​لقاء مع فايا يونان، صاحبة الحنجرة الذهبية

هي ليست مغنّية صاعدة نقابلها كلّ يوم ولا هي من النوع الذي نراه في عروض تلفزيون الواقع ومسابقات "المأكولات السريعة". بل إنّها فنّانة شاملة ليست مستعدّة لتقديم التنازلات على حساب فنّها ولا للتخلّي عن موهبتها من أجل ماكينات التسويق.

بدأت المسألة برمّتها حين أطلقت فايا، وهي شابة من حلب تعيش في السويد وقد نالت شهادة ماستر في علم الاقتصاد وإدراة الأعمال، عبر موقع يوتيوب وبطريقة عفوية، مشروعاً عملت عليه مع شقيقتها ويحمل اسم "لبلادي". بين ليلة وضحاها، انطلقت الشقيقتان على الساحة العالمية. عندئذٍ، أدركت فايا أنّها لم تعد قادرة على الهرب من مسألة مشاطرة شغفها مع الناس، بفضل الحشود التي دعمت مشروعها على الانترنت عبر Zoomal.

هنا، نقابل فايا المفعمة بالشغف، حول إطلاق أول أغنية فردية مستقلّة وفيديو موسيقي لها "أحبُّ يديك" الذي سيصدر على قناة يويتيوب.

 

كيف تمّ اكتشاف فايا يونان، الصوت؟

تقول أمّي إنّني بدأت بالغناء حين بدأت بالتكلّم. واستمرّ الأمر منذ ذاك الحين. لطالما كنت أغنّي في مناسبات مختلفة، من تجمّعات الأصدقاء إلى الأحداث التي تدعم قضايا عديدة. ومنذ بضع سنوات، بدأت بكتابة أغنياتي وتأديتها ولكنّني لم أحظَ بفرصة تسجيل أيّ منها بشكل محترف. انطلقت المسألة حين ابتكرت حساباً لي على موقع يوتيوب ورحت أتلقّى الآراء من الناس.

 

حدّثينا عن مسار الكتابة

إنّ كلّ ما أكتبه واقعي. لقد كانت مرحلة كتابة الأغنيات بمثابة مسار علاجي بالنسبة إليّ في العديد من مراحل حياتي. حين كنت أمرّ بأوقات صعبة اعتدت إقفال باب الغرفة على نفسي وتشغيل لوحة المفاتيح وتحويل ألمي إلى كلمات ونغمات. في السادسة عشرة من عمري، فقدت شقيقي الأصغر وصديقي الحميم في حادث وقد قلقت والدتي عليّ بالفعل لأنّني انغلقت على ذاتي ولم أعد أعبّر كثيراً. كانت تقول لي "لا يجوز أن تكبتي مشاعرك هكذا". بعد مرور أربعة أشهر، كان عندنا حفلة نهاية الفصل الدراسي فصعدت على المسرح وأدّيت أغنيةً ألّفتها له أبكت معظم الموجودين وقد كان همّي أن يفهم الناس من خلالها من أين آتي. بهذا الشكل أتشاطر مشاعري مع الآخرين.

 

كيف تصفين أسلوبك في الغناء؟

لقد تشبّعت من موسيقى المشرق منذ طفولتي. لكنّ أغنياتي تتّجه أكثر نحو البوب والموسيقى الحديثة من دون التضحية بالقيمة الفنّية والثقافية لعملي. أطمح لتقديم موسيقى معاصرة تتلاءم مع الجميع وتبقى محافظة على الأصالة.

أجد أنّني وأسلوبي في الغناء نتأرجح بين ثقافتين بارزتين وهما السورية والسويدية، إذ يمكن ملاحظة الدفء والطرب من الشرق وسوريا، ونغمات البوب والمقاربة الحديثة للتأليف الموسيقي من السويد.

 

ما الذي يلهمك؟

أستمدّ الوحي من كلّ شيء. نحن نعيش في عالم سريع التبدّل حيث تجري العديد من الأحداث من حولنا وباستمرار. أنا أكتب وألحّن في كلّ الأوقات، في القطار أو على الشاطئ أو في أيّ مكان آخر، ومن شأن ابتسامة رجل عجوز مثلاً أن تمدّني بالإلهام. حين تتبادر إلى ذهني فكرة ما أو حين أحسّ بشعور ما، سرعان ما أدوّن ذلك. أحياناً تبدو الأفكار بمثابة تفّاح غير مرئيّ من شجرة لا نراها تحيط بنا وليس علينا سوى أن نختار منها ما نريده.

 

هل تعبّرين عن نفسك بطرق أخرى، غير الفنّ؟

أحبّ الكتابة وقد نشرت أول قصة قصيرة لي في مجموعة للقصص القصيرة في السويد حين كنت في الخامسة عشرة من عمري. عرضت بعضاً من نصوصي على وسائل التواصل الاجتماعي وقد حصلت على الكثير من الانطباعات الإيجابية. وعندي مدوّنة إلكترونية سرّية!

