هم آباء وأمهات يتدخلون ويُصّرون على تحديد شخصية أبنائهم ويرسمون مستقبلهم المهني، عبر وظائف ومهن يعتبرون بأنها تليق بشخصيتهم، من دون أن يتركوا لهم حرية اتخاذ القرار بما ينسجم مع قدراتهم ورغباتهم، في المقابل نجد بعض الأبناء ينصاعون لرغبة آبائهم، والبعض الآخر يصرون على تحقيق أحلامهم عبر مهن وضعها الآباء ضمن قائمة الحظر... فما هي المهن التي يرفضها أولياء الأمور؟
تطمح لينا إبراهيم للعمل بمهنة مصففة شعر، ولكن والدتها منعتها من تحقيق حلمها، وتقول: " والدي دائماً يقف بصفي ولا يمنعني من تحقيق رغباتي، ولكن ولدتي تقف عائقاً أمامي، لأنها تظن أن مهنة مصففة الشعر محفوفة بالمخاطر، كونها تخاف من التجمعات النسوية وما ينتج عنها من مشكلات، لذلك هي ترشدني نحول العمل بوظيفة إدارية ولكني لا أجد في ذلك المتعه". تقول لينا أنها عملت بشكل مؤقت في إحدى القنوات التلفزيونية بمهنة مصففة شعر، وكانت والدتها على علم بذلك، وتقول أنها تعرضت للمضايقات في ذلك العمل، كونها تعمل على تصفيف شعر الرجال أيضاً، مما جعل والدتها ترفض فكرة العمل بهذه المهنة، ومازلت لينا تحاول إقناع والدتها بهذه المهنة ولكنها لم تصل لنتيجة لذلك قررت لينا الجلوس في المنزل لحين موافقة والدتها على هذه المهنة.
أما نهى فؤاد، فهي من عشاق السفر، لذلك التحقت بكلية السياحة والآثار، وبعد تخرجها تقدمت لوظيفة مضيفة طيران، وتم قبولها بالوظيفة براتب مغري، ولكن والديها عارضا ذلك، وتقول: " لم أعارض رفض أهلي، ولأني أعلم مدى خوفهما علي، كون مهنة المضيفة تتطلب السفر لأيام وربما لشهور، وكوني البنت البكر لديهما، قررت التنازل عن أحلامي". تقول نهى التي تعمل في إحدى المتاحف حالياً، أنها عندما تتزوج سوف تشترط على زوجها المستقبلي العمل بهمنة مضيفة، والتي عن طريقها تستطيع تحقيق حلمها.
غناء وترحال
تعشق مريم سمير الترحال والمغامرات، وتعرفت عن طريق الصدفه على لفريق كشافة عربي يجوب دول العالم، وقررت الالتحاق بالفريق، ولكن للأسف خطوتها قوبلت بالرفض من والدتها، وتقول: " بطبيعتي شخصيتي ديناميكية وأعشق الترحال والسفر، ولا أحب الإلتزام بأي عمل، ووجدت في الترحال شخصيتي التي لطالما كنت أبحث عنها، ولكن للأسف والدتي رفضت فكرة إلتحاقي بفريق الكشافة، بحجة العادات والتقاليد، التي مازالت تقيد حرية الفتاة وسفرها". وبالرغم من دراسة مريم إدارة الأعمال إلا أنها تفضل العمل بمجال البروموشن والإعلانات بدلاً من التقيد بوظيفة مكتبية.
تمتلك نورا خليل موهبة الغناء، وبعد تخرجها من كلية الإعلام، لم تجد وظيفة مناسبة لها، سوى الغناء في الأعراس والمناسبات، تقول: " في البداية عارض والداي واخوتي فكرة غنائي بالحفلات، خوفاً من كلام الناس والقيم والعادات الاجتماعية التي مازالت مسيطره على مجتمعنا، ولكني تباعية حاولت اقناعهم، بأن عملي سوف يقتصر على الأعراس النسائية، ومع الوقت أقنعتهم بذلك، ولكنهم مازالوا يتكتمون عن طبيعة عملي أمام الناس، ورغم ذلك أنا سعيدة بهذه المهنة، ولا يهمني كلام الناس".
