خلال سعيها في صفحات التاريخ بحثاً عن أعمال التزيين والشكل المنظّم، استمدّت سبوري-زامبيتي مصممة دار الإلهام لمجموعة خريف شتاء 2017، من أول انطباع تتركه باريس على أي زائر: هي معجزة فارهة وغنية للهندسة المعمارية، حيث الماضي والحاضر يتعايشان في ظل النور الذهبي للثريّات وأنوار الشوارع.

يصبح التاريخ مرآة تعكس الحركات والشخصيات التي جعلت من باريس رمزاً للأناقة لعدة قرون، لكن أيضاً منارة أبدية تحدد وجهة مستقبلها. وكما في عالم الموضة والأزياء، من بلاط لويس الرابع عشر إلى فتيات "الغارسون" (garçonnes) المتحررات في حقبة العشرينات الصاخبة، ومن صعود مصممي الأزياء في الخمسينات إلى وفرة وغنى حقبة نابوليون الثالث، تأخذ بعين الاعتبار ثراء الماضي ونقاء صفحة بيضاء بانتظار الكتابة عليها من دون أي إحساس بالحنين.

 

 

تبرز امرأة بول كا المقتدرة والمثقفة، النشيطة والأنيقة، من الطابع العصري الذي تمت حياكته في جميع أقمشة هذه المجموعة التي تعيد ربط باريس بجذورها العميقة في الأناقة والرقي.

تمهّد البنية المنظّمة الطريق، وتظهر مع معاطف بطيّات دقيقة تلف وتغمر الجسم كاحتضان من أقمشة محسوسة ومترفة. يشكّل الأبيض الناصع قاعدة قوية يتطوّر منها التويد الكلاسيكي ومنسوجات من الصوف مع أنماط إلى قماش "شينيه" (chiné) فاخر بوجه مزدوج. وفي النهاية، وحدها الطيّة الحرّة وغير الرسمية للشال تثير هذه الاقتراحات المخادعة للنظر. أما ثراء المواد المصممة خصيصاً فيضفي لمسة عصرية إلى تصاميم كلاسيكية غير حقيقية: باريسية في جوهرها ولكن بالتأكيد مع التطلع إلى المستقبل.

 

التمكين هو المحطة الأخيرة في هذه الرحلة. باللعب على فكرة الاختباء على مرأى الجميع، يرتقي الجوهر الباريسي إلى مستوى أي مناسبة. مع تمايلها أمام العيون، تردد منحنيات دانتيل "شانتيي" (Chantilly) صورة جدائل للتزيين في الهندسة المعمارية من الحقبة النابوليونية. ومن خلال استخدام نمط الثنايا الضيّقة (plissé)، تتحوّل التصاميم التراثية إلى شرائح غرافيكية، وتتطاير لتكشف عن إدخال مواد غير عادية. وتتألق أقمشة اللوريكس المحبوكة. توفّر شراريب دقيقة الحركة لجاكار برّاق، مرددة الصدى المرح للريش الذي تم مزجه مع الخيوط المعدنية للدانتيل. مع طلاء الحواف بالذهب أو اللمعان في كل حركة، تندمج هذه اللمسة الواضحة على الأشياء غير المرئية مع كامل خزانة أزياء اليوم.

 

تظهر الأنوثة على الفور بعد ذلك، مع تخلّي السيدّة عن معطفها لتكشف عن نفسها كنقيض أكثر رقّة ونعومة لبنية التصميم المنظّم. تطلق اللانجيري، وهي فنٌّ بنفس قدر كونها حرفة، حواراً مع التاريخ من خلال إعادة النظر في رؤيتها للشكل الأنثوي. استُخدم المشدّ (corset) في الماضي لتقييد وتماسك الجسم، والآن أصبح مرحاً وموفّراً لحرية الحركة مع مواد تقنية. تم تسليط الضوء على البنية المنظّمة من خلال الطبيعة الأساسية لتشكيلة الألوان، في إشارة إلى عملية تركيبها التي استبقت ظهورها. يلتقي الطابع المستقبلي للنيوبيرين المسكوب في قوالب مع لمعان المخمل على أحذية متساوية بشكل صارم: تلتقي الرومانسية مع الحد الأدنى في التصميم ويتحوّل كلاهما إلى راحة عالية.

 

لكي تعكس الهوية متعددة الأوجه لامرأة بول كا، تم إتقان الأكسسوارات التي ترافق المجموعة من جلد عالي اللمعان وحائز على براءة اختراع. ترقص معادن منصهرة إلى جانب جلد ثعبان البايتون وجلود أحذية برأس دقيق وناعم، كعوب كمرآة تبرق مع كل خطوة. تشير هذه العناصر العاكسة إلى هذه الأداة الأساسية للتجميل، سواء كانت على الأحذية المسكّرة بكعب مسطّح (flat pumps)، متدلية من أقراط للأذن، محمولة في حقائب أو ملتفة حول العنق. هنا وهناك، يصبح بريق الضوء المنعكس لمسة تكشف عن تفاصيل معقّدة ترمز إلى التراث.

 

الدرس المكتسب صار واضحاً: الماضي والمستقبل هما على حد سواء في خدمة الأناقة، وامرأة بول كا هي من يحتضنها.

 

 

المزيد
back to top button