"أم المصورين" شيخة السويدي: السيلفي موضة قديمة وأول كاميرا اشتريتها بـ 10 روبيات

هي من جيل النساء الإماراتيات القدامى، اللاتي مازلن متمسكات بالعادات والتقاليد القديمة، فالطيبة هي طابع يغلب على محياها، والبرقع كان ومازال زينتها الأزلية، أما فكرها الإبداعي وفطنتها جعلت منها امرأة استثنائية، سجلها ومازال يسجلها التاريخ بأحرف من نور وفخر بفضل إبداعاتها الأصيلة عبر صورها المتنوعة بالأبيض والأسود. المصورة الفوتوغرافية شيخة السويدي، أول مصورة إماراتية، وتحمل لقب " أم المصورين"، كان لـ EllE Arabia فرصة لقائها والتقرب منها عن قرب لتسرد مسيرة حياتها عبر هذا الحوار.

 

من فريج المرر الكائن بمنطقة ديرة بدبي، أبصرت شيخة جاسم محمد مبارك السويدي،  النور في العام 1936، وعندما أتمت ربيعها التاسع توفي والدها، ونتيجة تأزم أوضاع عائلتها المادية، انتقلت بصحبة عائلتها إلى منطقة بر دبي، للعيش في منزل محمد شريف الملقب باسم أرباب وكيل الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمة الله.

 

تبدأ السويدي بسرد تفاصيل طفولتها، وتقول: " عشت حياة التعب والشقاء ولم يكن في تلك الأثناء مدينة وحضارة كما نعيشها اليوم، فقد كانت والدتي تجيد الطبخ وتعلمت منها هذه المهنة، واكتشفت موهبتي بالرسم ، حيث كنت أرسم الأشخاص والأشكال بالفحم الأسود ويقال عنه في اللهجة المحلية " الصخام"، و زاد شغفي بالرسم عند اطلاعي على الصحف التي كانت تأتينا من الدولة العربية، وانبهرت بالصور المطبوعة بالأبيض وأسود، وعندها قررت تقليد تلك الرسومات واشتريت ألواناً بعد أن جمعت سعرها من مصروفي الشخصي، وكنت عندها في سن 15 ورسمت لوحة على الكرتون لستارة طبعت عليها صور مختلفة لرجال ونساء".

 

السر في التلغراف!

عشقت السويدي الصور عندما كنت في سن 16 سنة، وبدأت التصوير في سن 17 سنة، وكانت أول كاميرا تستخدمها من نوع (أكفا) ذات الثلاث عدسات، تقول: " أول كاميرا شاهدتها كانت بحوزة رجل هندي يعمل في ( جرماكندي) وهو محل مكون من طابقين يهتم بشؤون السفن، حيث لم يكن لدينا ميناء، وكان لدينا مركبين اسمهما (سمنان ومعلي) يأتون في كل شهر، وعندما يصل المركب إلى مسقط، يرسل برقية وكنا نسميها (تلغراف) تفيد بموعد وصول السفينة، وكنت أذهب لاستلام التلغراف، وأعطيه لمحمد شريف، وهو وكيل الفربة وتعني ( الميناء) بحيث يأتون بالحمولة من السفن ويضعونها في الفربة، وكل تاجر يأتي لاستلام بضاعته".

 

تقول السويدي أن في تلك الأثناء لم يكن أحد يجيد القراءة والكتابة بسبب انتشار الأمية، وكانت البرقيات التي تردهم إلى الفربة مكتوبة باللغة الانجليزية، ومحمد شريف كان يجيد القراءة والكتابة وكذلك بعض العاملين في الفربة، حيث كان لديهم عمالة كبيرة من دولة الهند. وتتضمن البرقية موعد وصول السفينة والتي كانت تحدد بموعد الظهيرة أو الصباح أو المساء، بسبب عدم وجود ساعة التوقيت، وبعد قراءة البرقية يتم توصيلها للشيخ سعيد وهو جد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

 

