قصص نجاح أصحاب العصا البيضاء

ما أقاسي من كدر .. أن يفقد الإنسان نعمة البصر و يعيش حياته في ظلام مستمر دون أن يرى روعة المنظر لا يعرف ما هية الألوان وكيف هي هيئته، أو ملامحة، وجوه من حوليه، ما هو شكل المنزل أو الهاتف أو السيارة، معتمدين على نعمة البصيرة المتمثلة في اللمس والسمع والإحساس العالي، هي نعم الله سبحانة وتعالى، التي عوضهم بهاعن إعاقتهم فأصبحوا نموذجاً للتحدي والإصرار على نيل المطالب والتمنى في الحياة.

 

 

 

محمد الغفلي: ترقية وظيفية وتقيم وانجاز المهام أسوة بالزملاء

في العام 2010 بدأ محمد راشد الغفلي، ( كفيف) العمل في هيئة تنمية المجتمع بوظيفة تنفيذي أول علاقات عامة، يقول: " عندما التحقت العمل بالهيئة تلقيت التدريب في مركز تمكين، وبعدها برنامج قدرات، وتخرجت من جامعة الشارقة تخصص صحافة عام 2011 وتم ترقيتي". يصف الغفلي طبيعة عملة، ويقول أنه لم يواجه التحديات، وخاصة وأنه لم يجد الاختلاف مع زملائه في العمل، ويخضع للتقييم أسوة بزملائه، كما يتلقى الدورات التطويريه، وينجز كافة أعماله كباقي الموظفين". ويوجه رسالة لأصحاب العمل، ويقول: " لابد من تهيئة بيئة العمل لذوي الإعاقة، ومعرفة احتياجات الموظف من ذوي الإعاقة، وتوعية الأشخاص في كيفية التعامل معنا".

 

وعن أهمية انخراط ذوي الإعاقة في سوق العمل، يقول: " العمل يمنحنا الاستقلالية ويخرجنا من عزلة المنزل، عدا عن تكون العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، لذلك انصح إخوتي وأخواتي من ذوي الإعاقة بضرورة الانخراط بسوق العمل".

 

سلمى الكعبي: كلمات حاكم دبي هزت أعماق قلبي

في السبعينيات من القرن الماضي أصيبت  سلمى الكعبي بالحمى الألمانية حين كانت في سن الرابعة، ونتيجة قلة الوعي والثقافة بأهمية الطب والتشخيص العلمي للمرض، لجأت والدتها للطب الشعبي، ما أدى إلى فقدانها بصرها بشكل نهائي في العين اليسرى، وحاولت المحافظة على العين الأخرى لكن شقاوة الأطفال وكثرة الحركة حالت دون المحافظة عليها، وفقدت بصرها بشكل كامل. تحديات كثيرة عاشتها سلمى، حدثتنا وقالت: " في العام 1980 سافرت إلى مملكة البحرين والتحقت بمدارس ذوي الإعاقة، وتعلمت الكثير في تلك الفترة، حيث كانت المدارس مهيأة للمكفوفين وكان المعلمين من الجنسية البريطانية ما أكسبني الخبرة في التعامل وإتقان اللغة".

 

لاشك أن اغتراب سلمى اكسبها العديد من الخبرات والمعرفة في أمور الحياة من حيث الاعتماد على الذات والتعايش مع الإعاقة، لأن المدارس كانت مهيأة بشكل كامل للمكفوفين، والقائمين على التدريس  من الجنسية البريطانية و ذوات خبرة كبيرة في التعامل مع المكفوفين، فضلاً عن طرق التعليم المتطورة والتي تهتم بالمكفوفين  داخل المدرسة وخارجها، واستمرت سلمى بالدارسة حتى وصلت إلى الصف العاشر،  لكن الحنين إلى الوطن دفعها إلى العودة لتستكمل مراحل التعليم في دولة الإمارات. " عندما وصلت إلى الصف العاشر كان يتبع في منهج البحرين طريقة الدمج مع المدارس العادية، ووجدت إنها تجربة ممتازة والحمد لله لم تواجهني أي مشاكل أو صعوبات، وبعدها راودتني فكرة العودة إلى ارض الوطن، لاستكمال الدراسة في مدارس الدولة". سلمى هي أول كفيفة تم دمجها في المدارس الحكومية في دولة الإمارات، تصف تلك المرحلة: " لم تكن فكرة الدمج مطبقة في مدارس الدولة، لكن بالإصرار فرضت نفسي على مواجهة هذه الصعوبات، والتحقت بمدرسة أم المؤمنين، واستطعت النجاح والتفوق وحصلت على نسبة 76%، مع العلم انه لم تتوفر لدي  المستلزمات الخاصة التي تساعدني على التعليم. كنت اذهب إلى أمام إحدى المساجد ،  صاحب صوت عذب وواضح يقوم بتسجيل المنهج الدراسي على شرائط الكاسيت، أقوم بتلخيصها على طريقة  "برايل"،  فضلاً عن معاناتي اليومية حين أقوم بحمل آلة الكتابة ذات الوزن الثقيل من  المدرسة وإلى البيت، لكن حرصي على أداء واجباتي بشكل كامل حتى لا أترك ثغرة في دراستي، جعلني أتجاوز كل التحديات".

