن يصل. فقصدَتني في ذاك يوم وأخبرَتني بما تخطّط له. صرختُ بها وتوسّلتُ لها بأن تدع المرأة وشأنها ولكنّها لم تسمع منّي وتابعَت ما بدأته. ولكنّ زوجة عشيقها كانت إنسانة شريفة ولم يغرّها شيء، بل تمسّكَت أكثر وأكثر ببهجَت وبزواجها حتى أن عاد يحبّها كما في السابق. وفي يوم مِن الأيّام وجَدَت أختي نفسها لوحدها مع طفل الرجل الذي تركها بعدما قتلَت بسببه. ولم تعد تطيق شيئاً ولا أحداً وقرّرت أن تبيع كل شيء وترحل بعيداً لتبدأ حياتها مِن جديد. ولكنّ إبنها لم يكن ضمن مشاريعها الجديدة، فجاءَت في ذاك يوم إلى منزلنا وتركته قائلة:

 

ـ أنا ذاهبة لِقضاء عطلة نهاية الأسبوع عند صديقة لي... إهتمّي به وسآتي لأخذه بعد يومين.

 

ولكنّها لم تعد وعلِمنا بعدما بحثنا عنها في كل مكان أنّها سافرَت إلى أميركا الجنوبية حيث إشترَت منزلاً جميلاً. حاولنا الإتصال بها دون جدوى لأنّها كانت قد محَتنا جميعاً مِن حياتها ربما لأنّنا نذكرّها بفشلها وجريمتها. وها أنا اليوم لا أزال أهتمّ بإبنها الذي يناديني" ماما". حاولتُ أن أقنع بهجَت بأن يزور إبنه مِن وقت لآخر وكأنّه صديق للعائلة ولكنّه رفض متحجّجاً بأنّه ليس متأكّداً أنّ الولد إبنه وبأنّه لا يريد مشاكل بعد الآن. ولم أتزوّج لأبقى إلى جانبه لأنّني أرفض رفضاً قاطعاً أن أتخلىّ عنه كما فعلَت أمّه ولأنّه يستحقّ أن يعيش محاطاً بأناس محبيّن.

 

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button