أردتُ جَني المال ولم يكن هناك سوى وسيلة واحدة

"سأتزوّج أميراً"...
ردّدتُ تلك الكلمات منذ ما كنتُ في السادسة مِن عمري، بعدما شاهدتُ على التلفاز قصّةٌ الفلاّحة والأمير. وبقيَت الفكرة مرسّخة في عقلي طوال حياتي كمراهقة وكشابة. والذي شجّعَني على الإعتقاد بذلك، كون البطلة فقيرة مثلي. فلَم نكن أناس أغنياء، بل على العكس ورغم العوَذ والقلّة، لم أستسلم لهذا الواقع المرير. فبدأتُ أزيل مِن حياتي كل مَن لم يكن ذات حسَب ونسَب أو يتمتعّ أهله بمنصب مهمّ أو حساب كبير في المصرف. ولكي أفعل ذلَك، إخترعتُ لنفسي شخصيّة وهميّة، ذات ماضٍ مركّب، جئتُ بها مِن قصص المشاهير وبتُ أرويها للناس بِفخر وإعتزاز.

ولكن كل ذلَك لم يكن كافياً، فمِن دون مال لم أكن قادرة على إثبات جذوري النبيلة، فَمن سيصدّقني وأنا أرتدي ثياباً قديمة وأحذية محفوفة ويداي فارغتين مِن الجواهر والحلي؟
ووقعتُ في حيرة مِن أمري، فكل ما كنتُ أجنيه مِن عملي في السوبرماركت لم يكن كافياً لِشراء ملابس أنيقة. وكنتُ سأستسلم وأعود إلى حياتي البائسة لولا تلَك المرأة التي إلتقيتُ بها في مكان عملي. كانت تلك زبونة عندنا وكنتُ أعرفها مِن أكثر مِن سنة ولاحظتُ أن أحوالها المادّية قد تغيرّتَ جذريّاً، فمِن إنسانة أكثر مِن عاديّة، أصبحَت أنيقة وتشتري بالكميّات وتصعد بسيّارة جميلة بعدما تنهي التسوّق. ولِكثرة دهشتي بهذا التحوّل لم أتردّد لِسؤالها عن كيفيّة حصول ذلَك في أقل مِن سنة. نظرَت إليّ المرأة وإبتسمَت وإكتفَت بالقول:

 

ـ أنتِ لطيفة للغاية... ولكن هذه أمور خاصة.

 

وإستَدارَت وإستعدَّت للخروج، فركضتُ وراءها ومسكتُها بذراعها:

 

ـ مهلاً... أرجو أن تقبلي إعتذاري... كنتُ قليلة التهذيب معَكِ... لاأقصد الإهانة ولكنّني بأشدّ الحاجة إلى المال... وإعتقدتُ أنكِّ ستساعدينني...

 

ـ لم تعد تهمنّي الإهانات... لقد تخطّيتُ كل ذلَك... ولكن هل أنتِ فعلاً بحاجة إلى المال؟ أراَكِ تعملين هنا ومِن المؤكدّ أنّكِ تتقاضَين أَجراً مقابل ذلَك.

 

ـ أجل ولكنّ راتبي لايكفيني.

 

ـ لايكفي لماذا؟

 

ـ لأكون كما أريد... أريد أن أصبح... مثلَكِ!

 

ـ لِتكوني مثلي عليكِ فعل ما أفعله... ولكن... هل أنتِ مستعدّة للتنازل عن أمور عديدة وتحمّل الكثير؟

 

ـ أنا مستعدّة لِفعل أيّ شيء... وأعني ما أقول.

 

عندها أعطَتني تلَك السيدّة بطاقتها وطلبَت منّي أن أكلّمها بعدما أفكرّ مليّاً بالموضوع ورحَلَت. وللحقيقة لم أفهم جيّداً ما لذي قصَدَته بكلامها ولكنّني قرّرتُ أن أخابرها في اليوم التالي. وكانت تلك الليلة حافلة بالأحلام، فرأيتُ نفسي كما كنتُ أحبّ أن أكون، أي كَسيّدة مجتمع محاطة بالمعجبين محتارة بِمَن أختار منهم.
وحين إستفقتُ مِن النوم، كانت بسمة كبيرة مرسومة على وجهي. وإنتظرتُ بفارغ الصبر أن تصبِح الساعة ملائمة للإتصال بالمرأة وعندما فعلتُ، أعطَتني عنوان سيدّة أخرى وأوصَتني أن أقول لها أنّني آتية مِن قَبلها.
وبعد أن إتصلتُ بالمرأة الثانية، حدّدَت لي موعداً في منزلها وأملتُ أن تعطيني الوصفة السرّية التي أنتظرها. هل كنتُ أشكّ بشيء؟ أبداً، بَل ظننتُ أنّ هناَك وسيلة عصرّية لا أعرفها تخوّلني الصعود في سلّم المجتمع. وحين جلستُ مع السيدّة المذكورة ورأيتُ منزلها الجميل ومظهرها الأنيق، شعرتُ بأنّ مستقبلي سيكون هكذا وإبتسمتُ لها. سألَتني بعض الأسئلة مثل عمري ومستوى علمي وإن كنتُ أمارس الرياضة البدنيّة، ثم تطرّقَت إلى الأمور أكثر جدّية:

 

ـ حبيبتي... أنتِ في الثانية والعشرين مِن عمركِ والحياة تفتح لكِ ذراعيها واسعاً... وإن كنتِ نبيهة ستعرفين كيف تقطفين ثمارها... لن أدور حول الموضوع فلستِ قاصراً... تريدين المال وبسرعة؟ ليس هناَك سوى طريقة واحدة وهي إستثمار محاسنكِ.

