أخذَت زوجتي البيت ورمَتني خارجاً

كانوا على حقّ، عندما قالوا أنّ الزوج آخر مَن يعلم. فلم أشكّ يوماً بيُمنى ولو قالوا لي أنّها تخونني، لضحكتُ مطوّلاً. للحقيقة كانت زوجتي المرأة المثاليّة، متفانية لعائلتها، تستبق حاجات الجميع وكنّا نحبّ بعضنا كثيراً. ولَم يحصل أي تغيير في تصرّفها أو مزاجها منذ أوّل يوم حملَت فيه إسمي. فكيف لي أن أعرف أنّها باتت تكرهني، إلى درجة أنّها تسبّبَت في تعاسة أشخاص كثر. فبعد عشر سنوات على زواجنا، جاءت يُمنى في ذات ليلة وأخبرَتني بكل بساطة أنّها لم تعد تريدني وأنّها سترحل مِن البيت في صباح اليوم التالي. وبالطبع ظننتُ أنّها تمزح، فضحكتُ وقلتُ لها:

- حتى لو أقسمتِ لي أنّكِ ستفعلين لن أصدّقكِ!

- ولكنّني جادة... لم أعد أحبّكَ ولا أرى منفعة لأبقى.

نظرتُ إليها جيّداً وأدركتُ أنّها فعلاً تعني ما تقوله. فقلتُ لها:

- منفعة؟ وهل هذا هو هدف الزواج والإنجاب؟

- أقصد أنّ وجودي معكم أصبح ثقيلاً عليّ وأريد أن أختبر حياة اخرى مع...

- مع؟

- مع رجل آخر... أحبّ أحداً ويشعرني أنّني مهمّة ومعه يخفق قلبي، أمّا معكَ فلا أشعر بشيء.

ورغم إندهاشي وإستيائي لِما كنتُ أسمعه، سألتُها:

- منذ ما تعرّفتُ إليكِ وأنا أحاول أن أشعركِ بحبّي وإهتمامي ولكن الحياة الزوجيّة مليئة بالتكرار والروتين ومِن المستحيل أن نتصرّف كالعرسان الجدد لمدّة عشر سنوات، ناهيكَ عن وجود الأولاد ومسؤوليّّة تربيتهم... لا تتسّرعي يا حبيبتي... أظنّ أنّها مرحلة عابرة وأنا أكيد أنّكِ إختلقتِ قصّة وجود عشيق لتبرّري قراركِ هذا... والأولاد؟ هل تستطيعين العيش من دونهم؟

- أجل... لقد سئمتُ مِن التدريس وتحضير الأكل لهم والحمّامات والسهر عليهم... عشر سنوات مِن حياتي مرّت هكذا... أريد أن أعيش لنفسي ولو لمرّة!

- سآخذكِ إلى البلد الذي تختارينه ونقضي أسبوعاً لن تنسيه!

- قلت لكَ أنّني لم أعد أريدكَ! ما بالكَ لا تفهم؟؟؟

حين قالت ذلك، خرجتُ مِن الصالون ومِن ثمّ مِن المنزل وذهبتُ أمشي لوحدي لأستوعب ما كان يحصل. هل يعقل أنّ زوجتي أخفَت عنّي علاقة بهذه القوّة ولم أنتبه لشيء؟ ألأنّها ممثّلة بارعة أم لأنّني مأخوذ بعملي لهذه الدرجة؟ عدتُ إلى المنزل في ساعة متأخّرة ونمتُ على الأريكة. في الصباح كانت يُمنى قد جمعَت أمتعتها وغادرَت قبل أن يصحى الأولاد مِن النوم. لم أقل لها شيئاً وهي لم تتفوّه بكلمة. بكيتُ بصمت لِما جرى وبدأتُ أحضّر ما سأقوله لأولادنا عندما يسألون عن أمّهم. قررتُ أن أقول أنّها عند قربية لها وأنّها ستعود بعد فترة على أمل أن ترجع إلينا بأقرب وقت. ولكنّها لم تكن تنوي الرجوع، لأنّها أوكلَت محاميّاً وطلبَت منّي الطلاق. كانت الأمور تجري بسرعة فائقة وكأنّها تريد أن تمحينا مِن حياتها بلحظة واحدة لتبدأ مِن جديد. لم أفهم كل هذه العجلة ولكنّني وافقتُ على إطلاق سبيلها، فلا يمكن لأحد أن يُبقي الآخر رغم إرادته.