 

ماذا تمثّل لك سوريا؟

إنّها مجموعة من المشاعر والأفكار. علاوةً على كونها موطني الأساس الذي يجسّد جذوري ولغتي وتاريخي وتراثي وحضارتي، إنّها تلك العلاقة الشخصية الثلاثية الأبعاد بين الأماكن والأزمنة والناس. إنّه المكان الذي خطوت فيه أولى خطواتي وشاهدت فيه للمرّة الأولى شروق الشمس. المكان الذي تعلّمت فيه القراءة والكتابة، والرقص والغناء، والضحك والبكاء، والحبّ أيضاً. فيه ترعرعت وأنا أتمنّى أن أعيش هناك من جديد.

 

هل يمكن وصفك بالفنّانة الملتزمة؟

أفضّل تسمية "فن هادف". غالباً ما يجسّد الفنّ الملتزم قضيّة واحدة فقط، لكنّني أفضّل ترك الحدود مفتوحة. بلا شكّ، يأتي شعبي ووطني المجروح أولاً، لكنّني علاوةً على ذلك أحب العمل على قضايا أخرى مثل العنصرية والمساوة بين الجنسين وتقوية المرأة والفقر وحقوق الأطفال والصحّة والتعليم...

 

برأيك، ما الذي منح مشروع "لبلادي" هذا التأثير القويّ؟ ولمَ دارت حوله بعض الضغوط والكثير من الجدل؟

أظنّ أنّ العناصر الخفيّة الأساسية هي البساطة والصدق. حاولنا التعبير عمّا يحدث في بلادنا بطريقة جديدة بعيداً عن السياسة والصور المزعجة لكن من خلال الشعر والموسيقى الرمزية التي تعكس جمال مجتمعاتنا. لقد تضاعف التأثير بفضل جعلنا هذه الأغنية صرخة علنية حمّلناها على موقع يوتيوب وقد لاقت ردّاً غير مرتقب من الناس والصحافة. برأيي، وحده العمل الجيّد يلقى الضغط والجدل وهذا سليم! إنّ كلّ ما يحفّز على الجدل هو صحّي ونحن نشعر بالامتنان حيال هذا أيضاً. بالتأكيد هناك على الدوام أشخاص ينظرون إلينا كأعداء أو كمصدر خطر إذا قلنا أو فعلنا شيئاً لا يجسّد آراءهم. وهذا ما حدث. علينا جميعاً أن نتعلّم كيفية تقبّل الآخر لكي نتمكّن من التعايش معاً في العالم نفسه.

 

هل تظنّين أنّ لدينا المتطلّبات الأساسية لنهضة حقيقية في مجتمعاتنا اليوم؟

تحتاج النهضة الحقيقية إلى الإبداع والوعي للثقافات المحلية. لا شك في أنّ المتطلّبات الأساسية موجودة لأنّ منطقة أقدم الحضارات لا يمكنها إلاّ أن تجسّد كلّ ما تحتاج إليه النهضة.

 

وكيف تخطّطين لتنفيذها؟

العمل بجهد والعمل بجهد والعمل بجهد!

 

ما هي تأثيراتك الموسيقية؟

فيروز، صباح فخري، سيّد درويش، أم كلثوم، وردة، لطفي بوشناق

 

من هم ملهموك ولمَ؟

عندي الكثير من مصادر الوحي والرموز ولكنّ الشخص الذي يتبادر إلى ذهني الآن هو سقراط. أحبّ كيف يصف بحثنا اللامتناهي عن الحقيقة، وواقع أنّنا كلّما تعلّمنا أكثر أدركنا أنّنا لا نعلم: ذاك المحيط اللامتناهي من الحقائق والأفق المختلفة. أظنّ أنّ إحدى مشكلاتنا الأساسية في العالم اليوم هي نقص الوعي. بالرغم من فوائد التكنولوجيا العظيمة وسهولة الوصول إلى المعلومات، يظنّ البعض أنّهم بلغوا القمة لكنّ المعرفة لا حدود لها وفي كل يوم هناك أمور جديدة نتعلّمها وفرص جديدة توسّع آفاقنا ومصادر وحي جديدة تجعلنا نفهم العالم بطريقة أفضل.

 

سمعنا أنّك نجحتِ في رفع سقف هدفك الأول على Zoomaal خلال الأيام الثلاثة الأولى فقط من بدء الحملة. ما الذي دفعك لاختيار هذه المرحلة بالتحديد للانطلاقة الكبرى؟

بالنسبة إليّ شعرت بأنّ الأمر إمّا أن يكون الآن أو لن يكون أبداً. خرجت من دائرة الراحة وتركت عملي السابق وقرّرت الغناء. لا يحظى الكثيرون بالفرصة التي نلتها ومن حسن الحظّ أنّني سأستثمرها.

 

هل عندك أمنيات سرّية؟

آمل أن نحقّق قريباً نهضة حقيقية في الفنون والأدب من شأنها أن تحفّز الحسّ الجماعي علىالخير والحق والجمال.

 
المزيد
back to top button