من أجل إطلاق عطره الأوّل Alaïa Eau de Parfum، نلتقي الرجل الكامن خلف إمبراطوريّة الموضة، من خلال عينيْ صديقته الصحافية آني كوهن-سولال.
إذا مررتِ في ليلة من الليالي خلال عطلتك في وسط باريس حين تكون المدينة نائمة، خذي مسلك مبنى بلدية باريس واعبري المتاهة في الشوارع الصغيرة. هناك، قد تفاجئين برؤية أنوار مضاءة أو قد تتلقّين أيضاً موجات آتية من النجم الذي يختبئ بالقرب منك. هناك، يعمل محترف، ليلاً نهاراً، صيفاً شتاءً، أيّام العطل كما أيّام العمل، احتفالاً بالجمال.
لا ينام عز الدين علايا سوى ثلاث أو أربع ساعات كلّ ليلة. هو لا يشبه غيره من مصمّمي الأزياء و يقول: "في الكوتور، إنّ ما يهمّني قبل أيّ شيء آخر هو القَصّة". "في معهد الفنون الجميلة، في صفوف النحت، يعلّموننا أن ندور حول النموذج ويجب على الدوام أن ندور حول النموذج". لكن، لا تظنّين أنّ مبتكر خارق ينعزل في برجه العاجي فهنا أيضاً تُخطئين لأنّ عز الدين علايا هو قبل كلّ شيء رجل تواصل ومبادلات وتقوم مهنته بكاملها على قائمة طويلة من اللقاءات.
هل رأيتِ فستانه المزوّد بسحّاب يدور حول جسم المرأة ويلفّها على شكل حلزون رائع؟ هل فكّرتِ كيف توصّل إلى هذا الاكتشاف؟ لا يتأخّر في الإجابة: "لقد انذهلت بالممثلة أرلتي في فيلم Hôtel du Nord. أعجبني صوتها بالتأكيد ولكن أيضاً طريقتها في ارتداء الملابس. كانت تجسّد المرأة الشعبيّة وسيّدة الشارع وكان ينبعث منها شيء من العصريّة في الوقت عينه. ارتدت في الفيلم فستاناً له سحّاب وحين فتحته، قامت بحركة أثارت اهتمامي. من تلك الحركة طوّرت فكرة ذاك الفستان الذي يصبح مسطّحاً تماماً وهو مفتوح. ثمّ ذهبت للاستماع إليها مع فريديريك سوميغلي في مسرح Renaissance حيث كانت تؤدّي دوراً". كان ذلك في الستينيّات، بعد وقت قليل على وصول الشاب التونسي إلى باريس. وقعت أرليتي على الفور تحت تأثير الشاب الخارق. وقد شرحت الممثّلة: "كانت المسألة وكأنّني سكنت في عالمه... وكأنّه سكن في عالمي. أهدى لي معطفاً جميلاً ومنذ ذاك الحين ما عادوا يكلّمونني سوى عن معطفي".
للسينما أكبر تأثير على عمل علايا. ويخبر: "في تونس، حين كنت صغيراً، كنت أذهب إلى السينما مرة في الأسبوع لأرى أفلاماً فرنسيّة عن فرساي وانذهلت بنساء مثل مدام دو باري أو خصوصاً مدام دو بومبادور. هكذا تعرّفت جيداً إلى فرساي وكانت عندي فكرة ثابتة هي باريس". سارت روائع قصر فرساي في مخيّلة ولد متلهّف من تونس وأدّت بالمبدع إلى أن يترك لها أثراً في ابتكاراته الأخيرة أيضاً، ابتكارات القرن الواحد والعشرين
لكنّ ذلك لا يلخّص شغفه بالكامل لأنّ روائع علايا تنتقل من بلد لآخر ومن حقبة لأخرى. وقد قال لي يوماً وهو يعلّق على فيديو من أحد عروضه القديمة: "هل رأيت تلك القطبة الحمراء التي تلمع على خصر ذاك الفستان المصنوع من الموسلين؟ لقد خطرت ببالي تلك الفكرة وأنا أشاهد Citizen Kane. أعجبتني Rosebud، تلك الصورة التي تجسّد الثلج في كرة من الزجاج. فهي تتبعثر حين نحرّكها ثمّ تعود لتسقط بهدوء. عندئذٍ، قرّرت أن أراكم طبقات الموسلين وقد أدخلت إليها بودرة الفضّة المتحرّكة فحين يُلبس الفستان تنتشر حول الخصر!".
ظهر شغفه حيال جمع التحف الفنية في وقت مبكر .على مرّ السنين، تبع علايا صيده للتحف الاستثنائية وجمع أغراضاً شكّلت العديد من المجموعات الحصرية في الرسم والنحت والفنّ الأفريقي والموضة والتصميم والكتب القديمة وغيرها. بالتالي ليس مستغرباً أن نجد في ابتكاراته تأثيرات للوحات رسمها كبار المعلّمين. أليس هناك تلميح إلى ديغا أيضاً، ولكن بشكل خفيّ أكثر، في الملوّنات التي اختارها في تلك السنوات: الزهريّ الهادئ، الأخضر اللوزي، الأزرق الفيروزي، الأمغر البنّي، الرمادي...
معه، كلّ شيء يدور حول الحدس. وفي ابتكاراته كلّ شيء يبدأ مع الموادّ. كلّه يلمع تحت أنامله! "جاءت فكرة بزّة السموكينغ السوداء هذه المصنوعة من جلد التمساح والمزوّدة بذيل وأنا ذاهب إلى متجر لبيع الجلود في ضاحية باريسيّة. لمست الجلود، طلبت معالجتها بطريقة مختلفة لتصبح أنعم، ثمّ رأيت ظهر ذاك التمساح الذي لا يستعمله أحد وجاءت فكرة ابتكار البزّة المزوّدة بذيل".
