أنطونيو ماراس: عندما يحاكي الموروث الثقافي أناقة المرأة المتفردة!

عام 1961 أبصر المصمّم أنطونيو مرّاس النور في بلدة ألغيرو بسردينيا. وكان أوّل ظهور له في عالم الأزياء بمحض الصّدفة، ففي العام 1987 أوكلت إليه مؤسّسة رومانيّة مهمّة تصميم مجموعة من الملابس الجاهزة، واختير بفضل ثقافته الممتزجة بالنواحي الفنّيّة والإبداعيّة، ومهارته التقنيّة ودرايته بالقوالب والأشكال والأحجام التي كان قد اكتسب مهارتها من عائلته التي عملت في نفس المجال وامتلكت عدّة بوتيكات في ألغيرو ما شكّل أساساً متيناً له. في العام 1996، أوكلت إليه مهمّة عرض تشكيلته في روما والتي كشفت عن أسلوبه المتميّز المرتكز على الإيحاءات السردينيّة لبلده الأمّ والمهارة والحرفيّة. 


وللمرّة الأولى شهد العام 1999 استعراض أوّل تشكيلة له من الملابس الجاهزة في عاصمة الموضة الإيطاليّة ميلانو، وكرّسها إلى الكاتبة أناماري شوارزنباخ مفعمة بالتفاصيل الشاعريّة والرومانسيّة المستوحاة من أسلوبها الكتابيّ. وهو، منذ ذلك الحين، مستمر في إبداعاته حيث يُعرف بتصاميمه الخارجة عن المألوف. ذو فكر خلاق، له خلطة فريدة من العناصر المختلفة المستمدة من الموروث الثقافي لمختلف الحضارات، مسلطاً الضوء على السمات الشخصية والبدنية لكل سيدة.

 

ومع إطلاق مجموعته الجديدة وأول متجر للنخبة في دبي يجمع بين الموضة والمأكولات، كان لنا مع المصمم أنطونيو ماراس هذا اللقاء الشيّق. 

 

 

ELLE Arabia: كيف بدأت مسيرتك المهنية في عالم الموضة؟
 

أنطونيو ماراس: كان قدري أن أعيش في بيئة محاطة بالأزياء، حيث نشأت بين الأقمشة في متجر العائلة الذي أحببته منذ الصغر، ولطالما أحاطت بي أكوام الملابس واستنشقت رائحتها المميزة، ما شكّل عاملاً حاسماً قادني فيما بعد للغوص في عالمها الساحر بكل توجهاته الإبداعية ومساراته المعقدة. فبعد أن كبرت قليلاً، بدأت العمل في مجال الأقمشة، ويجب أن أعترف بأني شخص فضوليّ، يعشق الاستكشاف والتجريب والاختبار، وتأثرت كثيراُ برواية ’عوليس‘ التي منحتني القوة والطاقة للتحمّل، والتجريب، كما جذبتني العوامل المتغيرة، وقادتني المشاعر الفطريّة. وهذا ما ساهم في نجاح تشكيلتي ’هاش، هاش.. سويت شارلوت‘ التي مثّلت أولى محاولاتي الحقيقية لتعبير عن شغفي بعالم السينما، وبالتحديد، هذا الفيلم الذي أخرجه روبرت ألدريتش ولعبت بطولته الممثلة بيت ديفيس.

 

 

 

E.A: أعلنتَ مؤخراً عن إطلاقك أول متجر لعلامة أنطونيو ماراس في دبي، والذي يمثّل قيمةً فريدةً من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً بعد أن تضمّن مفهوماً جديداً يجمع بين عالمي الموضة والمأكولات. أخبرنا المزيد عن هذا المشروع والخدمات التي يمكن أن يقدمها.

