أختي أغوت زوج أمي!

كانت جدّتي تردّدُ باستمرار: "البطن بستان" أي أنّ أولاد الثنائيّ ذاته يولدون ويكبرون ليصبحوا مُختلفين بالرغم مِن تلقّيهم التربية نفسها. وهذا المثَل ينطبقُ تمامًا عليّ وعلى أختي جُمانا، فالفرق بيننا شاسع لدرجة أنّه مِن الصعب تصديق أنّنا مِن بطن واحد. وستثبتُ قصّتي لكم أنّ ما أقوله صحيح... وفظيع:

يوم ماتَ والدنا كنتُ وجُمانا صغيرتَين، فاضطرَّت والدتنا للعمل كي تؤمّن لنا حياةً كريمةً وتعليمًا يُخوّلنا لاحقًا عدَم مدّ اليد لأحد. المسكينة... لو علِمَت حينها أنّ إحدى ابنتَيها ستتسبّب بموتها، لكانت أعادَت حساباتها وغيّرَت ولو شيئًا بمسار باقي الأحداث. أقلّه، لكانت رفضَت الزواج مِن ياسر، الرجل الذي ألحَّ عليها أن تُشاركه حياته ويُنشلُها وابنتَيها مِن القلّة.

رأَت والدتي بياسر المخلّص الذي لَم تجرؤ حتى على الحلم بقدومه، فهي كانت قد بلغَت الأربعين مِن عمرها وأرملة ووالدة فتاتَين... أي أنّ عريسها كان ليجد أفضل منها، خاصّة أنّه كان يصغرها بسنتَين ويملكُ الكثير ويحملُ إسمًا عريقًا. هل كان ياسر في لحظة طرح مسألة الزواج على والدتي يتخايلُ ما سيحصل؟ بالطبع لا، ففي ذلك الحين، كان أبطال القصّة لا يزالوا يتمتّعون بشيء مِن البراءة والأمل والأمان. فقد أحبَبنا ياسر وقبِلنا بالعيش معه في بيته الجميل، واطمأنّ قلب أمّي واستطاعَت استعادة أنوثتها مع زوجها الجديد، فبدَت مُتألّقة للغاية. أمّا بالنسبة لي ولجُمانا، فكان اهتمامها الوحيد هو الدرس شأن باقي الأولاد... وهذا إلى أن بلغنا سنّ المُراهقة.

ففي تلك الحقبة بالذات، يكتشفُ الإنسان جسده وينظرُ إليه نظرة جديدة مليئة بالتساؤلات. ووجدَت أختي أنّها صبيّة جميلة وجذّابة، وأنّ الشبّان صاروا يُعيرونها اهتمامًا خاصًّا، فبدأَت باستغلال تقاسيم جسدها لنَيل إعجاب الكلّ ومَن يدري، الإستفادة مِن الأمر بآن واحد. أمّا أنا، فعِشتُ المُراهقة بشكل طبيعيّ للغاية. هل لاحظتُ كيف صارَت إختي تتصرّفُ مع زوج أمّنا؟ نعم ولا، فهي كانت تتدلّع على الجميع وباتَ الأمر جزءً مِن شخصيّتها لدرجة أنّنا اعتدنا على ذلك. لكنّني لَم أنتبِه إلى ردّة فعل ياسر بالمقابل، ويا لَيتني فعلتُ إلا أنّني كنتُ في السابعة عشرة مِن عمري ولدَيّ اهتمامات أخرى.

 


في تلك الأثناء، نمَت في قلب ياسر رغبة شديدة نحو جُمانا حاولَ جهده كبتها، لأنّ ذلك لَم يكن مقبولاً بتاتًا في حين كان حتى ذلك الوقت يعتبرُها بمثابة ابنته، فأمّي لَم تُنجب له طفلاً. أنا مُتأكّدة مِن أنّ زوج أمّي وقَعَ في صراع شديد لأنّه كان إنسانًا طيّبًا ونزيهًا. لكن ما عساه يفعل أمام شرّ أختي؟ لا تُسيؤوا فهمي، فأنا لا أعذره، لكنّ جُمانا هي التي أثارَت شهواته لا بل أكثر مِن ذلك.