 

التحقت في بعثة خارج الدولة لاستكمال دراستها الجامعية، وتحديداً في جامعة حلوان، حيث درست اللغة العربية لمدة أربعة أشهر وبعدها انتقلت إلى تخصص التاريخ. وعادت إلى أرض الوطن لتلتحق بمركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، لتؤدي وظيفة تدريس المكفوفين. لدى سلمى رسالة تعليمية وإنسانية هادفة تتمثل في دمج ذوي الإعاقة في المجتمع والاستفادة من قدراتهم،  واستطاعت سلمى تحقيق أحلامها البريئة والمفاجأة الأكبر في حياتها تقول فيها: " زارني الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،  بشكل مفاجئ إلى مركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، وأمر بترقيتي إلى منصب خبيرة لدى وزيرة الشؤون الاجتماعية في مجال الدمج المجتمعي للمعاقين. هذه أسعد اللحظات في حياتي، إذ تمثل لي فخر وشرف لأنه منحني المزيد من الثقة والفخر والعطاء لخدمة الوطن"، وتشير سلمى إلى العبارة التي هزت أعماق قلبها وأدمعت عينيها عندما قال لها سمو الشيخ محمد بن راشد " أنتِ فخر للإمارات".

 

نجيبة: الحياة عبارة عن ممرات متشابكة والتحدي سر نجاحي

لم تكتشف معاناة نجيبة حسن غريب، البصرية حتى سن الثالثة، حيث اكتشف أهلها معاناتها، وبدؤا بعملية البحث، ولكن للأسف دون فائدة، تصف طفولتها بإبتسامة بريئة، قائلة: " كانت طفولتي جميلة كنت ألعب وألهو مثل كل طفل، لم أحرم نفسي شيء، والتحقت بمركز دبي للمعاقين للدراسة، وفي آخر سنة من الدراسة بدأ نظام دمج ذوي الإعاقة في المدارس العادية، وكنت أول دفعة، بعدها التحقت بجامعة الإمارات واخترت تخصص الدراسات الإسلامية".

تعلمت نجيبة على نظام "برايل" في المدرسة، ما سهل عليها دراستها الجامعية، حيث كانت تحول محاضراتها إلى لغة برايل وكانت زملائها في الجامعة يمدون لها يد المساعدة دائماً، وتخرجت في العام 2001، وبدأ في التفكير في خوض غمار العمل.

تقول نجيبة: " إلتحقت بإدارة الجنسية والإقامة في دبي، وتحديداً في قسم الإقامة وأذونات الدخول في العام 2006، وخلال خمس سنوات إلتحقت بعدد من الدورات منها دورة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية، كما إلتحقت بمركز التمكين الذين قدموا لي الدورات، إلى أن وجدت فرصة العمل في إدارة الجنسية والاقامة". تمارس نجيبة عملها بإتقان وحرفية عالية ولا تواجهها أي تحديات أو عراقيل، سوى بعض العراقيل المتمثلة في برامج المكفوفين الذي يتعارض مع النظام الخاص بالجهة. تصف نجيبه يومها: " أنا عزباء و أقضي يومي بشكل طبيعي، ومن هواياتي القراءة وخاصة قراءة الكتب الثقافية لأني أحب أن أكون على قدر من المعلومات والمعرفة حتى إذا سألني أجيبهم بسهولة، لذلك أحاول أن اعتمد على نفسي ولو قليلاً ويوجد لدي سائق أذهب معاه للعمل، وأحاول أن أعتمد على نفسي كما لا أستخدم العصا التي يستعملها المكفوفين، تعودت على الإعاقة بل تجاوزتها وأخرج مع أختي إلى مراكز التسوق بشكل مستمر".

 

 

 

تحقيق رنا إبراهيم

المزيد
back to top button