 

أ.م.: يحتوي المتجر على الكتب، والمواد الإبداعية، والأعمال الفنية، إضافة إلى الأزياء، والإكسسوارات، فهو يمثّل مكاناً للقاء ووجهةً للضيافة أكثر من كونه متجراً. لذلك كان من الطبيعيّ جداً أن نفكّر في إنشاء مطعم ’أنطونيو ماراس‘ في إطار يعكس المفهوم العميق لمعنى الضيافة الشهيرة في جزيرة سردينيا، والذي تصل جذوره المتأصلة في ثقافة البحر المتوسط على مدى آلاف السنين، حيث يلعب الضيف دور المضيف، ويلجأ الغريب طلباً للمأوى، والحماية، والضيافة، ويقدّم المالكون الطعام ليس من أجل المال، وإنما تعبيراً عن الكرم، وسعياً وراء الصداقة، فنحن نمتلك قيماً تحاكي الثقافة العربية.

ومن جهته، يضفي متجر ’أنطونيو ماراس‘ أجواءً حميميةّ تذكرنا بالمنزل، حيث تقدم الفسحة الواسعة في الهواء الطلق إضافة إلى صالة العرض بديلاً مثالياً عن المفهوم التقليدي للمتاجر المشابهة. فهو مكان يمنح الزائر فسحةً من الخصوصية، وأجواءً من الضيافة المريحة بنفس الوقت.

لطالما استهوتني فكرة الحصول على مكان لا يمثّل غرفةً لي أو منزلاً، بل مكاناً خاصاً يتمتع بمساحة كبيرة تكفي لقضاء أمتع الأوقات مع الأصدقاء وإطلاق العنان لطاقاتنا. في ذلك الوقت، شكّل مرآب السيارات ذلك الملاذ، أو ربما غرفة العلّيّة، أو حتى حظيرةُ ريفيةً صغيرة. أما اليوم، فقد نجحت أخيراً في ابتكار المكان الذي حلمت به، مساحةٌ متعددة الوظائف تقدم خدماتها في مجال التسوق والضيافة.

 

 

E.A: لماذا اخترت مدينة دبي بالتحديد لإطلاق تصاميمك؟

 

أ.م. : لأنها تمثّل سوقاً آمنةً متعددة الوظائف تتمتع بمزايا تحفيزية، ورؤية احترافية عالية تجذب الانتباه، وتعنى بأدق التفاصيل.

 

أنطونيو ماراس

 

E.A: ما الذي يلهمك، ومن أين تستقي خطوطك الإبداعية؟

 

أ.م: يمكن أن أستمدّ إلهامي من كلّ شيء، من الأشخاص الذين ألتقيهم، والقصص التي أقرأها، أو حتى من سلسلة بصرية مبتذلة، أو صورة موحية، من مفردة ملفتة، قصيدة أو أغنية جذابة، فأنا على استعداد دائم لالتقاط الإيحاءات، وترجمة الرسائل والأصوات إلى صياغات بلغتي الخاصة. فلطالما تروي إبداعاتي قصصاً تعبّر عن ذاتي، وتعكس تجربة حضارية تعود إلى آلاف السنين تبرز من خلالها الموروث الذي ترك آثاراً ومطابقات ثقافية أحاول التعبير عنها بطريقة الأزياء سواء تلك المخصصة للسيدات أو الرجال.

 

 

E.A: ما الذي يميز أحدث تشكيلات العلامة، وما هي الألوان التي استعنت بها لطرح رؤيتك؟

 

أ.م.: تنقسم التشكيلة إلى مجموعة من الألوان والمواضيع، حيث يمكن المزج بين كل التفاصيل من خلال المواءمة والتباين، لدرجةٍ قد تبدو فيها هذه العملية بالنسبة إلى أولئك الذين لا يدركون ماهيّة القطع أمراً من السهل الممتنع. لأنها تعكس ميزات تحدد معاني التنوع، والتراكم، والعبور، والتشبيك، والتركيب، والمزج، والتلويث، والحياكة، وانتقاء المواد والعناصر لصياغة مشاهد مؤثرة يسعى للبحث عن أساليب جديدة. هذا بالضبط ما يعجبني في هذه العملية الإبداعية التي تشكّل أساس أي مشروع سواء في مجال الفن أو ابتكار الأزياء. فأنا على سبيل المثال أتعامل بحرفيّة تقودني دوماً للاقتناع بأهمية المهارة كأداة للتنمية، وكمحرك رئيسي قادر على إعادة صياغة الماضي والتخطيط للمستقبل بأسلوب يظهر الملامح المميزة للمشاهد الإبداعية بكل وضوح للمتلقي.