لستُ أدري متى بدأَت العلاقة الفعليّة بين ياسر وجُمانا، لكنّني مُتأكّدة مِن أنّه انتظَرَ حتى صارَت في سنّ لا يستطيع أحد مُلاحقته قانونيًّا. ففي آخر المطاف هو كان إنسانًا مُتعلّمًا وذات ثقافة وخبرة تمنعه مِن الوقوع في شباك القوانين.

في تلك الفترة بالذات حدَثَت تغيّرات بتصرّفات أمّنا مع جُمانا، فصارَت تنتقدُها لأيّ صغيرة وكبيرة، وتُجبرُها على تغيير ملابسها وتمنعُها مِن وضع المساحيق على وجهها في حين كان مسموحًا لي أن أفعَل. لَم أفهم سبب تركيز والدتي على كلّ ما تفعله جُمانا، وغضبتُ منها على ما اعتبرتُه تحاملاً مجّانيًّا. إضافة إلى ذلك، كانت والدتنا تُصرّ على اصطحاب أختي معها أينما ذهبَت ولا تُمانع أن أبقى في البيت مع ياسر. كان مِن الواضح أنّها كانت قد بدأَت تشكّ بالذي يجري. لكنّني مُتأكّدة مِن أنّ والدتي خافَت على أختي مِن زوجها وليس العكس، فكيف لها أن تتصوّر أنّها أنجبَت وربَّت إبنة بهذا الشرّ والأنانيّة؟

كلّ مُحاولات أمّي لإبعاد جُمانا وياسر أعطَت نتائج عكسيّة، فصارَ العشيقان يزيدان شغفًا وحماسًا في علاقتهما وكأنّ ذلك أعطاهما حافزًا مُثيرًا إضافيًّا.

بعد أشهر قليلة، قتلَت والدتي نفسها حين كانت لوحدها في البيت. موتها تركَني في حيرة عميقة، فكيف لإمرأة مليئة بالفرَح والإيجابيّة أن تُقرّر فجأةً إنهاء حياة كانت سعيدة؟ هل مِن الممكن أن تكون مُصابة بمرض نفسيّ عميق وغامض؟ بكيتُ كلّ دموعي وكذلك ياسر الذي انهارَ تمامًا لدرجة أنّه فقدَ شهيّته على الأكل وضعف وزنه بشكل مُخيف. وحدها جُمانا إستوعبَت المُصيبة ببرودة أعصاب... إلى حين صارَت تتصرّفُ بعدائيّة ملحوظة معي وخاصّة مع زوج أمّها وبدآ يتشاجران بعنف لَم يسبَق مِن قبل.

لَم تمرّ ثلاثة أشهر حتى قرّرَت جُمانا مُغادرة البيت بالرغم مِن توسّلاتي لها كي تغيّر رأيها، في حين لَم يتفوّه ياسر بكلمة وكأنّه مسرور برحيلها. بقيتُ وزوج أمّي لوحدنا في البيت وسط أجواء صعبة للغاية إذ سكَنَ الحزن المكان. فحزنتُ على أمّي وعلى رحيل أختي التي أخذَت لنفسها شقّة صغيرة وبدأَت العمل في إحدى الشركات. هي لَم تتّصل بي إلا نادرًا ورددتُ الأمر إلى فقدانها أمّها، فكلّ منّا يتعامل مع موت شخص عزيز بطريقة مُختلفة.

 


لَم يعُد ياسر يطيق أيّ شيء، مع أنّني حاولتُ التمويه عنه بطرق عديدة والتركيز على جامعتي في آنٍ واحد. وفي أحد الأيّام قال لي زوج أمّي:

 

ـ ما سأقوله لكِ سيبدو حتمًا قاسيًّا... إسمعيني حتى الآخر مِن فضلكِ...

 

ـ ما الأمر؟ لقد أثَرتَ فضولي.

 

ـ سأرحل مِن هنا... لا تخافي، سيبقى البيت تحت تصرّفكِ حتى آخر حياتكِ لكنّني لَم أعُد أطيقُ العَيش هنا.

