محمود رشاد خبير المكياج والمصور والمدير الإبداعي يحكي قصة جلسة التصوير الأسطورية وذكرياته مع "دينا" الراقصة والصديقة. فلم نجد أكثر ما هو مناسب لنقدم فيه نجمتنا.
دينا اسم كبير نجح في حفر حروفه من ذهب ليس فقط في عالم الرقص بل أيضاً في عالم الفن الشرقي بشكل عام، لأنها تمكنت من أن تصنع لنفسها لوناً خاصاً على مدار أكثر من 20 عاماً في مشوارها الفني. هذا اللون هو ليس فقط نتاج عملها الدائم على التميز وتحديد طابعها الفني بدقة، لكنه أيضاً كان نتيجة سعيها للتواصل بكيانها وروحها مع الفن لتنسجم معه بشكل تام ليصبح جزءاً من توليفة دينا الخاصة التي يعشقها الكثيرون. يحكي أحد أصدقائها المقربين، وهو المصور رشاد الشاخص، قصته معها من خلال عدسة حميمية تخبرنا تفاصيل محببة عن هذه الأيقونة وسر تميزها في مجالها وفي حياتها بشكل عام.
لازلت أتذكرها هذه الليلة التي ذهبنا فيها مع عمي إلى سميراميس. رائحتها الطاغية التي تنطوي على رقة شديدة وأنوثة لتغمرنا بينما تخترق "لوبي" الفندق كـ "ديفا" بين حشود المساعدين والمصورين والجماهير التي أتت لرؤيتها. لم تكن راقصة عادية بل هي توليفة خاصة من الأزياء المختارة بعناية والموسيقى التي تعلق بالأذهان مع حركات جسدها الساحرة وتعابير وجهها التي تنم عن موهبة كبيرة وشعور قوي واتصال بالفن والابداع دون أية عوائق.
تمر السنوات وأتقدم في العمر وأتخذ من التصوير مهنة لأتعرف أكثر على عالم الاستعراض والتمثيل ومنه إلى عالم دينا التي كنت محظوظا لأعتبرها صديقة، بل وصديقة مقربة.
وخلال هذه السنوات كان يراودني حلم التعاون مع دينا لعمل قصة مصورة تكون هي عنوانها الرئيسي، وبالفعل قمنا بمحاولتين فشلتا للعديد من الأسباب منها التعاون مع مصورين لم يخلقوا لهذا المشروع بكل بساطة لأنهم لا يعرفون عن دينا ما رأيته أنا.
في المحاولة الثالثة، استجمعت شجاعتي لأقوم أنا بتصويرها، وكان لدي هدف واضح ومحدد وهو نقل هذا الجانب الرقيق والناعم الذي شعرت به هذه الليلة في سميراميس، لذلك رسمت إحساس هذه الجلسة بوضوح لإلقاء الضوء على قدراتها الجسدية القوية مع احساسها المرهف. وبالفعل ذهبت إلى منزلها في يوم ما قبل التصوير لأنظر بداخل خزانتها لأنني كنت على يقين أن لديها كنز لا يعلم عنه أحد. وفعلا وجدت بعض عقود الورود من هونولولو ومراوح بكين المميزة، ذلك غير كنز الإكسسوار التي أعدتها بعناية للفوازير التي لم تتم آنذاك ومن بينهم تاج للزينة اخترته هو بالتحديد.
لا داعي لذكر ما هو معروف عن دينا بالفعل وحضورها المميز في الصور لأنها لديها مجموعة من المقومات التي نادراً ما تجتمع في شخص واحد: قوامها الممشوق، واحساسها الراقي وشعورها الطاغي. خلال تصوير مقطع فيديو لرقصة من رقصاتها، اختارت دينا مقطوعة للعود فقط دون أية إيقاع، وراحت لترقص عليها في عظمة غير معهودة وبين رقصها الهادئ والموسيقى غمرت الدموع عينيها التي كانت تحكي الكثير من القصص، قصص لانتصارات صغيرة، وهزائم تنم عن ألم، لكنه نوع الألم الذي يصقل شخصيتنا ويشكل ما نحن عليه. أغمضت عينيها ورفعت ذراعيها في الهواء ودخلت في حالة شديدة الخصوصية من التواصل مع العالم الروحي... كانت دينا في حضرة الرقص!
تواصلت مع ألمها وشعورها وفور عودتها إلى التواصل معنا، نحن البشر، وضعت التاج الذي وجدته مدفوناً في خزانتها على رأسها، والتقطت صورة لها والتي طغت على عينيها فيها نظرة لا يمكنني إلا القول أنني لم أرها من قبل، كانت روحها كلها متجسدة في هذه النظرة... أنوثتها، والجانب الإنساني الحنون الطاغي عليها، الأحلام الكبيرة، وقصص الحب الضائعة!
