أدخلَني أبي إلى عالم الملذّات

كان أبي هو الذي عرّفَني على الحياة وأدخلَني إليها مِن الباب الجانبي، أي الذي يقود إلى الملذّات. وكان يقول دائماً:"أريد أن يصبح إبني رجلاً بكل معنى الكلمة!" فحين بلغتُ الرابعة عشرة، سألَني دون مقدّمة إن كنتُ قد مارستُ الجنس أو بعد. وإحمّر وجهي ولم أستطع الجواب. عندها نظرَ إليّ وهزّ رأسه بأسف وقال:"عندما كنتُ في سنّكَ، كانت تأتي جارتنا إليّ أثناء غياب أهلي وعلّمَتني الكثير...". وإبتسمَ لتلك الذكريات السعيدة وقرّر أنّني أصبحتُ أكثر مِن جاهز لإختبار الحياة الجنسيّة. ولكنّني لم أكن أبداً مهتمّاً بهذه الأمور لأنّني كنتُ أحب الدرس والقراءة وكتابة الأشعار. ولكن بالنسبة لوالدي كل هذه الإهتمامات كانت للبنات وأخذَ لي موعداً مع سوزي إحدى فتيات السيّدة منال المعروفة بتلبية كل رغبات زبائنها مهما كانت. وأستنتجتُ أنّ أبي كان يقصد منزلها بصورة دائمة لأنّنا عندما دخلنا تلقّينا إستقبالاً حاراً جداً.

جلسنا في صالون جميل وبعد دقائق جاءَت سوزي ووقَفَت أمامي شبه عارية ما أثار خجلي إلى أقصى درجة. وضحِكَ أبي مطوّلاً قائلاً:"سترى يا بنيّ... ستعتاد على الأمر وتستلذّ به... صدّقني". وأخذَتني الفتاة إلى غرفة وهناك فهِمتُ قصد والدي. وعندما خرجتُ، كنتُ قد أصبحتُ رجلاً على الأقل في مفهوم أبي. وبدأتُ أذهب إلى منزل السيّدة منال أسبوعيّاً وهملتُ دراستي وقراءاتي ولم أعد مهتمّاً بالشعر بل بكل ما كنتُ أفعله مع سوزي. لاحظَت طبعاً أمّي هذه التغيرّات وسألَتني عنها وتحّججتُ بأمور كثيرة لإسكاتها ووعدتُها أنّها فترة عابرة وبأنّها ستمرّ بسرعة.

ولكن عند السيّدة، كانت تجري أمور كثيرة كتناول المخدّرات ولعب الورق ولأنّني كنتُ أقضي هناك وقتاً طويلاً بدأتُ أجرّب كل شيء. هل والدي كان يفعل ذلك أيضاً؟ لستُ أدري لأنّنا لم نكن نلتقي هناك لأنّه كان يدخل ويخرج مِن المرآب ككل الرجال الذين يريدون حماية سمعتهم ومصالحهم. أمّا أنا فلم أكن أخشى شيئاً لأنّني لم أكن ألفت الأنظار بسبب سنّي.

ومرَّت الأيّام وتخرّجتُ أخيراً مِن المدرسة ومِن ثم مِن الجامعة بعد صعوبات عديدة وبدأتُ العمل مع أبي في مؤسسته الضخمة التي كانت تشتري شركات على وشك الإفلاس وتدمجها مع أُخرى أو تبيعها ليتمكّن صاحبها مِن تسديد ديونه. وكانت عمولتنا كبيرة لأنّنا كنّا نفعل ما لا يريد أحد أن يفعله أيّ إقناع الناس بالتخليّ عن جنى عمرهم ليستفيد آخرون مِن تعبهم. وكنتُ أقوم بعملي دون أي تأنيب ضمير حتى عندما كان هؤلاء المساكين يذرفون الدمع أمامي ويحاولون إقناعي أنّهم سينقذون شركتهم قريباً ولكنّني كنتُ أجد دائماً طريقة لإرضاخهم ولإنتزاع منهم التوقيع اللازم. وسبب هذه البرودة، مرجعها هو أنّني لم أعِش مراهقتي بشكل طبيعي وإختلطتُ بأناس أكبر منّي همّهم الوحيد هو نفسهم بما فيهم والدي ومهما حاولَت أمّي فلم تكن قادرة على إعادتي إلى ما كنتُ عليه أي إلى شاب بريء ومحبّ.

ولكن رغم تلك القساوة التي بلغتُها بقيَ قلبي يدق، فعندما رأيتُ سعاد وقعتُ في حبّها في غضون ثوان. كانت تلك الفتاة عكس سوزي والسيّدة منال وكل النساء التي عرفتُها، لأنّها كانت بريئة وهادئة ومحبّة وكان لديها إبتسامة تضيء عتمة أيّامي. وبالطبع لم تكن على علم بما دارَ في حياتي مِن شواذات ولم أرِدها أن تفعل لأنّها لم تكن لِترضى برجل مثلي. ومعها عدتُ الشخص الرقيق والمرهف وبفضلها كتبتُ الشعر مجدّداً لأعربَ لها عن شعوري العميق لها. ولكن هذا التغيرّ لم يرضِ أبي الذي لاحظَ أنّني بدأتُ أتساهل مع أصحاب الشركات وأعطيهم مزيد مِن الوقت لِتسوية أوضاعهم أو إن لم يستطيعوا فعل ذلك، كنتُ أحاول إعطائهم سعراً أفضلاً ما قلّلَ مِن عمولتنا. وعلِمَ أنّ السبب كان علاقتي الغراميّة مع سعاد وقرّر أنّ عليها أن ترحل مِن حياتي ليسترجع الإبن الذي فصّله على صورته. وفي البدء إستعمل أبي الطرق التقليديّة أي طلبَ منّي أن أتركَ حبيتي لأنّها ليست جميلة أو لأنّها لا تناسبني إجتماعيّاً ولكنّني رفضتُ. وزاد إستياءه عندما أخبرتُه أنّني أنوي الزواج منها. عندها قال لي:

 


ـ لِما الزواج؟ إمرح معها قدر ما تشاء ومِن ثم أرميها...

