لمحمد نعمه، الرئيس التنفيذي ومؤسس دار نعمه للعطور، موهبة حقيقية صنعت الفرق. فحاسة الشم لديه وقدرته على ابتكار عطر يواكب العصر هما سمتان تميّزانه عن غيره في هذا المجال. كما يعد فن صناعة العطور حرفة قديمة تجسد تقاليد الشرق في عائلة محمد الذي قرّر اختيار العِطارة مهنة له، كونه من الجيل الثالث في ممارسة هذه الحرفة.
بالنسبة إلى محمد، لا وجود للحدود. فهو وُلد في منطقة الشرق الأوسط، إلاّ أنّه لم يكن يوماً منغلقاً على العالم ويعتبر كل البلدان موطناً له. أمّا اهتمام محمد بأدق التفاصيل فيبدأ من الرائحة مروراً بالقارورة وصولاً إلى العبوة. كما يحب محمد البساطة والأناقة الكلاسيكية البعيدة عن التكلّف. وهو يعشق اللونَيْن الأسود والأبيض مع لمسةٍ من الذهبي، الأمر الذي يظهر جلياً في عطور عديدة من ابتكاره.
ELLE Arabia : متى وكيف بدأت مسيرتك المهنيّة في عالم العطور؟
محمد نعمه : كان والداي يملكان مجموعةً كبيرةً من العطور المخصّصة للمناسبات الخاصّة على غرار الأعراس والمهرجانات وغيرها من الفعاليات المهمّة. وكان بإمكاني تمييز كلّ رائحة عن الأخرى والتعرّف عليها بشكل واضح أينما كان، وما زلت حتّى اليوم أستطيع القيام بذلك. بدأت رحلتي كعطّار في سنّ الـ 17. وحاولتُ أن أختبر إمكانية تركيب عطر بواسطة بعض المكوّنات. فحظي هذا العطر بشعبية كبيرة بين أفراد الأسرة والأصدقاء. ومنذ ذلك الحين، أدركتُ أنّ العِطارة هي مجال العمل الذي يُفترض بي الانخراط فيه وهكذا أسّست شركة نعمه.
وبالتالي شكّلت العِطارة جزءاً من ثقافتي ومن التقاليد التي أتّبعها. وبما أنّني الجيل الثالث الذي يتابع العمل في هذه الحرفة، يتجذّر فنّ العِطارة والتقاليد الشرقية في أصول عائلتي. وأنا أؤمن بأنّني لم أصبح عطّاراً سوى لأنّ هذا الفنّ هو قدري.
E.A : ما هي مصادر إلهامك؟
م.ن : إلهامي لا حدّ له ومصدره العالم الذي أهوى استكشافه والأشخاص المختلفون الذين ألتقي بهم. بالنسبة إليّ، يعبق كلّ مكان بشذى خاصّ ولكلّ شخص شخصيّته العطرية الفريدة. أستشعر وأحتفظ بكلّ ما أمكن من رحلاتي حول العالم وأبقي ذكراه حيّة في ذهني. ثمّ أعود إلى مختبري وأحوّل هذه الذكريات إلى عطور. كلّ ابتكاراتي نابعة من حياتي وتجاربي الشخصيّة.
E.A : ما هي البلاد/الثقافات التي تؤثّر فيك أكثر من غيرها؟
م.ن : يلهمني الشرق بشكل كبير. عدا ذلك، قضيت معظم إجازاتي الصيفية في صغري في فرنسا. إنّه البلد الذي شكلّ أهمّ مصدر إلهام لي كعطّار. كما قضيت وقتاً طويلاً في إمارة موناكو النابضة بالحياة. ولم تفارقني الروح التي تسكن الناس والمكان وألهمتني لابتكار عطر “Chateau Rouge”، أحد أكثر العطور مبيعاً لدى دار نعمه.
E.A : كم يلزمك من الوقت لابتكار عطر؟
م.ن :هذه العملية ليست قصيرة. وهي تبدأ من خلال اختيار المكوّنات الملائمة بكميات صحيحة وابتكار المزيج المؤاتي. أمارس الاختبارات اللازمة للتحقّق من الكميات التي ينبغي استعمالها من كلّ مكوّن وأجمعها معاً ضمن ثلاث مجموعات مختلفة لمدّة 3 أشهر. وحالما تتشرّب المكوّنات نفحات بعضها البعض لتُثمر عن هذه الروائح الجميلة، أشمّ رائحة كلّ من هذه المجموعات وأحدّد ما هو الابتكار الأكثر ملاءمةً بالنسبة إلى "نعمه"، لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الإنتاج النهائية.
E.A : ما هي الروائح/العطور الذي تجذبك؟
م.ن :Laya من بين أوائل العطور التي ابتكرتها وهو عطري الأكثر مبيعاً منذ العام 2008. تتعالى منه نفحات الفانيليا التي يعانقها خشب الأرز على خلفية من المسك والخشب الجاف. إنّه بالتأكيد أحد العطور المفضّلة لديّ من بين كلّ ابتكاراتي.
Jadis آخر ابتكاراتي وأحد العطور المفضّلة لديّ حتّى الآن، هو عطر للجنسين يأخذك في رحلة من الحنين لاكتشاف ترف العصر الفيكتوري.
E.A : في ظلّ وفرة العطور في السوق، كيف نختار العطر الأنسب للبشرة والطقس؟
م.ن : لكلّ شخص كيمياء محدّدة يمتاز بها جسمه، وهي تختلف على أساس الهرمونات والنظام الغذائي المُتّبع وتوازن درجة الحموضة في الجلد. وعندما تضع عطراً ما، يمتزج مع رائحة جسمك الطبيعية، ما يؤدّي إلى تفاعل كيميائي ويجعل شذا العطر مختلفاً بين بشرة وأخرى. ويمكن أيضاً للعطر نفسه أن يختلف من شخص لآخر بحسب قوام البشرة. تحتفظ البشرة الدهنية على سبيل المثال بشذا العطر لوقتٍ أطول بما أنّ زيوت العطر تذوب وتبقى على البشرة لوقت أطول، في حين قد يحتاج أصحاب البشرة الجافّة إلى التعطّر أكثر من مرّة خلال اليوم.
ينبغي أن تكون العطور إحدى الرسائل الأكثر خصوصيةً وغموضاً التي تبعث بها إلى الأشخاص المُحيطين بك. ولدى اختيار عطر، حاول تجربة عطور مختلفة. ورشّ كمية وافرة على نقاط نبضك لمعرفة أي عطور تتلاءم بالصورة الأفضل مع بشرتك.
هذا وتتناسب العطور القوية التي تدوم طويلاً بشكل جيّد مع أنواع البشرة الجافّة، في حين تحتاج البشرة الدهنية إلى الروائح الخفيفة والناعمة.كما تظهر المناخات المختلفة جمال بعض العطور ومن الأفضل تعديل كمّية العطر بما يتناسب مع درجة الحرارة في الخارج. فالعطور الحامضية والزهرية مثاليّة للصيف لأنّها خفيفة ومنعشة. أمّا النفحات التابلية والعطور الخشبيّة التي تتمتّع بلمسة شرقيّة، فهي مثاليّة لأشهر الشتاء. والعطور الغنيّة التي يدخل في تركيبتها توابل غريبة تكاد تمنحك شعوراً بالدفء. ومن المناسب أن تضع طبقات من عطور مختلفة في أوقات أخرى من السنة، شرط أن تختار المزيج الصحيح. ومن الأفضل أن تنتقي عطوراً خفيفة ومنعشة في الصباح وعطوراً أقوى في المساء.
حاورته ندى قباني