الدماغ، العضو الجنسي الأوّل

مقرّ تصرّفاتنا الجنسيّة، ودار استيهاماتنا الحميمة. نعم، الدماغ هو العضو الجنسيّ الأوّل في جسمنا. رحلةٌ في الجهاز العصبي، بين نقاط الاشتباك والمشاعر الشهوانيّة.

أكثر من 10 مليارات خلية عصبيّة تعمل في الدماغ لتنقل الرسائل وتتلقّاها من مختلف أعضاء الجسد. ملتقى عواطفنا، وأفكارنا، وهويّتنا. ما تضمّه هذه الجمجمة المحيّرة في داخلها، وسيلة نكتشف من خلالها العالم الذي يحيط بنا.
في ما يخصّ الحياة الجنسيّة، يمثّل الدماغ نقطة مرور أساسية لكلّ ردّات فعلنا. هذه البنية المعقّدة جدّاً والغنيّة ليست نظاماً على حدة، منفصلاً عن باقي الأنظمة. فالدماغ مرتبط بكّل الجسم، ويطلب إنتاج الهورمونات والعناصر الناقلة العصبيّة الضروريّة للحياة الجنسيّة. كذلك يخزّن الدماغ كل الذكريات المتعلّقة بمراحل تكوّنه على مرّ تطوّر الأجناس الحيوانيّة. تكوينه يذكّر بمراحل هذا التطوّر الأساسيّة.

دماغ، ثلاثة أدمغة

بحسب الدكتور إيف فيرّول، يدير "قلب" الدماغ ردّود فعلنا الغريزيّة. يتلقّى المعلومات من محيطه ومن الجسد، ووفق الحالات، يقوم بردود فعل غريزيّة كالهرب، والاعتداء، أو الشعور بالرغبة الجنسيّة مثلاً.  في الحالات الطبيعيّة، عندما لا يكون الوضع طارئاً، كلّ ردّود فعل "دماغ الغرائز" هذا تأخذ وقتها لتدخل إلى قسم الدماغ الذي يغلّفها ويشكّل "دماغ العواطف": "يصنع" هذا الدماغ عاطفة متّصلة بأحد تصرّفاتنا، ويحفظ ما نشعر به في هذه الحالة. كلّ ذلك يحصل بتنظيمٍ من الدماغ الثالث، "دماغ المنطق"، الذي يسمح لنا بالتفكير قبل قبول ردّة فعلٍ يحدثها دماغ الغرائز أو العواطف.

كيف تحصل الأمور

يظهر الأمر الذي يولّد رغبةً. تصل المعلومات إلى الدماغ، وهي صادرة عن رجل أو عن امرأة قد تتحوّل إلى شريكٍ جنسيٍّ. يعالج دماغ الغرائز هذه المعطيات قبل انتقالها إلى دماغ العواطف. يبحث هذا الدماغ عن الذكريات المرتبطة بهذه الحالة ليرى إن كانت جيّدة أم لا. في الوقت عينه، يفكّر دماغ المنطق إذا كان يجب عليه الانتقال إلى الفعل أم لا. يحلّل إمكان القيام بهذه الخطوة، وفق قواعد الحياة الاجتماعية، والمبادئ  الأخلاقيّة... إذا أعطى الضوء الأخضر، "يُسر" دماغ الغرائز بهذا القرار ويبدأ بإفراز الهورمونات. يترتّب على ذلك جواب جنسيّ. تُحرَّر الهورمونات، والهورمونات العصبيّة، والعناصر الناقلة العصبيّة. يتحرّك دماغ العواطف تحت تأثير هذه المواد، ويولّد ذلك الأمر الشعور بالرغبة. أمّا دماغ المنطق، فسيبدأ "بالتفكير" في الاستيهامات والمشاريع السعيدة، فيرفع الحواجز وينتقل إلى الفعل. وهكذا، يختفي الخوف، والحذر، والتردّد. ونغوص...

