واقع العنف الطلابي في مدارس الإمارات

في السابق كان ينحصر العنف الطلابي على إلحاق الأذى النفسي كالسخرية والاستهزاء وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة، وغيرها من الأساليب والمشاحنات التي لا تتعدى الضرب واستخدام اليد، واليوم تطور واقع العنف إلى استخدام لغة الأيدي. 

 

حول واقع العنف الطلابي في مدارس الإمارات، يقول الأخصائي الاجتماعي هيثم هيكل من مدرسة آل مكتوم للتعليم الأساسي للبنين، أن العنف الطلابي لم يصل إلى ذلك العنف المتعارف عليه خارج المدرسة، فالعنف يتلخص بنوع من التضارب بالألفاظ وتشاجر خفيف بين الطلاب، بعيداً عن العنف المسبب للأذى الجسدي. ومن واقع خبرته يحدد المراحل العمرية لعنف الطلاب، ويقول: " العنف يختلف على حسب المراحل العمرية للطلبة، في المرحلة الابتدائية يتلخص في المناوشات وذكر الألقاب اللاذعة التي تولد نوع خفيف من التشاجر، أما في المرحلة الإعدادية يكون الشِجار اللفظي أكثر حدة، أما في المرحلة الثانوية وهي الأخطر وتتمثل في المشاحنات اللفظية والجسدية وتكون في الغالب خارج المدرسة".

 

يقول هيكل أن العنف يكثر في المدارس الخاصة لعدة أسباب، يحددها: " المدارس الخاصة تشهد اكتظاظ في عدد الطلبة، ما يؤدي إلى التهاون في معيار الرقابة الطلابية، عدا عن سياسة بعض المدارس الخاصة التي تسعى إلى جذب أكبر عدد من الطلاب بغض النظر عن سلوكياتهم، وبالتالي يؤدي إلى خلق نوع من السلوك العدواني في ضوء ضعف الرقابة. من هنا نسعى في تشديد الرقابة على الطلاب في مداخل المدرسة وعند الساحات الرياضية وفي المقاصف تفادياً لحصول شجار بين الطلبة، من خلال توفير مدرسين متناوبين على الرقابة اليومية من هنا يتعود الطالب على الرقابة، بعدها يبدأ الطالب يتعود على ذلك بأن يعيش يومه الدراسي بعيداً عن المشاكل. والرقابة الطلابية المشددة ساعدت على التخفيف من العنف والمشاكل الطلابية بنسبة 90%".

 

ويتحدث هيثم عن أهمية "لائحة السلوك" في السيطرة على معدل العنف الطلابي، ويقول: " هي لائحة منظمة لضبط سلوكيات الطلاب داخل المدرسة، حيث يوجد لائحة ثواب وعقاب، على حسب درجة العداء الصادرة من الطالب، في البداية نوجه له تنبيه شفوي، وبعدها تنبيه خطي، وإنذار أول وثاني وثالث، وإذا تمادى الطالب تجتمع اللجنة التربوية المكونة من المدير والأخصائي والوكيل ومعلم الفصل، لاتخاذ الإجراء اللازم ويرفع مذكرته للمنطقة التعليمية لاتخاذ اللازم، وفي كل مره نستدعي ولي أمره".

 

الفجوة المدرسية

من جانبه يشير الأخصائي التربوي أشرف مكرم، أن الدقائق القليلة التي تفصل بين الحصص المدرسة والتي لا تتجاوز مدتها الخمسة دقائق، لها تأثير على الطالب وما قد يقع فيه من عنف. ويقول: " هذه الفترة تسمح لاحتكاك الطلاب ، وأيضاً فترة الفسحة وأثناء الخروج بعد الدوام وعند الدخول صباحاً، من هنا نعمل على تعزيز المراقبة في المداخل من قبل المدرسيين المناوبين بشكل يومي على الساحات وعند الحمامات والمداخل، فالفجوة التي تحدث أيام الدراسة هي التي تولد العنف، وولي الأمر له دور كبير في تعريف ابنه على الصواب والخطأ من خلال المتابعة مع المدرسة وتتبع مستوى تحصيله التعليمي، فالطالب الذي يحس باهتمام ولي الأمر، تخف لديه حدة العنف. أما المهمل من قبل ولي أمره يتولد لديه العنف، وبعد ولي الأمر يأتي دور المدرسة، ودور الوزارة على وجه العموم".