 

 

E.A: من هي السيدة التي تسعى لاستقطابها؟ وهل تستهدف شريحة أنثوية محددة انطلاقاً من السمات التي تغلف أزياءك بخواص من الرصانة والأناقة المعاصرة؟

 

أ.م.: بمجرد قراءة بسيطة للعناوين الإبداعية يمكنها الكشف عن عالمي الخاص، وإظهار السمات المميزة للسيدات اللواتي أخاطبهنّ على اختلاف أطباعهنً، لكنهنّ يشتركن بمعاني القوة والذكاء والابتكار، ويتمتّعن بشخصية مستقلة. لذلك تروي كل تشكيلة من الأزياء التي أبتكرها قصةً مختلفةً لا تشبه الأخرى من حيث الموضوع، أو الطباع الأنثوية المحددة. هذا ما يجعلني أخاف دوماً من طرح تساؤلات حول صفات المرأة المثالية؛ فهل أتساءل عن سيدات سردينيا اللواتي يتمتّعن بالقوة والاعتزاز، أو أبحث في المميزات المحددة للمرأة من منظور عالمي؟ فليس من اللائق وضع المرأة في إطار نمطي ضيّق، لأن واقع الإناث يحفل بالتنوع ضمن لوائح تراتبية متعددة الطبقات، لذلك على المرأة أن تدرك ماهيّة شخصيتها وتكتشف موروثها الثقافي الذي يبتكر نموذجها الخاص في اللباس ضمن بصمة تحمل هويتها المتفردة، وتعكس تفضيلاتها الفنية، بأسلوب يروي قصةً ذات مغزى. فعلى سبيل المثال، تجذبني شخصيات متألقة أمثال بينا باوش، وسيلفانا مانجانو، وإيزابيل أوبير.

 

فمن المؤكد بالنسبة لي عندما أرسم التصاميم، أن أحلم بالسيدة المنطلقة التي يمكنها التعبير عن آمالها ورغباتها. هكذا ابتكرت تشكيلاتي من الأزياء التي خصصتها لماريا لاي بعنوان ’فيلي لاي لاي‘، إضافة إلى إبداعات تستوحي من ليغازوسربيوس، وأنيماري شوارزنباش، وبادي ساليجيز، و أعمال ’ذا دريم أوف ليفينج‘، و’لوف وين هيتس يو‘، إلى جانب ’جوناري آند لويزادا‘، ’أميلي‘، إلينورا دي أروبريا، ورينا دو ليغورو، و’دول هاوس‘، وأتلستر سيسترز، وأوفيليا، وشارلوت سالومون، فضلاً عن كاميل كلوديل، وبلانكيتا سواريز، وباسكا ديفاديس، وغيرهم الكثير. فأنا أرغب بتسليط الضوء على السمات الشخصية والبدنية لكل سيدة، وأتعامل مع الرداء كمكان مثالي للحياة، وقطعة من الممتلكات، ومصدراً يبعث على الراحة والأمان بطريقة تتيح التعبير عن الذات والتواصل مع المشاعر بكل حريّة.

 

أنطونيو ماراس

 

E.A: من ارتدى تصاميم أنطونيو ماراس من المشاهير وهل تطمح للعمل مع أسماء محددة من عالم الشهرة؟

 

أ.م.: عملنا مع العديد من المشاهير، فعلى سبيل المثال قدّمنا تصاميم لكلّ من كيت بلانشيت وليدي غاغا وكارولينا كوركوفا، إضافة إلى باتريسيا كلاركسون وأليسون ويليامز ويارا شهيدي ومارتا بوزان، إلى جانب ليندسي فونسيكا وجانيل موناي وجنيفر بيلز وبريانكا تشوبرا ، ويجب أن لا ننسى الأسماء الإيطالية اللامعة من بينها جيبي كوسياري وليلا كوستا وهما ليستا مجرّد ممثّلتين، إذ تربطني بهما علاقة صداقة قويّة؛ فضلاً عن أسماء بارزة مثل كريستينا كابوتوندي وإيزابيلا روزيليني وروزيلا فيامينغو وآنا ديلو روسو وفيديدريكا فراكاسي ... أحبّ الشهيرات اللواتي يتمتّعن بشخصيّة قويّة مدعومة بإطلالة جذابة، وأحبّ كثيراً أن أشاهد الطريقة الخاصة التي يقمن فيها بارتداء الملابس.

