فنّان متكامل: موسيقيّ، مؤلّف، مغنٍّ وشاعر. خالد مزنّر هو أيضاً من يعرف كيف يُذهل الناس من حوله، هو من يعشق الطبيعة. لقاء يوضّح صورة الرجل المتعدّد المواهب.
ما بين التميّز والانفراد، يقبع الاستوديو الخاص بخالد مزنر تحت الأشجار خلف ستار من القصب الجاف. وتماماً مثل الرجل، إنه مطبوع ببصمة فنتيج أيضاً. في الحديقة الصغيرة، تستقبلنا آلة قديمة لعرض أفلام السينما. ومن داخل الاستوديو ينبعث ماضٍ يمزجه الموسيقي بكلّ ذكاء مع الزمن الحاضر. وسرعان ما نلحظ الحسّ المرهف في كلّ مكان، حسٌّ يميّز خالد وأعماله. إنّ الموسيقى التي يبتكرها هي راقية للغاية وتنقلنا في حركة ذهاب وإياب مستمرّة ما بين العقل والمشاعر، وما بين لبنان وبلد خالد الحقيقي: الموسيقى!
درب الفنّ
وُلد خالد مزنّر في 24 أيلول/ سبتمبر 1974 وهو أكثر من مجرّد مؤلّف ومنتج موسيقي. إنّه فنّان متنوّع. يحمل العديد من الأفلام بصمته مثل "بيروت بعد الحلاقة" و"سكر بنات" و"ميلودراما حبيبي" وفيلم "وهلأ لوين؟" و"ريو... أحبّك" وغيرها. ولكنّ عمله لا يقتصر على موسيقى الأفلام وحسب لأنّ خالد مزنّر هو أيضاً كاتب ومغنٍّ. يجد عمله جذوره في أنماط مختلفة تذهب من الموسيقى الكلاسيكية إلى الجاز والنغمات الشرقية وألحان البحر المتوسّط، ولكنّها كذلك تتناغم مع "الشورو" البرازيلي والتانغو الأرجنتيني. "ورثت الموسيقى من أمّي" فهي عازفة قيثارة ومغنّية عاشت في المكسيك وكانت تدندن لابنها خالد وهو صغير النغمات اللاتينية ووضعته على درب الآلات الموسيقية التي ملأت حياته في ما بعد. بدايةً مع البيانو بعمر تسع سنوات لكنّ الحرب الأهلية والتنقّل المستمرّ محت تلك الآلة من مشهده الموسيقي وحلّت مكانها القيثارة وآلات يسهل نقلها. بعمر 18 عاماً، جرى حدث مهمّ في حياة الفنّان المهنية وهو لقاؤه مع المؤلّف بوغوس جيلاليان الذي علّمه "قواعد التأليف الموسيقي" من خلال تقطيع وتحليل لحن للموسيقار الشهير باخ، كل أسبوع! عام 2000، ابتكر بالتعاون مع زيد حمدان أول علامة له Mooz Records وأنتج غالبية أعمال الساحة الموسيقية في بيروت مع فرق مثل "Soap Kills" و"قطاع بيروت" وThe New Government وRGB. بعدئذٍ، أنشأ مزنّر استوديو تسجيل خاصاً به The Abeyrut Studio حيث يسجّل مؤلّفاته مستعيناً بطرق شبيهة بالفنتيج كما بالعديد من الآلات النادرة التي يجلبها من كلّ أنحاء العالم.
في الثاني والعشرين من الشهر الفائت، قدّم خالد أداءً أولياً Khaled Mouzanar Films Scores في قاعة إميل بستاني، مع أوركسترا كبيرة مؤلّفة من 39 موسيقياً ومرنّماً ومغنّياً على المسرح يقودهم عازف الكمان كلود شلهوب، على الأنغام التي اعتدنا دندنتها مثل "مرايتي يا مرايتي" وغيرها، بالتزامن مع بعض المشاهد من الأفلام. وكان النجاح عنوان هذه الضربة الأولى من نوعها، وهي ضربة معلّم!
