كيف نربي أولادنا بابتكار؟

لاشك أن أساليب التربية الحديثة سواء في المنزل والمدرسة تؤثر بشكل كبير على النشء في كيفية التفكير الايجابي والقدرة على الإبداع والابتكار، لاسيما وأن دولة الإمارات أولت اهتماماً كبيراً بالإبتكار، خاصه بعد توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- أقر مجلس الوزراء في اجتماعه الاستثنائي إعلان عام 2015 عاما للابتكار في الدولة، ومنها تتالت المشاريع والمبادرات الداعمة للابتكار والإبداع على مستوى جميع إمارات الدولة.

 

أوضح الكاتب والباحث الأكاديمي محمد بن جرش، أساليب التربية الابتكارية ودورها في خلق نشء مفكر ومبتكر، ويقول: "لايمكن الحديث عن العلاقة العضوية بين التربية والابتكار من دون الحديث عن العلاقة بين التربية والتعليم، فالتعليم ارتبط بالتربية، كما يكتسب العلم جزءاً كبيراً من أهميته من خلال الآليات التربوية، وإذا ما قمنا بعملية مقارنة بين مجتمعين فإننا سنجد أن الكثير من نقاط الاختلاف لا تقع في ما تقدمّه المؤسسات التعليمية من معلومات، وإنما في طبيعة المنظومة التربوية في كل مجتمع، أي في خصائص المنظومة التربوية".

ويشير بن جرش أن طرق نقل المعرفة هي المسؤولة عن تكوين وعي وشخصية الفرد الذي يحصل على المعرفة. فهناك منظومة تربوية لا تعطي الأهمية للنقاش والسؤال والحوار، وهي المنظومة التقليدية في نقل المعرفة، ومهمتها الأساسية نقل المعرفة الموجودة، من دون حرص على تنمية أفراد المجتمع، أو أنها تخاف من تغيّر طبيعة المعرفة الموجودة، بالمقابل هناك منظومة تربوية منفتحة، ومهتمة بأن يشارك أفرادها في صناعة المعرفة، وهي لا تخشى من تغيّر المنظومة المعرفية التقليدية. وتتصل التربية، ومؤسساتها بشكل عام، بثقافة المجتمع نفسه، ولذلك فإننا نجد مجتمعات، تشجع الفرد، وتنمي خصائصه الذاتية، وتكفل حقه في السؤال، وتمد الفرد بالمقومات الداعمة لإبداعه، وتعتبره جزءاً مهماً من عملية تطوير المجتمع.  وهناك مجتمعات تقلل من شأن الفرد، وتعتبر السؤال نوعاً من التشكيك في ما هو موجود، وخصوصاً القضايا الثقافية، ولا تقوم بتنمية مهارات المعلمين لكي يواكبوا الأجيال، كذلك لا تهتم بالخصائص الذاتية، وقد تشكك بها أحياناً، أو تعتبرها نوعاً من الخروج عن المألوف، ولا توفر أسباب الإبداع المادية من بنى ومؤسسات وتشريعات.

 

التربية التقليدية والإبتكارية

يوضح بن جرش الفرق بين التربية التقليدية والتربية الابتكارية، ويقول: " ثمة فروقات كبيرة بين ما هو تقليدي وابتكاري في التربية، فالتربية التقليدية تركز على المجتمع كأن يحظى رب العائلة بتقدير واحترام كبيرين، بينما لا يلقى الطفل الاهتمام نفسه، في المقابل التربية الابتكارية تركز على الفرد، فتعتبر كل فرد مهم، وله شخصيته المستقله، ويجب احترام ميوله الفكرية ومهاراته. من جهة أخرى تركز التربية التقليدية على الهوية الثقافية الثابته المرتبطة بالعادات والتقاليد، بينما الابتكارية تركز على الهوية الثقافية المتغيره، ويمكن من خلالها احداث تغيير في العادات والتقاليد من دون شعور بأن المجتمع يخسر مقومات وجوده. وتعتمد التربية التقليدية على تقديم أجوبه جاهزة، أما الابتكارية تعتمد على السؤال، وتتصف آليات التعليم بالتربية التقليدية بالتلقين، بينما الابتكارية تعتمد على آليات التعليم المتنوعة وتقوم على التجريب"

ويتطرق بن جرش للحديث عن المكانة التي تعطيها الدول لدعم الابتكار، وتطوير مناهج التعليم، وتطوير الكفاءات التعليمية، ودعم المختبرات العلمية، وتشجيع الأبحاث النظرية، والمكافآت والجوائز والتشريعات القانونية التي تحمي الإبداع والمبدعين. ويقول: " تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على البحث العلمي سنوياً حوالي 168 بليون دولار، أي حوالي 32% من مجمل ما ينفقه العالم كله. وتأتي اليابان بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تنفق 130 بليون دولار سنوياً، ويتوالى بعد ذلك : ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا. وبلغ مجموع عدد الباحثين في الدول السبع التي تتربع على قمة الدول الأهم في البحث هو مليونان و265 ألف باحث. وسنجد أن هذه الدول هي من أكثر الدول تأثيراً في العالم علمياً وتكنولوجياً وسياسياً، وهو ما يجعلنا نقول إن هذه الدول تعلم تماماً أهمية الابتكار في الحفاظ على مكانتها في سلم الأمم القوية".

ويرى بن جرش أن العلاقة بين التربية والابتكار ليست علاقة نظرية، وإنما علاقة تقوم في فضاء أوسع، هو فضاء المجتمع والمؤسسات والدولة، وكلما كان هذا الفضاء قادراً على دعم العملية التربوية كلما تمكن الحصول على كم أكبر من الابتكارات، والتي تعود بالنفع على الاقتصاد والناتج القومي والقدرة التنافسية على مستوى العالم.

 

تحثيق رنا إبراهيم

 

 

 

المزيد
back to top button