 

 

E.A: ما هي المفاهيم التي تقف وراء تصاميمك الإبداعية؟

 

أ.م.: تمثّل جزيرة سردينيا محور أبحاثي، إذ تحتوي هذه الجزيرة الخلّابة على العديد من القصص والألوان والحرف والعناصر الأنيقة، فهي تشكّل مصدراً لا ينضب للإلهام، وذلك لأنها تعتبر واحدة من أكثر مناطق إيطاليا تنوّعاً: فيمكن لك تلمّس التأثيرات المتوسّطيّة والفينيقيّة والقرطاجيّة والبيزنطيّة والعربيّة والكتالونيّة والإسبانيّة والفرنسيّة، وتشكّل هذه العناصر مجتمعةً طبيعتنا نحن أبناء سردينيا، فقد أسهمت في تكوين لغتنا وأفكارنا وملابسنا. إن الرداء السرديني كان وما يزال مذهلاً بتنوّعه الاستثنائي وتميّزه بالعناصر اللونيّة والتزيينيّة والتركيبيّة ومعانيه التي تحاكي الهويّة الثقافية المتنوعة.

وتكاد الألبسة السردينيّة التقليديّة أن تنطق وتتحدّث، انطلاقاً من قدرة الأزياء والحليّ والتطريزات في التعبير عن البعد والعمق الاجتماعي للأفراد الذين يرتدونها، حيث تحافظ هذه الألبسة على ذكرياتهم وقيمهم العريقة وتنقل بأمانة حالاتهم الشعوريّة، فنجد غنى الحليّ بالمعاني الرمزيّة، إذ تقدم نماذج مجوهرات فيليجري، والأيقونات، وأقمشة الكتّان، والتفاصيل المطرّزة، والأشكال غير المتناظرة، والتنافرات، وتوليفات الأنسجة الرخيصة والثمينة المرصّعة حلولاً جديدة تساهم في الإبداعات المحليّة التي يندمج فيها التاريخيّ العريق مع المعاصر.

 

 

E.A: ما السر وراء نجاح العلامة في السوق الدولية؟

 

أ.م: لأنها تعبّر بصدق عن الذات الإنسانية، وتعكس الخلفية الحضارية المتأصلة من حيث الجودة والأسلوب والحرفية الإيطالية العريقة التي تقدّم خياراً مثالياً في مجال التغليف والإنتاج.

 

 

E.A: ما النصائح التي تقدمها للسيدة العصرية؟

 

أن تقوم بمزج القطع وتوليفها بأسلوب لا يخلو من المغامرة.

 

 

E.A: ما الذي يميز السيدة العربية عن نظيرتها الأوروبية؟

 

حب الاطلاع والرغبة في ارتداء الأزياء بطريقة ممتعة.

 

 

E.A: ما هي خططك المستقبلية، وأين يمكن للسيدة العربية أن تحصل على تصاميم أنطونيو ماراس؟

 

أ.م: تتوافر منتجاتنا في الوقت الحالي في السوق الإماراتية عبر متجر ’أنطونيو ماراس‘ في سيتي ووك 2 بدبي؛ ويمكن أيضاً شراء منتجاتنا في الكويت عبر متجر العلامة الكائن في مدينة الكويت؛ كما نتواجد في السوق السعودية ضن متجري ’الرباعيات‘ في جدة، و’ميموزا‘ في مدينة الخُبر؛ أما في قطر والبحرين، فيمكن الحصول على أزياء ’أنطونيو ماراس‘ لدى متجر ’51 إيست‘ في الدوحة؛ ومتجر ’جي بوتيك‘ في المنامة.

 

 

حاورته ميريانا عون 

المزيد
back to top button