مسيرة الأعمال
"يرتكز مساري في العمل على السيناريو لا على الصورة. أستوحي من الأوضاع ومن الشخصيات فقد تكبح المعطيات البصرية مخيّلتي". هل هذا هو أحد أسرار طريقة خالد؟ نعم، على الأرجح. "في هوليوود، يُفرض على المؤلّف الموسيقي مرجع ما قد يقيّد هامش إبداعه. أمّا أنا فمحظوظ لأنّني أفعل العكس". في "سكر بنات"، عندما تزيل نادين لبكي الشعر عند رجل الشرطة بمزيج من الحس المرهف والعنف الهادئ، "لم أجد أفضل من موسيقى التانغو لتجسيد المشهد". وكانت نادين توافق وتُعدّ موسيقى المشهد استناداً إلى التانغو. تمنح نادين لبكي في أفلامها مساحة كبيرة للموسيقى التي لا تقتصر على كونها مرافقاً بسيطاً للصور بل تصير عنصراً أساسياً من عناصر الفيلم، تماماً مثل أداء الممثّل أو الإخراج. "برأيي، إنّها أحد أدوار السينما الحالية في ما يخص الموسيقى. وكما كانت تفعل في السابق المؤسسة الكنسية وأيضاً القصور الملكية تجاه الموسيقى الكلاسيكية، صارت السينما اليوم هي التي عليها أن تصبح المنتج الحقيقي للموسيقى".
طريق الأفلام
درس خالد الحقوق في الجامعة لكنّ مجالاً آخر جذبه أكثر وهو مجال السينما. "ساعدتني دروس الحقوق على أن أبتعد عنها وأحب الموسيقى أكثر". راح يؤلّف القطع الموسيقية لأفلام أصدقائه الطلبة في كلية الدراسات السمعية-البصرية كما عمل لفترة على موسيقى الإعلانات، وهو مجال نجح في فرضه في الشرق الأوسط وآسيا وبلدان أفريقيا قبل أن تجذبه السينما كلّياً مع "بيروت بعد الحلاقة" لهاني طمبا، وهو فيلم توّج في فرنسا كأفضل فيلم قصير لعام 2006. وعام 2007 وقّع مزنّر مع دار Naïve الفرنسية للأسطوانات عقداً لابتكار ألبوم فردي وألّف الموضوع الموسيقي لفيلم "سكر بنات" الذي نال جائزة UCMF عن أفضل موسيقى في مهرجان "كان" عام 2008. وتبعه ألبوم Les Champs Arides، ثنائي مع المغنّية باربرا كارلوتي، الذي أُنتج بالتعاون مع الانكليزي إيان كابل، والذي قالت عنه مجلة إكسبرس: "إنّه مستقبل واعد جديد ومليء بالشغف للموسيقى الفرنسية". عام 2009، حين كان يؤلّف للعديد من الفنّانين، من بينهم ناتاشا أطلس، كتب موسيقى فيلم "وهلأ لوين؟" لنادين لبكي الذي نال جائزة أفضل موسيقى في مهرجان ستوكهولم السينمائي عام 2011. وتتوالى الجوائز من دون أن تتشابه ومن آخرها جائزة الامتياز من SEAL في نيويورك "كشكر له على مساهمته في الفنّ في لبنان والعالم".