 

ـ لماذا؟ هل ضايقتُكَ بأيّ شيء؟!؟

 

ـ بالعكس يا صغيرتي... بالعكس، لكنّ المكان يُذكّرُني بأمّكِ رحمها الله.

 

ـ هكذا هي الحياة، فالناس يولدون ويموتون. صحيح أنّ أمّي ماتَت إنتحارًا ولكنّ ذلك كان خيارها.

 

ـ لا... هي لَم تختَر الموت بل أُجبِرَت على ذلك.

 

ـ كيف؟ أليست هي مَن تناولَت كميّة هائلة مِن الأقراص؟!؟

 

ـ بلى... بلى... لكن، كيف أقول لكِ ذلك؟ سأقولُ لكِ كلّ شيء فلا بدّ لي أن أٌفرِغَ قلبي لأحد ما... لَم أعد قادرًا على الصمت فذلك مؤلم للغاية.

 

إستمعتُ لياسر وهو يُخبرُني عن علاقته باختي، وكيف أنّها بقيَت تُثيره يومًا بعد يوم حتى أقنعَته بالوقوع في الرذيلة. في البدء هو استمتَعَ بالأمر، فرجل بسنّه يقوم بعلاقة بصبيّة أمرٌ يُعزّز مِن كبريائه، إلا أنّ أمّي صارَت تنتبه لحركاتهما سويًّا وما كانت تفتعلُه جُمانا أمامها عن قصد. وفي أحد الأيّام، وللتأكّد مِن شكوكها، عادَت أمّي في غير أوانها إلى البيت لترى زوجها مع إبنتها في السرير. في البدء، هي ظنَّت أنّ ياسر يُرغمُ أختي على مُمارسة الجنس، وبدأَت بالصراخ عليه طالبةً منه ترك إبنتها، لكنّ جُمانا أجابَتها بوقاحة: "ماذا يا أمّي؟ ألَم يُعجبكِ المشهد؟ لو عرفتِ كيف تُشبعين زوجكِ لمَا التجأ إلى سريري... أخرجي مِن الغرفة الآن، فلَم ننتهِ بعد". بعد سماع ذلك ركضَت أمّي خارجًا وهي تصرخ. حاوَلَ ياسر اللحاق بها إلا أنّ اختي منعَته مِن ذلك. وفي الليلة نفسها فضَّلَت والدتي الموت على مواجهة حقيقة بهذه البشاعة. شعَرَ ياسر بذنب لا مثيل له، وفكّرَ هو الآخر بالموت إلا أنّه لَم يكن شجاعًا كفاية فاكتفى بفسخ علاقته بأختي التي استاءَت إلى أقصى درجة، وهدّدَت وصرَخَت وفي آخر المطاف إختارَت ترك البيت.

أُصبتُ بذهول كبير لدى سماعي ذلك مُحاولةً إستيعاب تفاصيل خراب عائلتي. كيف لإبنة أن تفتعل هذا الكمّ مِن الأذى لأمّها ومِن دون سبب؟ فلَم تتشاجر المرأتان ولو مرّة واحدة بل لطالما كنّا جميعًا مُتناغمين.

حزَمَ ياسر أمتعته وذهَبَ إلى وجهة لَم يُطلعني عليها ولَم أسأله عنها. كان مِن الأفضل له ولي أن يختفي. إتّصلتُ بجمانا قائلةً لها بأنّني علِمتُ الحقيقة وهي ضحكَت مُجيبة: "وإن يكن؟". جواب أذهلَني. وبعد أن أقفلتُ الخطّ تأكّدتُ مِن أنّني صرتُ وحيدة تمامًا.

لَم أسمَع مِن ياسر أو جُمانا بعد ذلك فكلّ منهما عاشَ حياته مِن جهّته. هل صحا ضمير أختي؟ لستُ أدري فلا أعرفُ أين هي وماذا تفعل. لكنّني مُتأكّدة مِن أنّ لحظة ما تُدركُ جُمانا ما فعلَته، ستلحقُ بأمّها على الفور.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button