أرادَ زوجي قبض ثَمَني

كنتُ أحبّ زوجي كثيراً، ولم أكن أنوي أبداً أن أخونه يوماً. ولكن الظروف شاءت أن تُدخل على حياتي كمال، الذي عرَِفَ كيف يوقظ المرأة التي كانت نائمة في داخلي منذ سنين طويلة.
المشكلة كانت أنّ حامد زوجي، لم يكن ينتبه إلى حاجاتي، لا بل كان يراني أمّاً لأولاده فقط. ومنذ البداية كنتُ أعاني مِن عدم سماع الكلام الجميل منه، فهو لم يغازلني يوماً ولم أتلقّى منه أيّة وردة أو بطاقة معايدة إلّا في مناسبات معيّنة وبعد أن أطالبه بها. ربّما كان ذلك عائد إلى مهنته كمحاسب، لأنّ حياته كانت مليئة بالأرقام والمعادلات وبعيدة كل البعد عن الرومانسيّة. ومع مرور الوقت، إعتدتُ إلى هذا النمط وخمَدَت عاطفتي وشغفي للحياة وعملتُ جهدي على القيام بواجباتي المنزليّة، حتى أنّني لم أعد أرى نفسي الإمرأة الجذّابة التي أحبَّت الدنيا. ومضت السنين هكذا حتى أن بلغتُ الأربعين من عمري وكبِرَ أولادي وإبيضّ شعر رأسي وإلتقيتُ بالرجل الذي ذكّرني أنّني جميلة.
حصل ذلك من باب الصدفة طبعاً، فأنا لم أكن أنوي أن أتعرّف إلى أحد لكثرة وفائي لزوجي آنذاك. كنتُ في سيّارتي عائدة من السوبرماركت، عندما إنثقب أحد الإطارات. توقّفتُ جانب الطريق وترجّلتُ لأرى ما يمكنني فعله حين أوقف سائق سيّارته قربي وركض ليساعدني قائلاً:

 

- لا تلمسي شيئاً! أريني فقط العجلة الإحتيطيّة وسأهتمّ بالباقي.

 

شكرته كثيراً لأنّني لم أكن أعلم كيف أبدّل الإطارات وبعد أن إنتهى من مساعدتي. إبتسم لي وقال:

 

- عذراً... لم أعرّفكِ عن نفسي... أنا الدكتور أكرم ط. ... جرّاح وعازب... وأنا معتاد على مساعدة الناس... ولكن آمل ألّا اساعدكِ إلّا في تبديل الإطارات وليس طبيّاً!

 

ضحكتُ وأجبته:
- شكراً دكتور... أنتَ إنسان لطيف للغاية... كيف لي أن أشكركَ؟

 

- بإخباري أنّكِ وصلتِ إلى بيتكِ بخير... هذا رقمي... لن أزعجكِ أعدكِ بذلك... رأيتُ خاتم زواج في يدكِ ولن أسبّب لكِ أيّ إحراج... إبعثي لي برسالة عبر الهاتف ولن أجاوب عليها حتى.

 

وأخذتُ رقمه ورحل. قدتُ السيّارة إلى المنزل وبعثتُ له برسالة كما وعدتُه أن أفعل. وعندما عاد حامد من العمل، أخبرتُه بما حصل وطلبتُ منه أخذ السيّارة إلى محل بيع الإطارات لكي يصلحوا الثقب ويضعوا الإطار القديم مكانه ولكنّه قال:

- أنا متعب... إذهبي أنتِ.

 

حزنتُ عند سماع هذا، لأنّ رجلاً غريب ساعدني وزوجي وأب أولادي لم يشأ أن يخدمني بشيء بهذه البساطة. لذا ذهبتُ في اليوم التالي إلى محل الإطارات وتفاجأتُ كثيراً لرؤية كمال هناك، فسألتُه:

- ماذا تفعل هنا؟؟

 

- إنّها قصّة غريبة! بعدما ساعدتكِ بدقائق قليلة، إنثقب إطاراً في سيّارتي أيضاً! ولكن لم يتوقّف أحد لي! ربّما لأنّني لستُ بجمالكِ!