لكنّ اسم علايا هو أيضاً عائلة كبيرة فإنّ العارضات اللاّتي اكتشفهنّ يعدنَ دوماً لرؤيته ويتذكّرنَ كرمه الأسطوريّ. لقد صرنَ يثقنَ به فهو بالنسبة إليهنّ شقيق كبير أو معلّم يعاملنه بكثير من الاحترام. ومن بينهنّ ستيفاني سايمور، ليندا إفانجيليستا، إيمان، نعومي كامبل، فريدة خلفة، وهنّ بالفعل جزء من عائلته. كلّ يوم، ومن أجل تناول الفطور، يجتمع فريق "السيّد علايا" حول مائدة مستطيلة ، وذلك في مطبخ الطبقة الأرضية في منزله حيث المصنع أيضاً. ومن أكثرها تقرّباً منه هناك كارلا سوزاني، واحدة من كبار الذوّاقة في العالم أسّست منذ عشرين عاماً Corso Como، متجره في ميلانو. إنّها سيّدة شقراء جميلة ومشرقة – حسّاسة للغاية أو قوية للغاية؟ - تتحلّى بأناقة خالدة. يبدو أنّه يصعب عليها التحدّث عن علايا فإنّ الروابط بينهما عميقة للغاية. فتقول بكل بساطة: "نحن نحب بعضنا. نعرف بعضنا منذ أواخر السبعينيات. كنت أعمل لدى Vogue في إيطاليا وأسمع الناس يحدّثونني عن ذاك السيّد الذي يصنع الروائع مع الجلد في باريس. ذهبت لرؤيته في شارع Bellechasse حيث أخذ لي قياس فستان من الجيرسيه. كان هناك مع شريط القياس وقد أخذ قياسي بنفسه وراح يقول "صدر... حسناً، خصر... حسناً، أوراك، رائع! لك أوراك نساء البحر الأبيض المتوسّط!" وعلى الفور أحببت ذاك الجانب العفوي فيه!". حين رأيت كارلا سوزاني وعز الدين علايا يلتقيان ويتبادلان القبل عرفت مدى عمق الشراكة الطويلة بينهما والحميمية القائمة على الثقة. وتكمل كارلا بكلمات رصينة: "حين رأيت ذاك الكنز الحيّ... ليلة بعد ليلة، عمل على سترة سوداء، كانت هي نفسها على الدوام فراح يعدّلها باستمرار. جلست وتأمّلته وقلت في نفسي إنّه لا يبتكر البتّة أموراً عاديّة. هو ينحت جسم المرأة ويقيم معها علاقة خاصة جداً ويجدها جميلة ويجعلها جميلة ويمنحها الثقة بجسدها فترى بدورها نفسها جميلة وتقوم بكثير من الأمور في العالم.
يُكمل علايا مسيرته من دون أسف بين العمل في المحترف والاكتشافات على الأرض، وهو في بحث دائم عن تحدّيات جديدة من بينها ابتكار مؤسسة تحمل اسمه.
حين نرى أعماله في القرن الواحد والعشرين نجد تراكمات لافتة مثل المزيج بين الصدرية والتنّورة القصيرة المصنوعة من زردات المعدن والجلد الأسود وذاك الفستان المخملي الذي يبدو خارجاً من لوحة. ونقول إنّ هذا الفنّان الخالد هو واحد من معدّي القرن الواحد والعشرين وهو حرفيّ شامل يأتي من العصور القديمة.
آني كوهن-سولال
مربّع
العطر
"أريد رائحة باردة على الجير الحامي"، هذا هو الملخّص الذي قدّمه عز الدين علايا إلى ماري سالامانيي... وقد أنتجت مزيجاً بارداً مبتكرةً مفاجأةً عطريّة. إنّها سيّدة شابّة ومتحمّسة، خبيرة في عالم العطور، تقدّم بفعل حدسها القويّ تركيبة جميلة عن ذاك الإحساس: "نكهاته منعشة ومائيّة ومعدنيّة. لقد ابتكرت التناغم من خلال رشّات متتالية في يوم واحد ثمّ أدركت أنّه لا بدّ من العمل عليه على أساس المنير والمعتم. هكذا، أضفت إليه جزءاً حيوانياً من خلال إحاطته بالمسك". ومن بين العديد من المشاريع المقترحة على عز الدين علايا، لفت انتباهه عمل ماري. تركيبة لا تشبه غيرها. بدايةً مع الفلفل الزهري ثمّ الفريزا وعود الصليب وختاماً المسك. إنّه عصير شبيه بتصاميم علايا تماماً مثل القارورة التي عمل عليها المصمّم مارتن زيكيلي. جسم من الزجاج الأسود نصف الشفّاف، مزيّن من المقدّمة ومن الخلف برمز علايا المخرّم الذي ظهر بدايةً على كورسيه الجلد أيام الثمانينيّات. ومن أجل إقامة تناقض جميل مع القارورة، جاء الغطاء عبارة عن بكرة من خيط الذهب هي تكريم لعمل الحرفيّ علايا.
"إنّه ليس عطراً، لكنّه ماء العطر"، كما يشدّد عز الدين علايا. "لأنّ التعطّر هو كإنعاش الذات، حركة طبيعيّة".