تقول السويدي: " في الماضي كان من المعيب أن تدخل الفتاة إلى الأماكن العامة، وعندما كنت أذهب إلى محل ( جرماكندي) كنت أقف خلف النافذة وأتحدث مع الموظف لاستلام التلغراف، ومنها اكتشف أن هناك صوراً، وسألت عنها بدهشة، وقالت لهم: ( ماذا تشاهدون؟ وعندها أخذ العاملون يضحكون وقالوا لي: نشاهد (العكس)، وكانت في الماضي تسمى الصور بــ (العكس)"، وسمح لي العامل بمشاهدتها، واستغربت حين شاهدت الصور، كونها تبرز كافة الملامح، وسألته حينها: هل أنتم الذين تظهرون ذلك؟ وأجابوني بأن الكاميرات هي التي تصنع ذلك، وطلبت منهم أن أرى هذا الاختراع (الكاميرا)، وبعدها قدموا لي بعض المعلومات عن الفيلم والتحميض، ومنها عشقت التصوير، وأخذت أفكر طويلا بأمر الكاميرا، وبعدها بفترة طلبت استعارة الكاميرا من الشخص العامل في (جرماكندي) ويدعى (جيتاه)، ووافق وكانت هذه بداية دخولي في عالم التصوير".

 

بابتسامة تقول السويدي: " في تلك الأثناء لم يكن هناك شيء لأصوره، سوى المناسبات المعدودة التي تقام، ومنها ختان الأولاد وكانت تسمى هذه الحفلة بـ (طماشة)، وبدأت بتصوير هذه الحفلات، وفكرت مراراً بتصوير حفلات الزواج، ولكن كان من المعيب في تلك الأثناء تصوير العروسة، فقط كان مسموحاً تصوير العريس".

 

الإبداع يبدأ من الهند

نقطة تحول كبيرة طرأت على حياة السويدي، استطاعت من خلالها إظهار قدراتها في التصوير، وإبراز الزوايا الجمالية في عدستها، والتي بدأت في رحلة إلى بومباي، تقول: " تعرضت زوجة محمد شريف للمرض، وطلب منا زوجها اصطحابها للهند للعلاج، وأخذت الكاميرا التي استعرتها معي، وسافرت بواسطة الباخرة، وعندما سافرنا أخبرونا أن العلاج في " ميراج"  وأثناء الرحلة التقيت بشقيق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الشيخ خالد آل نهيان يرحمها الله، وصورته وكان برفقته لفيف من الرجال. كذلك انتهزت الفرصة لتصوير كل ما شاهدته من المستشفى والأماكن، وعندما عدت إلى أرض الدولة كانت الأفلام كثيرة بحوزتي، وبدأت أتساءل عن كيفية تحميض الأفلام".

 

لم تبحث السويدي كثيراً عن طريقة لتحمض بها الأفلام، ولكنها اكتشفت ان جارهم ويدعى الدكتور محمد حبيب وهو المسؤول عن تطبيب أبناء الحي حيث لم يكن لديهم أطباء في المنطقة، وكانوا يستخدمون الكاميرات، تقول: " كنت صديقة ابنة الدكتور محمد حبيب، وكانوا يستخدمون الكاميرات، وأيضاً يحمضون الأفلام عبر محل موجود داخل منزلهم، وطلبت منهم تعليمي تحميض الأفلام، ومن مصروفي الخاص الذي كان يعطيني إياه محمد شريف اشتريت أغراض التحميض من " الهايبو، الفلابر، أدوية التظهير"، وخلال مرحلة تجربتي لتحميض الأفلام خسرت أفلاماً كثيرة وحرقت أخرى، حتى تعلمت تحميض الأفلام بالطريقة الصحيحة".

 

 

أول كاميرا بـ 10 روبيات

بعدها بفترة اضطرت السويدي إرجاع الكاميرا التي كانت قد استعارتها من محل (جرماكندي)، تعلق: " لم يكن لدي نقود في تلك الأثناء لشراء كاميرا، وأذكر في يوم أن محمد شريف سألني، وقال: " أين هي الكاميرا؟ فأخبرته بأني أرجعتها لصاحبها، وقال لي: أتريدين أن أشتري لكِ واحده؟ وعندها فرحت ووافقت على الفور، وأعطاني حينها " بروه" وهي التي كان يضع بها النقود، ونصحني بالذهاب إلى شخص أسمه " كبتم" إيراني الأصل وهو مصور سينمائي ويبيع كاميرات " أكفا"، واشتريت أول كاميرا وكان سعرها 10 روبيات".

