كم من كلمة كاذبة دمرت حياة إنسان، وكم من سوء فهمٍ أنهت قصة عشيقين، هم ضحايا الألسن المرة المتلونة، تلك الألسن المؤلفة من ثلاثة أنواع، الأولى تكتفي بنقل الكلام (النميمة)، والوسطى تذكر عيوب شخص في غيبته بما هو فيه ويكره ذكر ذلك (الغيبة)، وثالثهم وهي أقسى أنواع الألسن التي تذكر الآخرين مع تلفيق الافتراءات والأكاذيب ( البهتان).
تقول لمى العالم- موظفة- كثيراً ما يغتاب أحد أمامي ويكون لدي فضول في الاستماع، ولكن لا أجعله يتمادى حتى لا يتضاعف الكلام، لأن النميمة في النهاية صفة ذميمة في المرء لأنها تسبب العداوات بينهم، لكن أحياناً قد تضطر إلى إخبار الشخص أن فلان تحدث عنك، بدافع التوجيه والنصيحة، وتعتبرها عمل خير.. وتقول: " أذكر أني كنت ضحية نميمة في عدة مواقف لاسيما في فترة دراستي الجامعية، منها حديثي بعفوية على شخص ما وتم توصيل الكلام أو فهمه بشكل مغلوط".
ترى لمى أن أكثر مواضيع النميمة النسوية تتمحور حول الشكل والمظهر الخارجي، وعن العلاقات العاطفية. وتقول: " قد يلجأ الإنسان إلى النميمة نتيجة وجود شخص أساء له كثيراً، ومع عدم القدرة على التحمل، عندها ومن باب تفريغ الهموم يلجأ إلى الحديث مع شخص ثاني، في المقابل ذلك الشخص ينقل ما يقيل عنه مع الزيارة والتغير في الكلام".
ألسنتهم أحرقتني!
تعتبر غادة بركات- إعلامية- أنها ضحية نميمة، صادرة من أقرب الناس لها أهلها وأصدقائها، تقول: " ربما طيبتي المفرطة وعدم تقديري للأمور، وعفويتي في التصرف، جعلتني محط استغلال البعض في تلفيق الافتراءات والحديث من وراء الظهور، وللأسف أكثر ما يؤلمني حين أسمع أن فلان تكلم عني وهو في الحقيقة أقرب الناس لي. صدمة كثيراً من البشر وأحاول أن أكون حازمة في أموري ولكن للأسف طيبة قلبي تعكس على تصرفاتي، ونتيجة ما يقال عني من أكاذيب فقدت عدد كبير من صديقاتي". تؤكد غادة أن لسان الناس قد يهدم إنسان بأكمله لأن الكلمة قد تكون أشد من السيف على الإنسان، لذلك تحاول تجاهل كل من يتحدث عنها بسوء وتفوض أمرها لله، لأنه أدرى ما في داخل قلبها من نية صافية.
النميمة أخذت حبيبتي!
من جانبه يرى أحمد مختار – موظف- أن الغيبة دمرت حياته العاطفية، ويقول: " اللسان المر والقيل والقال هما السببين الرئيسيين في خسارة خطيبتي، التي بدأت تبتعد عني بعد قصة حب طويلة وبعد أن عرفتها على أصدقائي ونتيجة الغيرة والأنانية، باتوا وعن طريق المزاح يلمحون لها أنني على علاقة بنساء أخريات، وأنه بزواجي بها سوف أقيد، منا هنا بدأت المشاكل وأصبحت خطيبتي تشك في كل تصرفاتي حتى انتهى بنا المطاف إلى الانفصال". يرى أحمد أن النميمة صفة ذميمة في نفس المرء، وذكر الإنسان بسوء وبأمور ليست به هي الأبشع من ذلك، لذلك ينصح الشباب، بعدم الإفصاح عن الأسرار الخاصة أو حتى الاعتراف بالحب والعلاقات العاطفية، لأن كيد وغيرة البشر قاسية.
النميمة.. صابونه القلب
ثمة فرق بين النميمة ( gossiping) والغيبة (Backbiting) من الناحية الاجتماعية والدينية، في كون أن الأولى تتمثل بنقل كلام الناس بغية الإفساد بينهم، أما الثانية فهي ذكر عيوب الآخرين. لكنهما يجتمعان في بعد سيكولوجي واحد في كونهما يمثلان الحديث عن الآخرين بصورة سلبية. يذكر ياسين الزبيدي، أستاذ جامعي بدولة الإمارات، أهم الدراسات والبحوث في مجال علم النفس والتي تناولت موضوع الغيبة، ويقول: " ثمة عدد من الدراسات والبحوث في هذا الجانب و انقسمت النتائج إلى فأتان رئيسيتان. الأولى انتقدت هذه الظاهرة في كونها أسلوب دفاعي يلجئ إليه الإنسان الذي يشعر بالنقص، ذلك لأنه بذكره لسلبيات الآخرين وعيوبهم فانه يمتدح نفسه بصورة غير مباشرة في كونه أفضل من الآخرين، ورغم أن المُغتاب يشعر بشي من الراحة إلا انه شعور ايجابي وقتي يشابه في تأثيره السيجارة على المدخن في كونها تشعر المُدخن براحة آنية ولكنها على المدى البعيد تترك آثاراً ورواسب سلبية. والفئة البحثية الثانية خَلُصَتْ إلى امتداح الأثر النفسي للغيبة كما ذهبت إليه الباحثة الأمريكية لاون بريزندين (Louann Brizendine) ، حيث أنها أشارت إلى أن الغيبة تساعد على إفراز هرمون الأكسيتوسين (Oxytocin ) الذي يُعتقد انه يُفرز في أوقات تكوين العلاقات الحميمة مع الناس. ومن الجدير بالذكر أنني سمعتُ أكثر من مرة ومن عدة نساء يصفن الغيبة على أنها (صابونه القلب) فقلت لهن إنني اعرف إن العتاب هو صابونه القلب فقلن لي حدّثْ معلوماتك فالغيبة الآن هي الطابونة التي تغسل القلب مما علق به تعب وضغوطات نفسية ومشاعر سلبية".
كيف تطهر لسانك من النميمة؟
إن البرمجة اللغوية العصبية يمكن أن تساعد في التخلص من هذه العادة السلبية، يوضح الزبيدي: " يتم تدريب الشخص الذي اعتاد ذكر الآخرين بأسلوب سيئ على أن الأمر يمثل خسارة مادية، ويتدرب على أن يتخيل ويحس بشكل فعلي انه يخسر 100 درهم مثلا في كل مرة يذكر الآخرين بصورة سلبية. ومع تكرار استحضاره لصورة الخسارة في عقله الواعي في كل مرة يغتاب الآخرين فان هذه الصورة تترسخ تدريجياً في عقله اللاواعي ويبدأ بشكل تلقائي في تجنب الخسارة أو تجنب الغيبة".
تحقيق رنا إبراهيم