وبعد إعلان الطلاق بأيّام قليلة، جاءني مكتوب يقول أن عليّ إخلاء المنزل، لأنّه ملك يُمنى. كنتُ قد نسيت أنّني كتبته بإسمها عندما إشتريته بعد أن طلبَت منّي فعل ذلك وفي هذا الحين لم أتصوّر أبداً أنّ يوماً سيأتي وترميني أنا والأولاد خارجاً. إستشرتُ محامياً وقال لي أنّه مِن حقّها أن تستعيد ما هو لها وأنّني لا أستطيع منعها ونصحَني أن ألمّ أمتعتنا قبل أن تأتي الشرطة لإخلاءنا وتحصل الفضيحة. لم يكن لديّ الوقت لأحزن على نفسي وباشرتُ بحزم الأغراض التي تخصّني أنا والأولاد والتي يمكننا أخذها إلى منزل أهلي حيث كنتُ أنوي أن أمكث ريثما أجد مكاناً آخراً. وهكذا إنتقلتُ مِن شقّة جميلة وحديثة إلى منزل صغير، يعيش فيه أبي وأمّي وأخي وزوجته وأولادهما الثلاث. ورغم فرح والديّ بقدومي وإحتضانهما لي بعد مصيبتي، لاحظتُ إمتعاض أخي وزوجته. لم ألمهما، فكان المكان ضيّقاً قبل مجيئنا، فأصبح أضيق بعد. ولكنّني أكّدتُ للجميع أنّ هذه المرحلة كانت مؤقّتة وأنّني سأخلي المكان بأقرب وقت. ولكن إيجار شقّة في موقع قريب مِن مدارس أولادي ومكان عملي في آن واحد، لم يكن سهلاً لأنّ كل ما وجدته كان بقرب منزلنا القديم أي قرب المكان الذي تسكن فيه يُمنى مع عشيقها الذي كان سيصبح زوجها ولم أكن أريد أن يراها الأولاد مع ذلك الرجل، تعيش بهناء بعد أن تركَتهم. ومرّت الأيّام وأنا أبحث بجديّة عن مسكن ولكنّ أخي وزوجته لم يعودان يتحمّلان العيش وسط هكذا عدد من الناس وبدأا يتشاجران بإستمرار ما أثّر بشكل ملحوظ على جوّ المنزل. حتى أن جاء أخي وقال لي:

- مشاكلكَ مع زوجتكَ ستؤثّر على زواجي ولن أقبل أن تتركني زوجتي بعدما قضينا سنيناً نتحمّل أمّي وأبي. لو كان لديّ المال الكافي، لتركتُ لكَ المكان ورحلتُ ولكنّكَ آخر القادمين وعليكَ أنتَ الرحيل... أنا آسف جداً لقولي هذا ولكنّ عائلتي تعاني مِن الوضع.

كان على حق. الحل الوحيد كان أن آخذ أولادي وأسكن في مكان آخر، حتى لو كان فندقاً. وبينما كنتُ أستعدّ لترك منزل أهلي، إتّصلت بي يُمنى. تفاجأتُ كثيراً عندما رأيتُ رقمها على هاتفي، فهي لم تكلّمني منذ طلاقنا ولم تسأل حتى عن أولادها. أخذتُ المخابرة وإذ بها تقول:

- إسمع... الرجل الذي كنتُ أواعده وأنوي الزواج منه تركَني... قال أنّه ليس مستعدّاً أن يبني حياته مع إمرأة تركَت عائلتها ورمَتهم خارجاً... لا أدري كيف فعلتُ هذا بكم... ربما كانت فترة جنون... لا أدري...

- ماذا تريدين؟

- أريدكم أن تعودوا إلى المنزل وأن نعود عائلة واحدة... لقد إشتقتُ إليكم... جميعاً...

- دعيني أفكّر بالموضوع.

وبما أنّ يُمنى كانت نادمة على فعلتها، إستغنمتُ الفرصة لأضع شروطاً على عودتي. فبعد أن أعطيتُها موعداً في مقهى، قلتُ لها مِن دون مقدّمة:

- إن كنتِ تريديننا أن نعود، عليكِ أن تعيدي لي المنزل رسميّاً أي أن تكتبيه بإسمي.

- سأفعل هذا.

- وشيء آخر... لن أعيدكِ... أيّ أنّكِ ستبقين طليقتي لمدّة سنتين ومِن بعدها إن كنتِ زوجة وأمّ صالحةو سأتزوّجكِ مِن جديد... أنا لم أعد أثق بكِ... هل تقبلين بهذه الشروط؟

- أجل...

وعُدنا جميعاً إلى المنزل وكتبَته لي وعشنا سويّاً تحت سقف واحد. ولكنّني لم أقدر على إعتبارها زوجتي ولم أنم يوماً معها في نفس السرير أو حتى في نفس الغرفة. وبقيتُ معها فقط مِن أجل الأولاد ولكنّني أعلم أنّ يوماً سيأتي وأرحل، لأعيش حياتي وأنّني وعلى عكس زوجتي سأنتظر حتى يصبح أولادي راشدين ولن أرمي أحد خارج المنزل.

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button