وسيلة تامزالي: من المرأة إلى الإنسان العربي

جزائرية الهوى والهوية، كاتبة ترجمت من الفرنسية الى الكثير من اللغات، رائدة في الدفاع عن حقوق المرأة على صعيد المنطقة العربية والعالم، تشكل وسيلة تامزالي رمزاً مهماً في ثقافات حوض المتوسط، الغربية منها والشرقية. حوار في العمق مع امرأة فكر والتزام.

"كلما أتذكر بيروت، تأتيني صورة تلك السيدة التي كانت دوماً تلبس الأسود. كانت طويلة القامة، رصينة، تعمل بكد وجهد من أجل تحسين وضع المرأة ومن أجل حقوق الناس كلهم. إنها لور مغيزل"، تقول وسيلة بحنين وشوق إلى أيام لور وزوجها، المناضلَين من أجل مجتمع انساني أفضل. كان ذلك قبل الحرب التي اجتاحت لبنان. ها هي الكاتبة والمناضلة النسوية ومسؤولة اليونسكو تعود إلينا اليوم، الى معرض الكتاب الفرنسي ومهرجان طرابلس الدولي للسينما ٢٠١٣. 

 

لماذا العودة الآن؟ هل أن الغاية تبرر الوسيلة؟ أحب لبنان، وأكثر ما أحب فيه هو أن أقليات المنطقة، دينية كانت أو إتنية، تجد فيه موطناً لها وتجد نفسها فيه على درجة مهمة من المواطنة. إنه بلد فريد من نوعه». و من دون مقدمات ومجاملات، تأخذني الكاتبة إلى صلب الموضوع: «إن أهم ما علينا ان نعمل عليه الآن هو موضوع الجذب الذي يأتي من الجماعات تجاه الفرد. وكأنها عودة طغيان المجموعة على عقل وفكر الإنسان، بعد ان كان هذا العقل تحرر من كثيرٍ من مخلفات الماضي وبالأخص طغيان الذكورية. بعد تراجع الايديولوجيات، ظهرت إلى العلن وبقوة تلك المجموعات الدينية والإتنية التي تشكل ملجأً للفرد. يعني هذا أن الإنسان يصل إلى حقوقه من ضمن حقوق الجماعة التي ينتسب اليها. وبالتالي، فلا حقوق خارج هذه المنظومة».

وتسترسل وسيلة في شرح كيف ان الدين استُعمل في السياسة، إن في الجزائر او في باقي البلدان، في سبيل إرضاء البعض، ومن اجل تأمين البقاء في السلطة وفي النفوذ. من يدفع ثمن سياسة إخضاع الفرد لتفسير واحد للدين أو للقيم؟» بالطبع الفئات الضعيفة، وفي طليعتها النساء». وتروح تخبر القصة الخرافية لذلك الوزير الذي أتى إلى الملك مهرولاً قائلاً له أن الناس على باب القصر محتشدون متظاهرون، يطالبون بالحرية، فإذ بالملك يقول لوزيره:"فلنعطهم كامل السلطة على نسائهم!». 

ينتقل الحديث مع هذه المثقفة من الدين إلى السينما، فإلى السياسة وعلم الإجتماع. عن ثورات العرب تقول:«في تونس، وبدرجة أقل في مصر، هناك ما يبشر بالخير. يقول مثلٌ عندنا انك لا تستطيع إدخال الصوص مجدداً في البيضة بعد أن يكسرها ويخرج منها. لقد خرج الشباب العربي من البيضة. هناك مشاكل؟ بالطبع. هناك وضع يد على الثورات وتوظيف لها، دون أدنى شك. لكن ما هو مشجع أن لا عودة ممكنة إلى الوراء. الناس يفتشون عن حقوقهم وسيجدون الوسيلة للوصول إلى مبتغاهم».  

 

وماذا عن مفهوم الثقافة والإنتماء وهل يتضارب مع مفهوم آخر عزيز على قلبك وهو الحرية؟ «بالطبع لا. هناك كلام جميل جداً لميشال فوكو يقول فيه أن أصلنا لا يحددنا، لكنه يشكل نقطة انطلاق. أنا انطلق من كوني وسيلة تامزالي ولدت في الجزائر في زمن ما ولي تاريخ وبيئة وثقافة. يشكل ذلك كله المنصة التي عليها أبني ومنها أطير نحو آفاق الحياة، غير مقيدة. هكذا افهم جذوري وتراثي».

ونعود إلى أسباب تراجع الفكر في مجتمعاتنا العربية، بالرغم من ان وسيلة ليست متشائمة بل، وعلى العكس، تعطينا مئات الأمثال عن شبان وشابات يناضلون في كل المجتمعات، ما لم يكن ممكناً في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. لكن السبب الرئيسي في عدم تقدمنا نحو التحرر المنشود هو تلك الشيزوفرانيا الإجتماعية، أو الإنفصام الذي نعيشه في السياسة وفي الحياة اليومية.
«كثيرون من الناس الماركسيين الذين تعرفت اليهم كانوا متحررين في الصالونات وشديدي التحفظ إلى حد التزمت في البيت. وتسمع احاديث وخطابات في الديموقراطية من مسؤولين لا يمتون بصلة الى الديموقراطية. المشكلة هي مرضية ومزمنة ومنتشرة. عند كثيرين منا اكثر من "أنا". في واحد من كتبي انتقدت الحكم والأسلوب في التعاطي مع قضايا الناس، ولقد هنأني الرئيس الجزائري وابلغني سروره بقراءة الكتاب. كثير من المسؤولين الذين توجهت بانتقاداتي إلى طرق تعاملهم مع الشعب، هنؤوني أيضاً على ما كتبت ضدهم! كيف نفسر ذلك؟ إن المسؤول عنده، دون ادنى شك، أكثر من "أنا" واحدة، لذا يعتبر ان كل ما كتبته لم يكن موجهاً ضد "انا"  السلطة!».

وإذ بوسيلة تطلق مشروع مداواة المجتمع من مرض الإنفصام المانع لتقدمه، مذكِّرة بأنه علينا الإنتباه إلى كثير من الأمور وأن نكون واضحين. «إن استعمال مصطلحات ووسائل تتناقض مع مصطلحات ووسائل التقدم لا يفيد بشيء، بل على العكس، يصب ذلك في نهاية المحصّلة في صالح من هو ضد التقدم».

وينتهي الحديث الشيّق مع وسيلة بهذه القصة المعبّرة: «في مستشفى للأمراض العقلية، كان هناك طبيب نفسي يعالج مريضاً يعتقد أنه ليس انساناً بل حبة قمح. بعد مرور فترة على العلاج، يتعافى المريض الذي بدأ يفهم بأنه إنسان. يسر الطبيب ويقول لمريضه أن باستطاعته مغادرة المستشفى الآن، لكن المريض يرفض ويقول له بأنه ليس المهم أن يعتقد هو بأنه ليس حبة قمح، المهم أن تعتقد الدجاجة بذلك!»

 
المزيد
back to top button