 

ـ سعاد ليست مِن هذا النوع... لم نفعل شيئاً بعد...

 

ـ ماذا؟ أنتَ؟ هذا لا يصدّق! فتيات السيّدة منال لا تكفّ عن الكلام عنكَ وعن قدراتكَ... ما حصلَ لكَ؟ هل فقدتَ رجولتكَ؟

 

ـ هذه ليست رجولة... لقد أضعتُ سنين مِن حياتي ألحق سراباً... الحب هو السعادة... تلك الأشياء ترضي للحظات أمّا الحب...

 

ـ كفى كلاماً سخيفاً! الحب؟ هل تطنّ أنّني أحببتُ أو أحبّ أمّكَ؟ تزوّجتُها لأنّ أبوها رجل أعمال كبير...

 

ـ لو أحببتَها لكنتَ سعيداً الآن.

 

ـ أنا سعيد عندما أذهب إلى فتيات السيّدة منال وعندما أشتري وأبيع شركات... هذه سعادتي.

 

سكتُ لأنّني أدركتُ أنّ والدي إنسان سطحي ومادّي وأنّ الكلام معه لن ينفع. وإعتقدتُ أنّه إستوعبَ أنّني ورغم محاولاته لن أكون مثله وأنّني أنوي تمضية حياتي مع حبيبتي. ولكنّه لم يكن مستعداً على فقدان الإبن الذي درّبه سنين طويلة. وفي ذات يوم، إتصلَت سعاد بي وهي تبكي بقوّة وتقول أنّها لا تريد رؤيتي أو سماع صوتي. عمِلتُ على تهدئتها وفهمتُ منها أنّ طرداً وصلها في البريد يحتوي على صوراً لي ولأشرطة فيديو أظهر فيها وأنا أمارس الجنس وأشرب وأتعاطى المخدّرات وألعب الميسر. بالطبع علِمتُ مِن أين جاءَت الصوَر والأشرطة وتوسّلتُها أن تجلبَ معها الطرد وتوافيني في مقهانا المعتاد. وبعد جهد جهيد قبِلَت معي وإلتقينا. أسفتُ جداً عندما رأيتُ كيف كانت تنظر إليّ أي بإشمئزاز عميق وكرهتُ نفسي إلى أقصى حد. إطّلعتُ على الوثائق على الحاسوب المحمول الذي جلبتُه معي وقلتُ لها:

 

ـ كل ما رأيتيه هو حقيقي... لن أحاول أن أقول أنّها صور مزيّفة... هذا الإنسان كان أنا... أقول كان لأنّني لم أعد هكذا... لن أبرّر نفسي قائلاً أنّني رجل ويحق لي أن أفعل ما رأيتِ... ليست هذه رجولة بل ضياع... وربّما كنتُ سأظل ضائعاً لو لم ألتقِ بكِ... لن أدعكِ ترحلين... سأفعل ما تريدين... دون شرط... جرّبيني...

 

ـ لما أرسلوا لي هذا الطرد؟

 

ـ لكي لا أتزوّجكِ

 

ـ ولماذا لا يريدونكَ أن تتزوّجني؟

 

ـ لأنّهم لا يريدونني أن أكون نظيفاً

 

ـ ومَن هم هؤلاء الناس؟

 

ـ أبي... هو الذي عرّفَني على تلك النساء... وأنا أكيد أنّه أخذَ الوثائق منهنّ

 

ـ إذاً عليكَ الإبتعاد عنه... وعن هذا العالم الوسخ...

 

ـ حتى لو لم تطلبي منّي ذلك كنتُ سأرحل عنه وعن تربيته البشعة.

 

وبعد أن عانقتُ سعاد وأقسمتُ لها أنّها لن تندم إن قبِلَت بي مجدّداً، قصدتُ مكتب أبي ودخلتُ عليه كالمجنون. عندما رآني بهذه الحالة علِمَ أنّ الطرد وصلَ لِسعاد وظنّ أنّها تركَتني. ضحِكَ وقال:

 

- أهلاً بإبني العزيز! هيّا بنا إلى العمل... ومِن بعدها سنذهب إلى السيّدة منال لِنحتفل بِعودتكَ!

 

- لن أعمل معكِ بعد الآن ولن تطأ قدمي ذلك المكان البشع مجدّداً!

 

- وكيف ستعيش؟

 

- لديّ شهادة جامعيّة ولديّ مِن يحبّني ويقف إلى جانبي... أمّا أنتَ فليس لديك سوى بنات الهوى وطاولات الميسر... وداعاً!

 

وتزوّجتُ مِن سعاد وعشنا بعيداً. بقيتُ على إتصال مع أمّي ولكنّني لم أعد أرى أبي. اليوم أنا رجل ناجح وأب لولدّين رائعين.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button