أخذَ زوجي كل مالي

لم أكن أعلم أنّ لديّ قريبة تعيش في المهجر وأنّها حين ماتت، تركَت لي ميراثاً حتى أن إتّصل بي رجل وأخبرَني بالأمر.
في البدء إعتقدتُ أنّها مزحة ولكنّ لهجته كانت جديّة جداً وحين أعطاني موعداً للذهاب إلى مكتبه، قلتُ لنفسي ألّا ضرراً في التحقّق من الخبر. أطلعتُ زوجي بما يجري وسرّ جداً هو الآخر، لأنّ حالتنا الماديّة كانت مترديّة وبالكاد كنّا قادرين على دفع أقساط مدرسة ولدنا. وحين دخلتُ المبنى الضخم الذي يوجد فيه مكتب المحامي، أدركتُ أنّني في مكان مميّز. وهناك إستقبلَتني السكريتيرة وجعلَتني أنتظر بضعة دقائق ومن ثمّ أدخلَتني إلى حيث كان ينتظرني الرجل. علمتُ منه، أنّ خالة أبي، هاجرَت إلى أستراليا منذ سنين طويلة وتزوّجَت من رجل ثري توفيَ قبلها بسنين. وبما أنّهما لم يرزقا بأولاد، أصبح المرحوم أبي، آخر أنسبائها وعادَ الميراث  إليّ أنا.
عندما أطلعَني على ثروتي الجديدة، كدتُ أصرخ من الفرح، لأنّ المبلغ كان كافياً لنعيش جيّداً حتى آخر حياتنا وحياة إبننا. جعلوني أوقّع على بعض الأوراق وقالوا لي أنّني أستطيع التصرّف بالمال بعد فترة قصيرة، ريثما ينتهون من إجراء معاملات الإنتقال. وهذا ما حصل، ووجدتُ نفسي فجأة إمرأة ثريّة. وبدأتُ حياتي الجديدة وشعرتُ بالخوف حيال هذا التغيير السريع وسألتُ نفسي كيف كنتُ سأعرف كيف أتصرّف بالمال لكي لا أصرفه بلا وعي.
بالطبع ساعدتُ بعض الأقرباء والأصدقاء ووضعتُ الباقي في حساب في المصرف. ولكنّ غلطتي الكبرى، كانت أنّني وضعتُ إسم زوجي إلى جانب إسمي، ما خوّله التصرّف بالمال مثلي تماماً ولكنّني لم أتصوّره بتاتاً أن يفعل. فكنّا قد إتفقنا أنّه مالي، لأنّني أنا التي ورثتُه وأنّ مشاركته الحساب معي كانت رمزيّة. ومع أنّني كنتُ أعرف زوجي منذ سنين عديدة، إكتشفتُ فيه جانباً مظلماً أفزعَني وجعلَني أسأل نفسي كم يستغرق المرء من الوقت لمعرفة الشخص جيّداً. فبعد حوالي الشهرين على ثراءنا المفاجئ، بدأ أيمن يتغيّر تجاهي، أيّ أنّه بدأ يغضب من أبسط الأمور ويتشاجر معي لأتفه سبب. بالطبع سألتُه إن كان هناك من شيء يزعجه، فأجابني أنّه لاحظ أنّني أتشاوف عليه لأنّني لم أعد بحاجة لإعالته لي ولإبننا. هذا لم يكن صحيحاً، لأّنّني كنتُ قررتُ أنّ كل هذا المال ليس موجوداً سوى لتأمين حياة مريحة لنا عندما نتقاعد ودفع ما يلزم لدراسة ولدنا في المدرسة  ولاحقاً في الجامعة. حتّى أنّني لم أشتري لنفسي سوى بعض الحاجات الضروريّة. وأضاف أنّه لم يستفيد من شيء حتى من شراء سيّارة جديدة فقلتُ له ببراءة:

 

- يا حبيبي... أنتَ تعلم أنّ مالي هو مالكَ، فإذا كنتَ تريد شيئاً، ليس عليكَ سوى الذهاب إلى المصرف وسحب ما يحلو لكَ.