 

- أنا جميلة؟ أنتَ تمزح حتماً! أنا إمرأة عادية المظهر.

 

- من الواضح أنّه لا يوجد في بيتكِ مرايا وأنّ زوجكِ مكفوف! أنتِ جميلة جداَ!

 

عندها إحمرّ وجهي ولم أعد قادرة على الجواب. وتابع كمال:

- إسمعي... أظنّ أنّ علينا أن نبقى على إتصال... كأصدقاء طبعاً... لأنّ القدر جمعنا مرتين خلال يومين وأنا أؤمن أنّ للصدف هدفاً... أرجو أن تقبلي... لا أريد منكِ أكثر من صداقتكِ...


ولا أدري لماذا ولكنّني قبلتُ أن أبقى على صلة معه. هل كان قبولي هو نتيجة الإطراء أم شخصيّة كمال الجميلة؟ لم أكن أدري تماماً. وبدأنا نتراسل عبر الهاتف ونروي لبعضنا ما يحصل لنا خلال النهار وبقيَ حديثنا بريئاً جداً ولم أشعر أبداً أنّني أقترف أيّ خطأ. ولكنّني لم أقل لحامد عن صداقتي مع كمال، خوفاً مِن أن يشكّ بوفائي له.
ومع مرور الوقت، بدأتُ أتعلّق بهذا الرجل الذي كان يسمع أخباري ويرفع من معنويّاتي ويجاملني طوال الوقت، حتى أنّني لم أعد قادرة على عدم التكلّم معه وأصبح كمال جزءً من حياتي اليوميّة. كان يقول لي أنّني جميلة وجذّابة وذكيّة وأنّه يفكّر بي طوال الوقت ويتمنّى لو أنّه قادراً على الجلوس معي والنظر في عينيّ لساعات طويلة وأنّه يودّ أن يجلب لي الهدايا والورود، أيّ كل الذي لا يقوله زوجي لي. وكنتُ بحاجة ماسّة إلى الحنان، لأنّ فراغاً كبيراً كان يسكن قلبي بعدما قضيتُ سنوات برفقة رجلاً لا يعبّر عن شيء ويأتي من عمله ليأكل وينام ويمارس الجنس معي بسرعة مرّتين في الشهر دون أن يشعرني بأيّ لذّة. ومع كمال كنتُ أرتعش بمجرّد قراءة رسائله لكثرة الشاعريّة والرومانسيّة فيها.
وهكذا بدأتُ أحلم أنّني بين ذراعيه وأنّه يهمس لي بكل هذه الأشياء في أذني بينما تلامس يديه جسدي. ومِن جانبه كان هو أيضاً يريد أن يكون معي ولكنّه كان قد وعدني بأنّه لن يتخطّى الحدود التي رسمها لنفسه. ولكن كان من المحتوم أن تتطوّر علاقتنا: ففي يوم من الأيّام قلتُ لكمال:

 

- أريد أن أراكَ... اليوم... وافيني الساعة الثانية بعد الظهر في هذا المكان.

 

وإلتقينا وقَبل حتى أن نلقي التحيّة على بعضنا، تعانقنا مطوّلاً وشعرتُ أنّ مكاني الصحيح هو بين أذرع ذلك الرجل. ومِن بعدها ذهبنا إلى منزله الجميل وهناك مارسنا الحب لساعات وشعرتُ أنّ حياتي إكتملَت أخيراً وأنّني لن أستطيع العيش من دون حبيبي. ولكن في طريق العودة، شعرتُ بذنب كبير حيال زوجي وكرهتُ نفسي على ما فعلتُه وندمتُ كثيراً. والحلّ الوحيد بنظري، كان أن أعترف لحامد بالحقيقة وأنتظر منه السماح على غلطتي. وفي المساء قررتُ أن أتكلّم معه برويّة. كان قلبي يدقّ بقوّة حين قلتُ له:

- حامد... عليّ الإعتراف لك بشيء قمتُ به... شيء بشع للغاية... وسأنفذّ كل ما تطلبه منّي لكي تسامحني... لقد خنتكَ... إنّها أوّل مرّة وتأكّد أنّها ستكون الأخيرة... لا أعلم لماذا فعلتُ ذلك ولم أتصوّر يوماً أنّني قادرة على هذا القدر مِن الكذب وقلّة الأخلاق... سامحني أرجوك...