 

تقول السويدي: " في الماضي كنت ألتقط الصور في الخفاء، فلم يكن للصور قيمة حيث لم يكن لدينا صحافيين، فكنت التقط الصور مع صديقاتي في الحي، وكنا نجتمع سوياً والسعادة والابتسامة ترتسم على وجوهنا عندما كنا نلتقط صورة ونرى وجوهنا بعد تحميض الفيلم، وكذلك التقط صورة جميلة مع والدتي رحمة الله عليها".

 

للبرقع مكانة خاصة تظهر في معظم الصور التي التقطتها السويدي، تقول: " ثقافة البرقع كانت هي الأساس، فصاحبة البرقع الكبير تدل على أنها فتاة عازبة تنتظر نصيبها، والبرقع الصغير تدل على أنها متزوجة، ولو شاهد الرجل المرأة من بعيد يعرف، وفي سن 8 سنوات وجب علينا لبس البرقع، وطوال اليوم تلتزم الفتاة بلبسه حتى ولو كان أمام أهلها".

استمرت السويدي بالتقاط الصور في الخفاء، إلى أن جاء شقيقها من البحرين ونصحها بالزواج، تقول: " كان عمري آنذاك 21 سنة، وتزوجت بناء على طلب شقيقي، ولكن زواجي تكلل بالفشل بعد 6 أشهر، وبعدها تقدم لخطبتي "أبو عيالي"، وهو أكبر مني بالعمر، ولديه زوجة أخرى، ولكني وجدت فيه معنى الرجولة والكرامة، وعشت معه 20 سنة، وبعدها توفي وأنجبت منه 4 بنات وولدين، وعشت معه أجمل أيام حياتي".

 

بعد أن تزوجت توقفت السويدي عن التصوير لسنوات، بسبب انشغالها بالحمل والولادة وتربية الأبناء، تقول: "كانت العيشة صعبة في تلك الأثناء، وتعلمت قيادة السيارة، وكان زوجي يعتمد علي في توصيل أبنائي للمدرسة، وكنت أطبخ وأخيط وأطرز الملابس، في محاولة لمساعدة زوجي بمصاريف المنزل، حيث كان زوجي يعمل خبازاً، وبعدها بسنوات فكرت بالعودة للتصوير وبدأت بتصوير المناسبات كالأعراس، وغيرها من المناسبات الاجتماعية".

 

سيلفي الماضي

عاصرت السويدي جميع مراحل تطور فنون وتقنيات التصوير، تقول: " بعد كاميرا ( أكفا) استخدمت الكاميرا الحديثة وهي ( أم الخرطوم)، وبعدها استخدمت الكاميرا الفورية، وعندما رأيت أن الكاميرا الفورية لا تحتاج إلى تحميض أحببت التصوير أكثر، وأخر مره صورت كان في عرس أولادي، ولدي ألبوم الصور متنوع، وكنت بجانب المصورة ولكني مارست هوايتي في العرس، والله الحمد نظري جيد ولكن يداي تهتز عند إمساك الكاميرا، لذلك لا أستطيع التصوير في الوقت الحالي بسبب ذلك وهذا الشيء يحزنني". 

 

رغم توقف السويدي عن التصوير إلا أنها بدأت تستخدم كاميرا الهاتف النقال، في تصوير أحفادها وأعمالها الفنية، وتتحدث عن موضة السلفي وتقول: " السلفي كانت سائدة في الماضي، فقد كنا نثبت الكاميرا وأوتوماتيكيا تأخذ الكاميرا الصورة بعد دقائق".

 

تؤكد السويدي أن الصور بالنسبة لها هي مجرد ذكريات وتعود بها إلى سنوات الماضي البسيط، وتقول: " لم يسبق لي أن بعت صوري وحقيقة لا أعرف قيمتهم المادية، وأخشى أن أموت وتموت صوري معي، دون أن ينتفع الناس بها".

 

 

تحقيق وحوار رنا إبراهيم

 

المزيد
back to top button