شارع "الشهداء"
لا شكّ في أنّ المصير هو مجموعة من الصدف ولكن أيضاً من الحدس والقرارات والاصرار في بعض الأحيان. "كنت في باريس وكنت قد وقّعت عقداً مع Naïve حين عرفت أنّ هناك سيدة اسمها نادين لبكي تحضّر في باريس فيلماً ستصوّره في لبنان"، كما يخبر خالد متحدّثاً عن الحقبة التي بدّلت حياته. "هكذا، اتّصلت بنادين في وقت صدر فيه فيلم "بيروت بعد الحلاقة" في فرنسا. وعشيّة لقائنا تحدّثت التلفزيونات الفرنسية عن الفيلم بكلّ إيجابية ما دفع نادين لتطلبني من أجل العمل على فيلمها "سكر بنات". فكان لا بدّ من أن نلتقي مجدّداً واقترحت عليّ لقاءً لكن في ذاك اليوم كان عندي موعد محدّد مسبقاً. وقد أشارت لي إلى أنّها ستمضي السهرة عند صديق لبناني في 50, Rue des Martyrs . لكنّ رأسي سجّل 5 بدلاً من 50. وكانت قد أعتطني الرقم السري لمدخل المبنى في حال بدّلت رأيي فحفظته بالرغم من أنّني كنت متأكّداً من أنّني لن أستعمله لأن سهرتي كانت محجوزة. عند المساء، طلبت سيارة تاكسي للانضمام إلى أصدقائي. كان الطقس مثلجاً فتوجّهت السيارة في اللّيل الأبيض إلى الجانب الآخر من باريس ولكنّ صورة نادين كانت ترافقني. عندئذٍ، قلت لنفسي إن طلبت من السائق أن يستدير ويتوجّه إلى الشارع الذي تمضي فيه نادين سهرتها، فقد يشكّل ذلك منعطفاً في حياتي". وهذا ما حصل! استدارت السيارة وقادت خالد إلى مصيره. في 5, Rue des Martyrs، فشل خالد في إدخال الرقم السري وبعد محاولات عديدة أدرك أنّ رقم 5 غير صحيح فقرّر أن يجول كلّ المباني القابعة على طول الشارع محاولاً في كل مرة أن يُدخل الرقم السري الذي أعطته إيّاه نادين. هكذا إلى أن فتح أخيراً الباب في 50, Rue des Martyrs! "على الهاتف الداخلي، بحثت عن اسم لبناني ولكن عبثاً. لم أجد شيئاً لأنّني كنت أجهل أنّ لصديق نادين اللبناني جذور سلافية! لم أشأ الاستسلام وبما أنّني اقتربت من الهدف وبعد ساعات طويلة من البحث في البرد والثلج في باريس، رحت أفتل في المبنى إلى أن سمعت في الممر صوت ضحكة لم أشكّ في أنّها ضحكة نادين. وأخيراً، تمّ التلاقي. شعرت بالدفء وكان الوقت قد تأخّر. دخل صديقها إلى النوم أمّا نحن فلم ننم. كانت تلك سهرة حبنا الأولى..." بهذه الطريقة، تعارفت نادين وخالد وأحبّا بعضهما. أمّا التكملة فنعرفها: تزوّجا وأنجبا الكثير من الأفلام...
حب كراميل
بالعودة إلى لبنان وبعد لقائهما الأول في باريس، كتب خالد أغنية لاقت رواجاً كبيراً: Rue des Martyrs وقد صرّح خالد بأنّ الموضوع الموسيقي لفيلم "سكر نبات" كُتب من أجل نادين أكثر منه من أجل السيناريو.
خالد النغمات
في الموسيقى، ينتمي خالد إلى مدرسة الألحان، إلى الميلوديا، وأول ما عشقه في الموسيقى كان لحن The Third Man، الفيلم البريطاني لكارول ريد على سيناريو غراهام غرين، موسيقى من تأليف وأداء أنتون كاراس عام 1949. ويقول مزنّر: "بالنسبة لي، إنّ الموسيقى ميلوديا".
خالد الشِعر
"إنّ الشِعر كالشغف، وتيرته قصيرة لكنّه يعبّر عن الكثير من الأمور"، كما يقول خالد مزنّر القريب من هذا النمط الأدبي منذ سنّ السادسة عشرة.
خالد الطبيعة
"أمضي الكثير من الوقت في غابة السنديان في البترون حيث أملك الآن كرماً للعنب. هناك أشعر بأفضل حال. تؤمّن الطبيعة توازني، والنبيذ الذي أحاول إنتاجه هو موسيقى من نوع آخر. مثلها، لديه نغمات ونكهات. في الموسيقى، لا نتعمّق ونصبح محترفين بعمر صغير، والأمر نفسه مع النبيذ. "
إضغطي هنا للاطلاع على عددنا الأول من مجلة ELLE الموجهة للرجال مع صورة خالد مزنّر على الغلاف.