اللقاء مع هذا المبدع لا يدخل في أي إطار. هل اني أجري مقابلة مع كاتب له مؤلفات عدة في اللغة الأفغانية و كتاب حديث وشهير بالفرنسية نال جائزة غونكور؟ أو أني في حوارٍ مع سينمائي له عدة افلام آخرها "حجر الصبر" الذي يفتتح مهرجان طرابلس الدولي للسينما 2013؟
يجيبني عتيق رحيمي، الأديب المخرج الأفغاني الفرنسي: "مثل كل المنفيين، أشعر بأني أفغاني في فرنسا، وفرنسي في أفغانستان، سينمائي عندما أكتب وكاتب عندما أُخرِج"!
وها إني أشعر أنا بهذا العتيق لبنانياً أيام الثمانينات وسورياً معاصراً عندما يتناول موضوعة الحرب والسطو وظهور المجموعات الجديدة المدججة بالسلاح، عربياً في سرده لقصة امرأة مسلمة لا تفارق زوجها الممدد قربها جريحاً لا يتحرك، انسانياً وعالمياً عندما يخوض في ترددات الروح وتساؤلات امرأة، أي امرأة كانت في أي ثقافة، تصل إلى تقاطع الطرق حيث عليها أن تختار ما بين اوتوستراد التقليد الذي تسلكه عامة الناس، والدرب الشاق الذي يؤدي إلى الإنعتاق والحرية.
بقبعته السوداء المتجانسة مع لون شاربيه، وبلعبة عينيه التي لا تخفيها النظارات، وبابتسامة تتردد ما بين المد والجزر، يستحوذ رحيمي على من يقابله فارضاً صورة لممثل شاب يخرج للتو من سيناريو لفيلم مكسيكي. يتكلم الفرنسية بلكنة فيها ما فيها من نكهة افغانية وشرقٍ لا يستحي بحاله.
"كتبت سينغيه صابور أو حجر الصبر، وانا افكر بتلك الشاعرة الأفغانية الشابة التي قتلها زوجها بدفع من أمه. إن الذكورية المفرطة والمستفحلة ليست وقفاً على الرجال، إنها مصيبة مجتمع بأسره، بنسائه ورجاله. أردت ان أستوحي من هذه الواقعة فتخيلت امرأة تقليدية يعود اليها زوجها جريحاً لا يتحرك ولا ينطق، يقبع معها وكأنه المجتمع الذكوري الذي يصبح فجأة في عجز وتصبح هي في موقع القوة. كيف ستتصرف الزوجة في هذا الواقع المستجد؟ هل تنتقم لسنوات من القهر؟ هل تترك هذا الزوج الذي لا يعطي أي إشارة بأنه حي إلا بتنفسه؟ هل تتحرر من استعلاء من لم يكترث لأنوثتها ولا حتى لوجودها؟ لا. ستتعامل معه بكل الحب الذي طالما حلمت بأن يعطيها نثرات منه. بكل الإهتمام الذي لم تسنح لها الظروف ان تظهره هي له لأنه كان دائم الغياب، مجاهداً مكافحاً في ساحات الوغى. سيصبح هو حجر صبرها الطويل، وستخبره ما لم تستطع ان تقول له يوماً. لا بل أكثر من ذلك، ستقص عليه كل استيهاماتها، وتخبره بتفاصيل لقصص ربما نسجها خيالها، ربما حاكها الواقع. وتغوص في سردها ليوميات حميمة تقيم غيرة الرجال حتى ولو كانوا امواتاً! إلى أن يتحقق مبتغاها بفضل مثابرتها، ويستفيق رجلها من سباته العميق".
كانت تلك الإمرأة تردد على مسامع الرجل الممدد الحي الميت أن البوح بسرّها الدفين سيجعله يستيقظ يوماً من غيبوبته. إنها مقدرة اللغة الشفهية مع كل ما تزخر به من صور وتخيلات، على اجتراح المعجزات.
وإنها أيضاً مقدرة السينمائي ان يكون اديباً وشاعراً يخرج لنا واحداً من أجمل الأفلام. شكراً عتيق رحيمي.