تواعدت مع اعضاء هذه الفرقة الموسيقية في مقهى، في الحمراء، حيث يقضون معظم أيامهم، يعزفون موسيقاهم، ويتحدّثون في واقعهم. كنت قد رأيتهم عن بعد في حفلة إطلاق أسطوانتهم الجديدة في مترو المدينة قبل بضعة أيّام. لم أجدهم مختلفين في وضح النهار، فهم تحدّثوا إليّ بنفس الطاقة الجيّاشة التي شهدتها على المسرح، ولكنّ هنا دون آلاتهم. فجائت الكلمات نوتات، والأفكار مقطوعات موسيقيّة زاخمة. أقدّم لكم: خالد عمران، طارق خُلُقي وداني شكري، ثلاثيّ فرقة "طنجرة ضغط" السوريّة.
جمعت الشباب الثلاثة نيّة البحث عن صوت، الصوت الجديد المترفّع عن واقع ضاغط ومقرف، صوت ينعكس ضوءاً وأملاً، صوت ينير الطريق الى الحقيقة.
وأيّ حقيقة يا شباب؟
يُكمل الواحد جملة الآخر، فهم كما يكمّلون بعضهم البعض موسيقيّاً وباحتراف الباص والغناء (خالد) والغيتار والغناء ايضاً (طارق) والدرامز (داني) في فرقة الروك التي أسّسوها منذ 2011 في لبنان بعد قدومهم من سوريّا، يجتمعون ويُجمعون على وعيهم لحياة أخرى غير المعلّبة وغير الملقّنة، حيث لا مهابة من الكبير الضاغط، ولا خوف من "البُعبُع" الذي يرصدنا في ادنى درجات الرفض لأحوال غير طبيعيّة، وصدّ كلّ من اعتبرها خلاف ذلك.
أمّا الطريق الى ذلك فهي عبر الآلات التي تترجم ما يدور في بال الشباب، والنوتة التي ترفعهم وجمهورهم درجات فوق مستنقع الواقع، الى عالمٍ، وحدة القياس فيه هو الشخص بحدّ ذاته، الأنا، وتواصله مع المجموعة في المحيط الأقرب والأبعد بالتواتر، فتتسع حدودها ويصبح التواصل نقيّاّ، نغماّ، صوتاّ، روحانيّةً وجوهراّ.
تحتفل الآن "طنجرة ضغط" بإطلاق مولودها الأول بحسب وصف عمران بعدما تمخّضت الفرقة لحوالي السنة فكانت النتيجة سي دي بعنوان 180 درجة يحوي 9 مقطوعات عكست تأثّر الفرقة بأساليب موسيقيّة عدّة كالجاز، والروك، والبانك، والموسيقى الكلاسيكيّة على حدٍّ سواء.
لماذا 180 درجة، وليس 360 درجة مثلاً، كالدائرة، الشكل الهندسيّ الرمزي لاحتواء الطاقة؟
180 درجة معناها النقلة النوعيّة التي حقّقناها في هذا السي دي، وبفضل المنتج والموسيقي رائد الخازن (فرقة رائد الخازن تريو) الذي أتى إلينا بنظرة المحترف والمرشد الذي يرى الأمور عن بُعد فيساعد في تحديدها وتشذيبها. وهو أمر ليس باستطاعتنا نحن أن نقوم به إذ أننا متورّطين جدّاً في موسيقانا، مما يُفقدنا هذا البعد الموضوعي لإبداعنا.
طيّب، وطنجرة ضغط، هل هي التي تطبخ محتواها جيّداُ فينضج، أو أنها التي تنفجر بوجه الطاهي؟
لا. لا انفجار. عندك تنفيسة طنجرة الضغط (وهنا يلوح خالد بأصبعه بحركة دائريّة معيداً حركة صفّارة الطنجرة التي تنطلق بفعل البخار المضغوط). طنجرتنا هي التي تضغط المحتوى، تطبخه، تُنضجه جيّداً لكي تُطعم من بعد ذلك، ولائم طيّبة.
قد يظنّ الشخص أن علّة وجود الفرقة هي الأزمة السوريّة، وقد تكون نضاليّة تحاكي الثورة وجمهورها. يرفض أعضاء الفرقة هذا التحديد، فهم يرون أن تجربتهن تتعدّى العالم السوري والعربيّ أيضاّ، لتطال كلّ من أراد تغيير واقعه نحو الأفضل. والأفضل يمكن أن يكون مساهمتهم في إيجاد البديل عمّا هو سائد، إن كان في الموسيقى أو فيما هو أبعد من ذلك.
نحن لسنا فرقة نخبويّة، ولا underground قابعين في وكرنا. نحن شعبيّون. ونودّ أن نكون الخيار الآخر أمام الشباب والجمهور لموسيقى مغايرة عمّا نسمعه اليوم من انتاج تجاري بحت، وأنماط موسيقيّة تخضع للشروط التسويقيّة.
ضغط، تنفسية، بديل، لا تخاف، رماديّ... عناوين للمقطوعات السي دي، ليست إلّا تعبيرٍ موسيقيٍّ عمّا في داخل الثلاثي في تجربة أولى من الأكيد في كلامهم والواضح على وجوههم، أنّها لن تكون طفلاً وحيداً.
توجّهت الى مقابلة الفرقة وفي بالي أنّها فرقة أخرى تلعب لعبة الإنتاج الجيّد، والموسيقى "الثورجيّة" التي تتماشى وعناوين الأخبار في زمننا العربيّ الراهن، فرجعت وفي ذهني انطباع عن شباب عربيّ حقيقيّ يبحث عن واقع مغاير، هو أرقى إنسانيّاً ممّا يعيشوه، يمكن أن يغنّوا فيه موسيقى تتكلّم عن الحبّ والروح والإنسان. دون ضغط.
بعد صدور أوّل سي دي لفرقة الروك السوريّة "طنجرة ضغط" بعنوان "180 درجة"، تنتج الفرقة أوّل فيديو كليب لها لأغنية "تحت الضغط". يصدر الفيديو كليب في 5 يوليو/ تموز 2013. إخراج: روبير كريمون/ سينوغرافيا: مارتن ضاهر/ تصوّر: جنى صالح/ مكان التصوير: لبنان.
أمّا ELLE عربيّة فقد حصلت على مشاهد حصريّة لموقعها. إضغطي على المربّع لمشاهدتها.