 

ويشير مكرم أن العنف الطلابي يكثر في المرحلة الإعدادية التي تفصل بين المرحلة الابتدائية وهي مرحلة الطفولة والدخول في مرحلة المراهقة، ويقول: " في المرحلة الابتدائية يعتاد الطالب على تلقي التعليم من المعلمة وينتقل للإعدادية ليرى أمامه أستاذ، عدا عن ذلك يكون الطالب مشوش من حيث التغير الهرموني في بنيته فيحتار كيف يتصرف كطفل أم رجل؟، من هنا نلاحظ التصرف العشوائي والغير منضبط لبعض الطلبة في هذه المرحلة".

 

 

 

بشهادة أولياء الأمور

تواجه أم الطالب خليفة محمد في الصف الأول الابتدائي، مشكلة حركة ابنها الزائدة في الفصل، واحتكاكه بزملائه في مراحل عمرية متقدمة، وتقول: " ابني مشاغب ويتحرك كثيراً في المدرسة ودائماً يتدخل بشؤون الأكبر منه، ويحتك بهم وخاصة في فترة الفسحة المدرسية وأثناء جلوسه بحافلة المدرسة، لقد استلمت مرات عده رسائل شكوى من معلميه في المدرسة، ولهذا أنا خائفة عليه في أن ينفعل أحد زملائه الأكبر منه ويضربونه وخاصة بعد الأخبار التي سمعتها مؤخراً عن حوادث العنف بين طلاب المدارس". تشير أم خليفة أن ابنها متفوق دراسياً وحاولت استخدام طرق التحفيز والتهديد من أجل التخفيف من حدة الشغب التي تلازم ابنها لكن دون جدوى.

 

من جانبه، يحدثنا حسن المعلم، عن حادثة ضرب ابنه مؤخراً في المدرسة، قائلاً: " قبل أيام اتصلت إدارة مدرسة ابني ( حمد) ، يخبرونني بأن ابني تعرض للضرب من قبل طالب في الصف الرابع ، ما أدى إلى بعض الإصابات الطفيفة في رأسه، وقد تم معالجته في العيادة المدرسية وهو الآن بصحة جيدة، وحين عاد ابني إلى المنزل لم يخبرنا بشيء وحاولنا استدراجه بالحديث حتى يعترف بالحقيقة، وفي النهاية أفشى ما في داخلة وقال إن زميل له في المدرسة ذو جثة ضخمة اصطدم به عن طريق الخطأ، وفي الحقيقة إدارة المدرسة أخبرتني أن سبب المشكلة لم يكن كذلك".

 

يرى سامر البحري والد ثلاثة طلبة في مراحل تعليم مختلفة، أن حالات العنف الطلابي في تزايد ملحوظ، ويقول: " لم نكن في السابق نسمع عن العنف الطلابي والمشاكل التي تحدث بين الطلاب ، فحادثة الطفلة " لجين" التي حدثت مؤخراً في إمارة أبوظبي، جعلتني أتخوف على أبنائي في المدرسة، وخاصة وأن أولادي يخبرونني بقصص ومشاكل غريبة تدور بين زملائهم ، ودائماً أنصحهم وأقول لهم إذا تعرض لكم أحد عليكم بإخبار إدارة المدرسة أو إخبارنا وسوف نتصرف". هذا ويرى البحري أن الجيل الحالي يواجه مرحلة خطيرة من الغزو الفكري الغربي المتمثل في وسائل الإعلام وما تعرض عليه من أفلام فيديو ورسوم كرتونية مليئة بمشاهد العنف، ويقول:" في السابق كان آباؤنا يخبروننا بأننا جيل صعب التربية، ونحن اليوم نرى أن جيلنا السابق هو أفضل من هذا الجيل، والله يستر على الجيل القادم".

 

 

تحقيق رنا إبراهيم

 

المزيد
back to top button