دينا ليست مجرد راقصة، بل أنها أيقونة يعشقها الناس وينتظرون رؤيتها لأنها تأتي من نفس ذات المكان في وجداننا الجمعي، زاوية التحدي والكفاح ومواجهة الأنماط التقليدية والقيود غير المبررة. دينا منتصرة دائماً، وستظل كذلك طالما ترقص...
...ثم كان لـ Elle Arabia فرصة إجراء هذا اللقاء الشيق معها!
ELLE Arabia: هل دينا راضية عمّا حققته حتى اليوم؟
دينا: الحمد الله أنا راضية عن الذي حققته، في عالم الرقص أظن أنني وصلت لأكثر شيء ممكن في مجال الرقص الشرقي، طبعا ما زال لدي أحلام أريد أن أحققها لكنني حققت جزء كبير من أحلامي وما زلت أريد أن أحقق ما بقي منها إنشاء الله.
ELLE Arabia: مسيرتك غنية بالأعمال والإنجازات... ما هي النقلة النوعية في حياتك والتي أوصلتك إلى ما أنتِ عليه اليوم؟
دينا: الحياة الفنية بالنسبة لشخص مبتدأ على قدر طموحه يصل طبعا بعد توفر شروط وأشكال النجم، لأنه بالنسبة لي الشاطر نوعان: شاطر ونجم وشاطر وليس نجم. لذلك عندما تكون مؤهلات النجم موجودة عند الشخص ولديه طموح عالي يجتاز المرحلة الأولى لأن أول مرحلة هي الأصعب، ومن ثم يكمل ما بدأه. وطبعا هناك تطورات في حياة الفنان إما أن تكبره أو تصغره ويبقى هكذا إلى أن يصل لشيء ثابت وهذه حياة طويلة من أجل التكلم فيها يجب شرح العديد من الأشياء. لذلك أحاول الإختصار. فرحلة أي فنان تتضمن القاسي والحلو والمر من أجل أن يعرف طعم الحلو ويبقى مكملا في مسيرته ليصل لما يريد.
ELLE Arabia: بين الرقص والتمثيل ما هو الأقرب لقلبك، وهل يمكنك تفضيل مجال على آخر، ولماذا؟
دينا: الفنان لا يعرف أن يميز أي شيء من الآخر. طبعا الرقص شيء لا أستطيع وصف حبي له. إنما في نفس الوقت التمثيل يظهر مشاعر ليست عندي مثل دور الشرير جداً وهذه أشياء موجودة داخل كل شخص. مضى وقت حتى أحببت التمثيل فأنا لم أحبه منذ بداياتي، إنما اليوم أحب الاثنين بالمستوى نفسه، مثلما يحب الإنسان أمه وإبنه لا يستطيع أن يفضل أحدهما على آخر ،كُلّ منهما له مكانة خاصة.
ELLE Arabia: من هي منافسة دينا الأولى وكيف تتعاملين مع زملائك في مجالي الرقص والتمثيل؟
دينا: الحقيقة أنني أفتقدت المنافسة في مجال الرقص منذ زمن، حين اعتزلت فيفي عبدو الرقص أقصد الإستعراض المباشر. فلم يعد هناك منافسين، أعتبر المنافسة يجب أن تكون مصرية. لا أعتبر الأجانب منافسين في مجال الرقص الشرقي، حتى لو كانوا جيدين، إنما هم هواة ولا أعتبرهم محترفين. وفي مجال التمثيل، لا أرى أن الذي أقدمه يستطيع أن يقدمه أحد غيري. فأنا أرى نفسي في مكان محايد عن الجميع وهذا ما يجعلهم يختارونني لأدوار معينة فأنا أستطيع أن أقوم بأي شيء وبكل شيء وعمري يميزني فلا أعتبر أنه لدي منافسين.
ELLE Arabia: برأيك ما هو مفتاح نجاح الإنسان عامةً والفنان خاصةً؟
دينا: من وجهة نظري النجاح عامة هو الإيمان بالشيء الذي تقوم به وواثق في ذاتك ومتأكد بأنك ستصنع شيء يغير في المجال الذي أنت فيه. حين بدأت مسيرتي في الرقص الشرقي كنت أقوم بالفنون الشعبية ومن ثم بدأت أتمرن شرقي لمدة سنتين مع الأستاذ ابراهيم عاكف لأنني مؤمنة عندما أقوم بشيء يجب أن أتقنه وأعرف كل تفاصيله، ولأنني كنت منذ البداية شخص خلّاق ومبدع فأنا لم أكن أعلم الفرق بين الراقصة التي تقوم بالتمرين بشكل عادي وبين أخرى تخترع الخطوات. فأنا كنت أقوم بابتكار خطواتي لذا تميزت في مجالي وما زال هناك خطوات حتى الآن عندما يقوم بها أحد يقولون دينا فهذا جزء من النجاح أن تقوم بصنع بصمة لنفسك.