الإعجاب من النظرة الأولى

دماغ العواطف اسمٌ على مسمّى. لا يفكّر. إذا وصلته إشارات تدلّ على الرغبة (ابتسامة، نظرة جميلة، عطر زكيّ، كلمات، حركات، جمالٌ اصطناعيّ مثير...)، يقوم بالمبادرة. يتفاعل من دون الاهتمام بدماغ المنطق ولا أخذ موافقته. تتحرّر العناصر الناقلة العصبيّة، والهورمونات العصبيّة المتّصلة بالإثارة (أدرينالين، نورادرينالين، دوبامين) وتسبّب ارتفاعاً في وتيرة نبضات القلب وفي ضغط الدم، فيشعر الشخص المعني بالحرارة، ويحمرّ وجهه... كلّها علامات بدنيّة تترجم شعوراً فجائيّاً بالغرام. يمكننا الآن أن ننظر بوضوح إلى مراحل التفاعل العقلي الغرامي، من التحرّش إلى العلاقة الجنسيّة، بفضل عمليّة رصد خاصّة تطلق عليها تسمية "الرسم التطبيقي من خلال إرسال البوسيتون (جسيمات ذات شحنات إيجابيّة)". إنّه تطوّر حقيقي مقارنةً مع التخطيط الكهربائي ـ الدماغي المعتاد. تفعيل كلّ منطقة الدماغ يترافق وارتفاعاً موضعيّاً في تدفّق الدماء.

ماذا عن الروتين؟

كلّما أكلنا الحلويات، رغبنا في الشعور بالجوع... هذا ما يقوله مثل شعبي شائع. تكرار الحافز نفسه يؤدي في نهاية المطاف إلى إجابة أقلّ أهميّةً. عندما يكون الشخص المرغوب هو نفسه، إفرازات "الهرمونات" تُطلَق، ولكن مع التكرار، تخفّف الغدد مستوى الإفرازات. ينخفض مستوى الإثارة لأن وجود الآخر يصبح عاديّاً. دماغ العواطف يتفاعل بضعف أكثر فأكثر. مع الوقت، يؤدي التكرار والنقص في الخيال إلى اختفاء الإثارة الجنسيّة. هل هذا واقعٌ محتَّم؟ كلا. يكفي أن نبذل جهداً لتجديد الإثارة من خلال اللجوء إلى التغيير والابتكار لتفعيل نشاط دماغ العواطف. فتنطلق عجلة الرغبة من جديد. من هنا أهمية الدماغ المفكِّر، الذي يخلق، ويستحدث، ويبتكر كي لا يقع دماغ العواطف في عطلٍ ما. سلامة الحياة الجنسيّة، وغيرها من التصرّفات، موجودة على مستوى فعل "التفكير"، وعلى مستوى الأفعال التي تعبّر عن السحر، والإغراء، وكلّ تلك الأمور المجهولة والغامضة التي يزداد جمالها كلّما كانت غريبة، تماماً كالدماغ، فتزداد قدرتها على نقلنا إلى عالم الأحلام.

مسألة رجاليّة

تنظّم الهورمونات حياتنا الجنسيّة. والهورمونات هي موادّ مفرزة في الدم من خلال غدّة، وتؤثر على أعضاء ـ هدف أو على مجمل الأعضاء. الهورمونات الأساسية هي "هورمونات" النموّ (التي تفرزها الغدّة النخاميّة)، والهورمونات الدرقيّة، و"الأدرينالين"، و"الكورتيزول"، والمنشّطات (التي تفرزها الغدد الموجودة فوق الكلية)، و"التيستوستيرون"، و"الأوستراديول" (التي تفرزها الخصيتان والمبيض).

"الأندروفين"

"الأندروفين"! خلايا سحريّة يفرزها الدماغ، وهي قريبة في بنيتها من تكوينة الأفيون. عندما تُفرز كميّات كبيرة منها، تولّد شعوراً بالنشوة. ولا تُفرَز هذه المواد في حالات الحبّ فقط. فمن يمارسون رياضة الركض مثلاً يراودهم هذا الشعور نتيجة إفراز كميات كبيرة من "الأندروفين" بعد بذلهم جهوداً كبيرة. شعورٌ يشبه تعاطي المخدّرات، مع فارق أنّ "الأندروفين" مادّة طبيعيّة ومفيدة.

تفسّر هذه المواد حالة النشوة. الرغبة الجنسية هي إذاً العلاج الأساسي لحالات الخوف والاضطراب... تخفّف "الأندروفين" الأوجاع، والضغط النفسي، وتسيطر على التنفّس، كما تعدّل النظام الهورموني ونظام المناعة، وتسيطر على عملية الهضم بين المعدة والأمعاء، إضافةً إلى تعزيزها للنوم ولمشاعر السعادة.

دلال حرب.

المزيد
back to top button