 

ـ ماذا تعنين... هل فهمتُ قصدكِ جيّداً...؟

 

ـ أظنّ ذلَك...

 

ـ تقصدين أنّ عليّ بيع جسدي مقابل المال؟ هذه دعارة!


ـ أنا لم أتِ إليكِ، بل أنتِ التي فعلتِ... يمكنكِ الخروج الآن مِن هنا ونسيان الموضوع أو البقاء والأستماع اليّ... تريدين حياة الرخاء وها أنتِ تعملين في سوبرماركت بعدما حصلتِ على شهادة جامعيّة... كيف تصوّرتِ أنّكِ ستحصلين على المال إذاً؟ عن طريق الصدفة أم أنّ الدولارات ستمطر عليكِ مِن السماء؟

 

ـ لا... ولكن


ـ الأمر بسيط جداً... ويتوقّف على مدى رغبتكِ في الخروج مِن حالتكِ... لديّ زبائن كثر وأنتِ جميلة... مهنتنا صعبة في البدء ولكن سرعان ما ستعتادين على الأمر وستعرفين كيف تتدبّرين أموركِ... وإن كنتِ فالحة في العمل، سيكون لديكِ ما تشتهيه نفسكِ قبل مرور سنة. إذهبي الآن وفكرّي في الأمر مليّاً... لديكِ رقمي... أنت صاحبة القرار ولا أحداً غيركِ.

 

وعدتُ إلى المنزل ورأسي مليء بالأفكار المتضاربة ولم أكن أعلم أبداً ما سيكون قراري. فبالرغم أنّني لم أفكرّ يوماً أنّني سأضطرّ إلى ممارسة البغاء، بدَت لي الفكرة شبه مقبولة. أين ذهبَت القيَم التي ربّاني أهلي عليها؟ كان طمَعي أقوى مِن كلّ التعاليم الإجتماعيّة والدينيّة والأخلاقيّة. وفعلتُ كما نصحَتني السيدّة، أي أنّني أختلَيتُ مع نفسي ودرستُ الموضوع ورأيتُ أنهّا فعلاً الطريقة الوحيدة لأجني ما يلزم لِخوض الحياة التي لطالما حلمتُ بها. كل ما عليّ فعله، هو العمل سريّاً لِمدة سنة، ثم ترك البغاء ومتابعة حياتي كأنّ شيئاً لم يكن.
وبالطبع لم يكن الموضوع بهذه السهولة ولكنّني في ذلَك الوقت لم أقدّر مدى خطورة الأمر وذيوله. وفي اليوم التالي، طلبتُ رقم التي كانت ستصبح ربّة عملي الجديد وأخبرتُها أنّني جاهزة لِبدء مشواري معها. سألَتني إن كنتُ أكيدة مِن قراري، فأجبتُها بِ"نعم" فأضافَت:

 

ـ حسناً... أريد أن تأتي غداً مع أوراق تثبت بأنَّكِ فوق الواحدة والعشرين مِن عمرك وأن تكوني بكامل جمالَكِ لأنّني سأخذ لَكِ صوراً لأعرضها على زبائننا... أتمنّى لكِ أن تجدي معجبين في أقرَب وقت.

 

وعملتُ على تحسين مظهري، فقصدتُ مصفّف الشعر وأخصّائيّة التجميل وإستعرتُ هدوماً مِن صديقتي دون أن أقول لها طبعاً لماذا أريدها وذهبتُ لأبدأ حياتي الجديدة. دخلتُ منزل السيّدة وقلبي يخفق بسرعة ليس مِن الخوف، بل لأنّني خشيتُ ألاّ أكون جميلة كفاية وألاّ أجد مَن يرغب بي. وبينما كان مصوّراً يلتقط لي الصوَر اللازمة، كانت المرأة تدوّن معلومات إضافيّة عنّي. وسألَتني فجأة وبِأعلى صوتها:

 

ـ هل أنتِ بتول؟


ـ ماذا؟

 

ـ هل مارستِ الجنس مِن قبل؟

 

عندها شعرتُ بِخجل كبير وهمستُ لها:

 

ـ لا... لم أفعل ذلَك مِن قبل.

 

وضحِكَت السيّدة وكذلَك المصور الذي قال:

 

ـ مِن العجيب كيف تكون الفتيات في البدء وكيف تصبح... تخجلين مِن سؤال بسيط ومِن ثمّ تذهَبين إلى ممارسة الجنس مع غرباء دون أي تأنيب ضمير.

 

وحين قال ذلَك، أدركتُ فظاعة ما كنتُ على وشكَ أن أفعله . نظرتُ حولي ورأيتُ هؤلاء الناس على حقيقتهما، أي كأسماك القرش حاضران لِغرس أسنانهما في لحميَ الطريّ. وقفتُ فجأة وقلتُ:

 

ـ لقد غيّرتُ رأيي... أنا راحلة.

 

وركضتُ خارجاً وكأنّ أحداً يلحق بي وبقيتُ أركض حتى أن وصلتُ المنزل وأقفلتُ الباب ورائي. سألتني أمّي عن الذي يجري، فأجبتُها:

 

ـ لاشيء يا ماما... لقد نجوتُ مِن مصيبة كبيرة... لاتقلقي فأنا بأمآن هنا...

 

ولم تفهم والدتي ما الذي قصدتُه بكلامي ولكنّها إبتسمَت لي وقالَت:

 

ـ أجل حبيبتي... هنا لن يؤذيكِ أحد... فأنتِ في بيتكِ... تعالي وساعديني في إعداد الطعام.

 

ـ حالاً يا أمي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button