موروثات فكرية مغلوطة
يقول المستشار في التنمية البشرية والاجتماعية سعد الهاشمي، من الموروثات الفكرية السائدة في معظم المجتمعات العربية، إجبار الأهل لأولادهم على تخصصات ومهن يحبونها كالطب والهندسة، لما لها من مستقبل باهر حسب تصورهم، في المقابل يستبعدون تماماً كل التخصصات الأخرى، بل ويشككون في قيمتها العلمية والمهنية، والأهم من ذلك القيمة المادية. وهنا يبدأ الطالب تخصصه الجامعي على مضض وهناك مئات الحالات لا ينهي دراسته، فبعضهم يشعر بالإحباط ويترك الجامعة إلى غير رجعة لعدم انسجامه مع التخصص المفروض عليه، والبعض الآخر ينجح بعد عناءٍ في إقناع أهلة بتغيير تخصصه الجامعي، بعد ضياع سنين من عمره وبجهد ومال أيضاً.
كيف تختار تخصصك الأكاديمي؟
من وجهة نظر اكاديمية، يقول عبدالرزاق الدرباس، موجه استشاري في وزارة التربية والتعليم، " في نهاية كل سنة دراسية، نخصص لجنه مهمتها مقابلة طلاب وطالبات الثانوية العامة، ونجري معهم استطلاعاً حول التخصصات الأكاديمية التي ينوون الالتحاق بها، ونتعرف على اسباب اختيارهم لها، ومن خلال الاستطلاعات التي اجريناها، توصلنا إلى أن معظم الفتيات يملن نحو مجالين وهما المجالات التقنية والإعلام، والمجال الثالث يتمثل في كلية التربية، ومنها دراسة الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وغيرها، وتوجد شريحة تميل نحو العمل المصرفي، وفي بعض الحالات يخترن المجال الطبي. أما بالنسبة لشريحة الشباب، فلديهم توجهات أخرى تنحصر في المجال الأمني والشرطي، وبدأنا نلتمس توجهات جديدة لديهم في اختيارهم للهندسة والطاقة النظيفة والاتصالات، ومن النادر أن يختار الشباب الالتحاق بكلية التربية مقارنة بالإناث".
يشير الدرباس أن التخصصات الأكاديمية مرتبطة بتطور الحياة وحاجة السوق والطلب عليها، ومن بين التخصصات التي يتطلبها السوق يأتي في مقدمتها قطاع النفط والطاقة والإعلام، وصناعة الشحن الجوي، وعلوم الطيران، والوظائف المتربطة بالتكنولوجيا وإدارة الإعلام، ويقول: " إن مهن المستقبل التي يرسمها المستقبل والتطور المتسارع الذي نعيشه، لذلك نرى التوجه الحكومي في دولة الإمارات هو توجه ايجابي، حيث يدعم الفرد لاسيما المرأة التي يقدم لها الدعم والتمكين الكامل ويؤهلها لسوق العمل، كذلك الجامعات في دولة الإمارات تجتهد في تحديد متطلبات سوق العمل، ومنه يتم توجيه الطلبة الجدد لهذه التوجهات".
كلاسيكية الآباء!
وحول معارضة الأهل لميول أبنائهم في اختيار تخصصاتهم الأكاديمية، يوضح الدرباس: " احياناً نجد ثمة انفصام بين ميول الأبناء ورغبات أولياء الأمور، فبعض الأهل مازالوا يفكرون بطريقة كلاسيكية، ويفرضون رغاباتهم على أبناءهم، وبالتالي هذه الضغوطات النفسية على الأبناء ممكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية تتمثل في رهبة الإبن في دخول الإمتحان والخوف من الرسوب". ويؤكد الدرباس أن سوق العمل هو الذي يتدخل في رغبة الأبناء واختيار الآباء لتخصصات أبنائهم، واحياناً يتدخل أصدقاء الأبناء في اختيار التخصصات، عدا عن القدورة الحسنة في المنزل، ولا يمكن أن نتجاهل تأثير وسائل الإعلام والمسلسلات على اختيار الأبناء لمهنة حلم العمر.
تحقيق رنا إبراهيم