النجاح بالنسبة للفنان أيضا صعب فهو بحاجة للإهتمام بجميع التفاصيل، مثلا ما يأكل ما يشرب ساعات النوم مواعيد العمل... فكل حياته تدور حول نجاحه. طبعا هناك حياة شخصية لكن العمل يأخذ تقريبا أكبر محيّز في حياة الفنان.
ELLE Arabia: إذا قابلت شخص يافع يخطي نفس خطواتك في الفن، ما هي النصيحة التي تقدمينها ولماذا؟
دينا: نصيحتي ستكون أن الرقص حب ومشاعر. والإنسان عندما يحب شيء يهتم بكل تفاصيله وهذا هو النجاح، مهنة الرقص هي تفاصيل أداء وأزياء ومكياج وجسم! التفاصيل والتركيز بهذه التفاصيل والعمل عل تطويرها هو النجاح بحد ذاته!
ELLE Arabia: ما رأيك بالمرأة العربية اليوم وما الذي يميّزها عن نظيرتها الغربية؟
دينا: بنظري المرأة العربية تقدمت وباتت تتمتع بتميزات كثيرة كالغربية، ولكم في المجمل المرأة العربية أقوى! لأنها لطالما حاربت لكي تعمل وتفرض وجودها ولكي تمنع أي شخص من أن يسيء فهمها - لذا هي أقوى وشخصيتها مثقلة أكثر. فالغربية دائماً ومنذ الأزل كانت تحصل على ما تريد بمنتهى البساطة ومن دون مطالبة. أما المرأة العربية لطالما طالبت بأبسط حقوقها وناضلت للحصول عليها!
ELLE Arabia: من خلال دورك كنجمة وشخصية مؤثرة ما هي نصيحتك للمرأة العربية؟
دينا: نصيحتي للمرأة العربية أنها لو تمتلك موهبة ما لا تستسلم بل تحارب وتتقدم، المرأة أكثر تحملاً من الرجل هي الأم والزوجة والمرأة العاملة - المرأة يمكنها أن توفق بين 5 أشياء مع بعض! ومن هذا المنطلق عليها أن تستغل هذه الموهبة وأن تترك بصمة مميزة وتثبت حضورها وكيانها.
ELLE Arabia: ما رأيك بالساحة الفنية اليوم؟
دينا: في أيامنا هذه لا يمكننا أن نحكم ببساطة على الفن، العالم يتغير والفن يزدهر ويتطور مع تطور العالم ونحن في العالم العربي نعاني ونمر في ظروف صعبة تحد من تطور الفن. الحضارات القديمة وتطورها ساعدت الفنون بمختلف أشكالها على الإزدهار وتقديم كل ما هو مبتكر وجديد، برأيي الشخصي الفن حالياً يعاني بسبب الظروف المحيطة الراهنة.
ELLE Arabia: كيف تتعاملين مع النقد؟
دينا: في البدايات كان يؤذيني ويجرحني ولم أحب ان يوجه لي أحد أي إنتقاد، عندما كبرت فهمت أنه هناك نوعين من النقد - نقد يساعدك على أن تبرز أفضل ما عندك لو كان بناء، ونقد يردعم للخلف لو ركزت فيه لأنه ببساطة غير بناء.
أحاول أن أخذ النقد بعين الإعتبار لو كان إيجابي وفعلاً بناء ولمصلحتي أما لو كان نقد فقط لمجرد النقد فأتجاهله بكل بساطة. انا شخص لا يحب الطاقة السلبية في حياته.
ELLE Arabia: ما رأيك بمواقع التواصل الإجتماعي ما هي حسناتها وسيئاتها وكيف تتعاملين معها شخصياً؟
دينا: مواقع التواصل الإجتماعي لديها حسناتها وسيئاتها ولكن برأيي أن الناس أساءت إستخدامها! فبعض الناس هدفها التنمر، والشتائم، والتجريح والإهانات ومواقع التواصل الإجتماعي تساعدهم علىذلك، ولكن البلوك نعمة (تضحك) أنا أقوم بحظر أي شخص يهينني ويشتمني - فأنا على هذه المواقع لكي أكون قريبة من الناس وأشاركهم ما أقوم به وليس لكي يسيء إلي شخص مجهول.