 

وأظنّ أنّ تلك الجملة، كانت ما كان ينتظره منّي لكي يفعل ما يطمح إليه، أيّ إشباع رغبات كانت مدفونة بنفسه منذ وقت طويل. فذهبَ إلى المصرف وإبتاع سيّارة جديدة جميلة جداً وغالية الثمن لا تناسب حياتنا البسيطة وإشترى لنفسه الثياب وكلّما يتماشى مع مركبة كهذه. في البدء سررتُ من أجله، لأنّني رأيتُ كم كان سعيداً، يتباهى أمام أصدقائه وزملاءه بما أبصح لديه وإعتقدتُ أنّ الأمر سيتوقّف هنا ولكنّني كنتُ مخطئة. فالواقع كان أنّ أيمن أُعجب بمظاهر الثراء وأرادَ المزيد، ربّما لأنّه ولِدَ وكبرَ وسط عائلة فقيرة وكل ما كان يحلم به باتَ موجوداً بين يديه. وأخذَ يقطتع من حسابنا مبالغ صغيرة في البدء، ثمّ أكبر دون معرفتي. ما كان يفعل بها بقيَ سريّاً حتّى أن إكتشفتُ ما كان يجري عندما جاء الوقت لدفع أقساط إبننا للسنة الجديدة. عندها قال لي موظّف المصرف أنّ عليّ الإنتباه على السحوبات العديدة التي تجري لأنّ المال أوشك أن ينفذ. عندها صرختُ به:

 

- هذا غير معقول! لا بدّ أنّ هناك خطأ ما! أنا لم أكن آتي إلى هنا وزوجي أخذ قسطاً من المال لشراء سيّارة وثياب... عد الحساب مرّة أخرى من فضلك!

 

- سيّدتي... كلّ شيء بان أمامي على الحاسوب... زوجكِ سحبَ أموالاً مرات عديدة والمبالغ كانت كبيرة في كلّ مرّة... نبّهتُه هو الآخر... أظنّ أنّ عليكما التحدّث بالموضوع.

 

وإنتظرتُ عودة أيمن من العمل بفارغ الصبر لأسئله إن كان هو الذي أفرغ الحساب وهذا ما قاله لي:

 

- أجل... وهل من مشكلة في هذا؟

 

- بل هناك مشكلة كبيرة! أوّلاَ هذا مالي أنا وثانيّاً كان مخصّصاً لأغراض معيّنة! وماذا فعلتَ بكل هذا المال؟؟؟

 

- المال هو مالنا، لأنّ إسمي مدوّن على الحساب وإلّا ما إستطعتُ فعل أيّ شيء... قبل أن ترثي من تلك الخالة، كنتُ أنا الذي يصرف على المنزل ولم أقل لكِ يوماً أنّه مالي.

 

- لم يكن مالاً لتقول شيئاً عنه! عشنا في القلّة والهمّ وعرضتُ عليكَ أن أساعدكَ بإيجاد عملاً لتخفيف العبء عنكَ ولكنّك رفضتَ. ماذا فعلتَ بمالي؟ أين ذهب؟

 

- هذا ليس من شأنكِ!


وهكذا إنتهى الحديث، وبعد ذلك لم أعد أطيق التواجد معه لوحدنا، لأنّني إعتبرتُ ما فعله خيانة لثقتي به ولأنّه لم يفكّر سوى بنفسه بعد أن حرمنا من فرصة العيش برخاء وحرم إبنه الوحيد من التعلّم في مدرسة جيّدة ولاحقاً الإختصاص بجامعة معروفة. وهو أيضاً عمِل جهده لتفاديني خوفاً من العتاب. ولكنّ أمراً بقيَ يشغل بالي، وهو ما حصل للمال كلّه وأقسمتُ أنّني سأعلم الحقيقة بطريقة أو بأخرى.
لكن ليحصل هذا، كان عليّ إيجاد وظيفة لكي أجني المال اللازم لمتابعة حياتنا بكرامة. وبعد فترة، لم تكن طويلة، وجدتُ عملاً في شركة كمساعدة مدير بفضل شهادتي. وبدأتُ العمل واعترف أنّني إرتحتُ قليلاً عندما إبتعدتُ عن جوّ المنزل المشنّج، والإختلاط بالناس ساعدَني على نسيان كآبتي. وبفضل راتبي، إستطعتُ دفع أقساط المدرسة وبما أنّنا لم نعد أثرياء، قررتُ وضع أمر الميراث وراءي وتصوّر الأمر وكأنّه لم يحدث.

