لا يساعدنا الهاتف على التواصل وحسب بل من شأنه أيضاً أن يُفقدنا التركيز. تشرح دراسة علمية السبب الذي يجعل الاستماع إلى حديث هاتفي أكثر زعزعة للانتباه من أيّ صوت أو ضجيج آخر.
عايشنا جميعنا موقفاً كهذا في حياتنا اليومية، في المطعم أو المكتب أو السيارة أو السوق أو في قاعة الانتظار عند الطبيب. فمن منّا لم يجد نفسه يوماً ما بالقرب من شخص يجري اتصالاً هاتفياً؟! يتكلّم هذا الشخص كما لو أنّه بمفرده، وحتى لو كان المكان صاخباً، تأخذ محادثته كل المساحة وتزعج الجميع. لمَ؟ "لأنّ الاستماع إلى نصف الحديث يلفت الانتباه أكثر بكثير من الاستماع إلى حوار يدور بين شخصين نسمعهما"، كما يبرّر Lauren Emberson الذي يدير فريقاً من علماء النفس في جامعة Cornell في نيويورك.
وقد اختُرع مصطلح جديد لتسمية هذا النوع من الحوار هو: Milogue بالفرنسية أو Halfalogue بالانكليزية وهو حديث في منتصف الطريق بين الحوار الثنائي والحوار الأحادي. أمر ناقص يصعب على الدماغ فهمه كلياً. بالتالي فإنّ المسألة لا تقوم على مستوى الصوت بل على طبيعة التبادل الكلامي بحدّ ذاته. وحسب ما يفسّره علماء النفس: "إنّ الجمل التي يتلفّظ بها المتّصل لا يمكن توقّعها مسبقاً وهذا يثير القلق". فيحاول الناس، رغماً عنهم أحياناً، أن يملأوا الفراغ ويجيبوا عن الأسئلة التي تحيّرهم. "إنّها بعض الآليات المعرفية التي تدفعهم إلى الاستماع للمكالمة الهاتفية، لا الفضول"، كما يشير Lauren Emberson.
تجارب سريرية
سبق أن اكتشفنا أنّ عامل التوقّع يعزّز الانتباه ويؤدي دوراً مهماً في المعرفة، أكان وقت اتّخاذ القرارات أم أثناء تعلّم اللغات أم في العمل البصري. على ضوء هذه الأعمال، أراد الباحثون أن يكتشفوا تأثير التبادل، بأنواعه الثلاثة، على التركيز، وأن يقيموا مقارنة بين النتائج الثلاث بواسطة سلسلة من الاختبارات (حديث أحادي، حوار ثنائي وحوار نصفي). تطوّع بعض الطلاّب لتأدية مجموعة من المهمات تتطلّب الكثير من التمعّن وتستلزم ردود فعل سريعة وهم يستمعون بواسطة السمّاعات إلى أنواع الأحاديث الثلاثة. وقد تبيّن أنّ الأداء الأقلّ براعة جاء من طلاّب كانوا يستمعون إلى المكالمة الهاتفية. بما أنّ هذه الاختبارات قريبة جداً من تلك التي تجرى لتقييم انتباه سائقي السيارات، توصّل الباحثون إلى التساؤل عمّا إذا كان ضرورياً منع راكبي السيارة أيضاً (علاوةً على السائق) من إجراء مخابرات هاتفية أثناء قيادة السائق السيارة كي لا يتشتّت تركيزه! ويضيف Lauren Emberson: "ألم يحن الوقت للحدّ من استعمال الهاتف المحمول أو لمنعه كلياً في أماكن محددة؟". خطوة أشبه بتلك التي تطال المدخّنين اليوم... لكن هناك مشكلة صغيرة: في لبنان حيث لا يمكن تخيّل القيادة من دون التكلّم على الهاتف، أين يمكن إيجاد مكان يتّسع لسجن الجميع؟
جان بيار غيرار
حذارِ من الأقراط ومن أطر النظارات!
أظهرت دراسة علمية إسبانية أنّ وضع أقراط أو إطار نظارة معدني قد يرفع بنسبة 25 في المئة كمية الموجات الكهربائية المغنطيسية التي يمتصّها الدماغ خلال استعمال الهاتف المحمول. أجرى الباحثون اختبارات على رأس تمثال للعرض مصنوع من مادة اصطناعية وفيه النسيج الخلوي نفسه الموجود لدى الإنسان. خضع هذا الرأس لتردّدات الهاتف المحمول مع أقراط معدنية في الأذن ومن دونها.
فأظهرت الدراسة أنّه بالقرب من الأغراض المعدنية، تزداد كمية الموجات التي يمتصّها الدماغ بنسبة الربع. بالتالي فإنّ الكمية التي نتلقّاها قد تتخطّى، بنظر الخبراء، المعدل المسموح به. تفسير: إنّ وجود عنصر معدني يغيّر قوة الحقول الكهربائية وتوزيعها. حين نضع أقراطاً أو أطر نظارات معدنية، تتلقى خلايا دماغنا المزيد والمزيد من الموجات فيزداد الخطر على الصحة. من أجل تجنّب هذا الخطر، ينصح الخبراء بوضع سمّاعة أو قبعة تحمي الأذن خلال المكالمات الهاتفية فبهذه الطريقة لا يلتصق الهاتف بالأذن. لكن حذارِ أيضاً من استعمال سمّاعة بلا شريط لأنّها تبعث ذبذبات هي الأخرى. إن لم يكن في حوزتك أية سماعات، فتذكّري أن تنزعي أقراطك ونظارتك أو أي غرض معدني آخر بالقرب من رأسك.