 

أخذَ حامد نفساً عميقاً وقال:

- هل لديه الكثير من المال؟

 

- ماذا تقصد؟ وما دخل ماله بالموضوع؟ لا أعلم إن كان ثريّاً أم لا فأنا لم أسأله...

 

- ما مهنته؟

 

- إنّه طبيب جرّاح... لماذا تسأل؟ لا أفهمكَ...

-

منزله جميل؟ أثاث البيت أهو عاديّاً أم أنّه غالي الثمن؟ والسّجاد؟

 

- ليس هذا هو الوقت المناسب للمزاح... أقول لكَ أنّني خنتكَ!

 

- أجيبيني!

 

- ذهبتُ مرّة واحدة إلى بيته... أجل الأثاث جميل والسّجاد ثمين...

 

- إذاً لدينا طبيباً يعيش في منزل جميل... وكم هو مستعدّ أن يدفع؟

 

- لقاء ماذا؟

 

- لقاء معاشرتكِ

 

- ماذا؟؟؟ أنا حتماً في وسط حلم مزعج وسأفيق منه بعد لحظات!

 

- ما دمتِ تخونينني، فمِن الأفضل أن تأتيني منفعة مِن كل هذا.

 

- أقول لكَ أنّ هذا حدث مرّة ولن يتكرّر أبداً! لستُ إمرأة سهلة ولن أبيع نفسي يوماً لأحد! هل فهمتَ؟

 

- حسناً... إذاً سأطلّقكِ لأنّك خنتني... هل هذا الحل يرضيكِ؟

 

لم أجبه وفضّلتُ الإنسحاب إلى الغرفة وهناك جلستُ في السرير لأحاول إستيعاب ما قاله لي زوجي وهل كان فعلاً يعني ما يقوله أم أنّه يختبرني. قررتُ الإنتظار لأرى مدى جديّته. وبعد أيّام على حديثنا، جاء حامد في ذاك ليلة وسألني:

- ألن تذهبي لرؤية عشيقكِ؟

 

- كلا... قلتُ لكَ أنّها كانت غلطة وأنّني لن أدعها تحصل مجدداً.

 

- أنا لا أمانع... إذهبي... ولا تنسي أن تكلّميه في خصوص الدفع... أنتِ إمرأة جميلة وجذّابة وتستحقّين مبلغاً كبيراً.

 

- الآن تقول لي أنّني جميلة؟ نسيتَ الكلام الجميل طيلة عشرين سنة وتذكّرتَه حين رأيتَ منفعة في ذلك؟ أليس لديكَ كرامة؟ تبيع زوجتكَ هكذا؟ مَن قال لكَ أنّني سلعة تضع عليها سعراً؟

 

- إذاً علينا أن نطلّق.

 

- وبكل سرور! على كل الأحوال لا أستطيع العيش مع رجل وضيع مثلكَ!

 

وتركتُ المنزل فوراً دون أن أنظر خلفي. لم أستوعب كليّاً كيف كنتُ أجهل حقيقة زوجي بعد أن عشتُ معه عقدين كاملين. وبعد أن أُعلِنَ الطلاق تزوّجتُ مِن كمال. حاولَ حامد إقناع أولادنا على العيش معي ومع زوجي الجديد ليوفّر ماله ولإجبار كمال على الصرف عليهم ولكنّني رفضتُ هذا الإستغلال الدنيء.


حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button