 

ولكنّ علاقتي مع زوجي كانت بأسوأ ما يكون، لأنّنا لم نعد نتكلّم سويّاً ولم يعد لدينا أيّ إتّصال جسدي وجنسي. وكنتُ أعلم أنّنا في نهاية المطاف سننفصل عن بعضنا ولكنّني بقيتُ أرجئ لأمر بسبب إبننا الذي لم يكن يشعر بشيء. لكن في ذات يوم، وأثناء عودتي من العمل، رأيتُ سيّارة زوجي المميّزة مركونة قرب مطعم فخم. نظرتُ إلى الداخل ووجدتُه جالساً مع إمرأة يتناول الطعام ويضحك معها.
إختبأتُ خلف الحائط وبدأتُ أغلي من الغضب. وبعد بضعة دقائق، طلبَ الحساب من النادل وتحضّرَ للخروج، فركضتُ أوقف سيّارة أجرة وبعد أن ركبتُ فيها، قلتُ للسائق أن يلحق السيّارة الجميلة. وركبَ زوجي ورفيقته السيّارة ولحقنا بهما إلى مبنى جميل حيث ترجّلا ومن ثمّ دخلا الردهة.

 

لحقتُ بهما ولكنّ الناطور أوقفَني ومنعَني من الدخول. عندها سألتُه:

 

- أريد رؤية السيّد أيمن الذي دخل الآن... هل يسكن هنا؟

 

- هل لديكِ موعداً مسبقاً معه؟ ونعم يسكن هنا مع زوجته التي كانت معه.

 

- ولكنّه زوجي أنا!

 

وإصّفرَ وجه الناطور وتلبّكَ، لأنّه إحتار في أمره، لا يعلم ما عليه فعله. سألتُه عن شقّة أيمن وأعطاني رقم الطابق وصعدتُ ركضاً حتى وصلتُ امام الباب. عندها قرعتُ بقوّة حتّى أن فتحَت لي المرأة وسألَتني ماذا أريد فأجبتُها: "أريد رؤية زوجي." وظهرَ أيمن في الباب ونظرَ إليّ بدهشة وبينما كان يفتّش عن تفسير أو عذر لما فعلَه، صرختُ به:

 

- أيّها اللعين! أخذتَ مالي لكي تتزوّج وتسكن في شقّة فخمة وتركب سيّارة جميلة، بينما أعيش مع إبني في الفقر! أعرف أنّني لا أستطيع فعل أيّ شيء تجاه ذلك ولكنّني سأترككَ وأذهب ولن تراني أو ترى إبنكَ بعد الآن! وأنتِ يا سيّدة... مبروك عليكِ أيمن... ولكن عليكِ الحذر من رجل يسرق زوجته ثمّ يتزوّج عليها سرّاً ويترك إبنه دون علم... إحذري هكذا شخص، لأنّه قادر على أبشع الأمور... وإن كنتِ تتحلّين بذرّة شرف لتركتيه حالاً أيضاً، لأنّنا وبسببكِ عشنا بالقلّة بعدما أخذ زوجكِ منّي كلّ شيء ليصرفه عليكِ... ولكنّكِ ربّما مثله...

 

وأدرتُ ظهري لهما ورجعتُ إلى سيّارة الأجرة ومن ثمّ إلى البيت حيث حضنتُ إبني الحبيب وأخبرتُه أنّنا لن نعيش مع أبيه بعد الآن وأنّنا سنتدبر أمورنا من دونه. وهذا ما حصل بعد أن تطلّقنا، لأنّني عملتُ بالشركة بجدٍ وإستحقيّتُ العلاوة التي أعطاني إيّاها مديري. وبعد فترة تحسّنَت أحوالنا وبدأتُ أرى الحياة تبتسم لي من جديد وأدركتُ أنّ الميراث الحقيقي الذي حصلتُ عليه من خالة أبي، هو أنّني إكتشفتُ مكر زوجي وأنّه لم يحبّني يوماً وأنّه حتى لو لم يحصل على المال، لكان قد وجد غيري في يوم من الأيّام وتزوّج منها.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button