ولكن الحسنة الأساسية هي أنها تقرب الناس من بعضها البعض، وتحد من المسافات وتعرفك على الشخص الآخر والمهتمة به من خلال ما ينشر وهذا شيء إيجابي جداً.
ELLE Arabia: ما هي أعمالك المستقبلية؟
دينا: بدأت حالياً تصوير فيلم "سقراط ونبيلة" مع أشرف عبدالباقي وناس كثير من مدرسته، ونخبة كبيرة مميزة - كما هناك مسلسل إيمه "هي" مع وفا وآيتن عامر، أحمد بدير، وممثلين جدد كثر - أيضاً فيلم روائي قصير وهذه أول تجربة لي.
بالنسبة للرقص بسبب فيروس كورونا نشاطي يقتصر على الأفراح المفتوحة أي في الهواء الطلق.
ELLE Arabia: إذا أتيح لك فرصة إختيار فريق عمل (ممثلين) لعمل ما (فيلم أو مسلسل) من تختارين من الممثلين ولماذا؟
دينا: هناك ناس كثر أحبهم ولكن لم تُتح لي فرصة للعمل معهم. برأيي من الصعب إختيار فريق عمل من دون الإطلاع على فكرة العمل التي تجذب الممثلين والفريق المناسب له. سؤال صعب، لا أستطيع أن أحدد إجابة إلا إذا قمت بقراءة السيناريو والنص ومن ثم من الممكن أن أختار الفريق.
ELLE Arabia: هل برأيك أنك فنانة أخذت حقها من الفن وهذا المجال والقيمين عليه؟
دينا: في مجال الرقص أظن أنني أخذت حقي خارج مصر، وداخل مصر أنا في الإنتظار لأنني لغاية اليوم لم أحصل على جائزة، علماً انني مصرية وبدأت مسيرتي الفنية من بلدي مصر - التقدير والحق ممكن أن يكون معنوي وليس مادي وهذا ما أقصده بالنسبة لمصر. بالنسبة للتمثيل لا تزال أمامي خطوات كثيرة فلا يمكنني أن اجزم.
ELLE Arabia: موجة الراقصات الشرقيات موجودة بكثرة في العالم العربية خصوصاً مصر - ما تعليقك؟
دينا: هي ليست موجة- منذ الأزل إشتهرنا في الرقص الشرقي، في العالم ممكن بعض البلاد نقول موضة منذ 15 سنة وهي موجودة في البلاد تقل وتكثر ولكن مصر منبع الرقص الشرقي.
ELLE Arabia: من وجهة نظرك متى ينبغي أن يطلق على الفنان لقب "نجم"؟
دينا: النجم يولد نجم، يكون واضح من اول لحظة أن هذا الفنان ولد لكي يكون نجم.
ELLE Arabia: هل من عمل قمت به تندمين عليه - لماذا؟
دينا: كل الأعمال بالنسبة لي أولادي، لا يوجد مجال للندم نحن في مجال معرضين للفشل والنجاح وكل تجربة حتى لو فشلت لها درس معين لنا. في بعض الأحيان يفشل عمل ما أو حفلة ما، وذلك ليس بسبب الممثل أو الراقصة بل بسبب الصوت مثلاً، أو النص إلخ... بإختصار أنا لا أندم بل أتعلم وأحب كل أعمالي بحلوها ومرها.
ELLE Arabia: صفي لنا نفسك بـ 3 كلمات.
دينا: عندي قدرة تحمل، خروجي من المشاكل بطريقة متحضرة ولطيفة، أتخطى أي مشكلة تحصل لي لو مهما كانت كبيرة. أعطيها 3 أيام للحزن والحسرة وبعدها أتخطى الموضوع - وأهمها أنني أحب الناس لو مهما كانت صفاتها أو مزياها أحبهم!
ELLE Arabia: قدوتك ومثالك الأعلى؟ ومقولة تؤمنين بها؟
دينا: في الرقص الشرقي سامية جمال. في الفن الشعبي فريدة فهمي.
المقولة التي أحبها المتعة ليست في الوجهة والوصل، إنما في الرحلة نفسها.
ELLE Arabia: كلمة لقراء Elle Arabia ولجمهورك؟
دينا: أنا سعيدة بإجراء هذا الحوار وعلى أمل أنكم سعيدين وأحب مجلة Elle ، إبني يتعلم في فرنسا فأي كلمة فرنسية تشدني (تضحك)!
حاورتها فدى رمضان
مكياج، إدارة إبداعية وتصوير: محمود رشاد \ Rashad Studios
موقع تصوير: Photopia Cairo
تصفيف شعر: شادي من صالون الصغير
تنسيق ملابس: ناريمان صادق