ارتديت الفردة الأخيرة من حذائي ووقفت أمام مرآتي. فستان جميل. لمست بطني استدرت إلى الخلف، يمين يسار، نفضت شعري وما زلت لا أشعر بالرضا. "اخخخ، قد البقرة صايرة" هو ما قلته لنفسي . كنت قد اكتسبت كيلوغرامين خلال الشهر الماضي، ممّا ادى إلى خسارتي شعور الخفة الذي اعتدت عليه!
ما إن وصلت إلى مقهى، حتى التقيت بصديقتي التي لم أرها منذ فترة، وطبعاً أول السلام يكون لهفة، فثلاث قبلات على اللبناني، وأخيراً غمرة صغيرة،" اشتقتلك، محلاية؛ ضعفانة؟"
طبعاً، الغزل المصحوب بملاحظة انني قد خسرت من الوزن وبالتالي أصبحت أجمل، ليس بجديد في عالم النساء. لكنني شعرت بالصدمة عندما وجدت نفسي أبرر عدم نحافتي.
فقصَّتي مع وزني ونظرتي لجسدي طويلة، تمتد طوال أعوامي الـ26، فمنذ صغرنا، نعي أن الفتاة النحيفة ترتدي فساتين أجمل في العيد. أما في عمر المراهقة، صاحبات الخصر الرفيع يرتدين قميص الـ" Crop Top" القصيرة.
لطالما كنت فتاة ذات حجم عاديّ، لم أكن سمينة يوماً ولا نحيفة. وبالرغم من شكلي الطبيعي، كنت أسمع التعليقات وأسوأها كانت تلك التي أقولها لذاتي. " وقفي أكل، نصحانة، ما بقى تضعفي". يعني مهما كان وزني كنت سأسمع تعليقٍ ما. وذلك كان يحبطني، وكأنني مجبرة على الحفاظ على وزن معين، أو سيتحتم عليّ تبرير نفسي في حين أنني راضية عن مظهري معظم الأحيان.
قررت أن اختبر ، ردة فعل أصدقائي ، فماذا سيحدث إن شاركت علناً ما يجول في خاطري وخاطر معظم السيدات بدرجات متفاوتة؟
كتبت على الفايسبوك عبارة: أنا سمينة جداً ( I'm so fat) وراقبت النتيجة.
فكما تلاحظون، تفاوتت التعليقات بين الغاضبة، الساخرة والداعمة. كلّ على طريقته قرر أن يبدي رأيه بنظرتي لجسدي. والغريب في الموضوع ان بعض الأشخاص الذين علقوا او أعجبوا بما كتبت، لم يتفاعلوا معي يوماً على مواقع التواصل أو حتى، لم ارهم من سنين. وبالرغم من جميع العوامل، رأى العديد منهم، أنه لمن حقهم أن "يصححوا" نظرتي لذاتي أو حتى أن يغضبوا منها.
فإذا كنت ذات وزن عادي وصحيّ وأسمع التعليقات التي تحبطني، فماذا تشعر ًصاحبات الأجساد" اللا كاملة" أو بمعنى اخر وزنها زائد أو نحيفة للغاية؟ هل فكرنا يوماً، اننا وبتعليقاتنا عن حسن نيّة او بغية الإنتقاد، نزيد صعوبة معركة النساء مع الطعام وتقبّل أجسادهنّ؟
حتى كأم، هل فكرت يوماً أن نصيحتك لابنتك قد تؤذيها؟
ولتوضيح الفكرة أكثر، قابلت سيدتين لا تجمعهما إلا معركة الطعام والوزن والنظرة إلى الذات.
الآنسة الأولى
الآنسة الثانية
يُذكر أن الآنستين، عانتا من وزنهما سابقاً، أما الان فوصلا إلى الوزن المثالي لهما.
ندى: في أيام المراهقة عندما بدأت أذهب إلى البحر ولاحظت ان بطني كبير (لدي كرش) وعليّ أن أخفيه في ملابس السباحة وعند محاولة التبضع حيث كنت نادراً ما اجد قياساً مناسباً لحجمي وغالباً ما أجرب الملابس التي كانت تبدو إما غير جميلة أو ضيقة.
نوال: لم أكن أدرك أنني نحيفة جداً. في البدء لم ألاحظ أنني أخسر من الوزن، كل ما أدرمته كان عدم وجود أدنى شهية على الطعام وأنني لا أشعر بالجوع. ولكن تعليقات الأهل والناس جعلتني أنتبه وأنظر بكثب إلى المرآة وهنا أدركت أن لدي مشكلة وزن.
ندى: دائماً ما كانت والدتي وشقيقاتي يحذرنني من نوعية اكلي خاصة وأنا صغيرة في السن لكن والدتي لم تحرمني يوماً من الاكل المحبب على قلبي. فكانت البطاطا المقلية من أكلاتي المفضلة وكنت اتناول المأكولات السريعة بشراهة.
نوال: شكّل أهلي الحافز الأول لزيادة وزني، فأصبح الطعام موضوع عائلي. كانو ا دائمي التشجيع " انو يلا كلي، وبرافو نوال، شوي شوي." فوالدتي دائماً ما تضع لي طعام أكثر مما أطلب، وعندما بدأت في سوق العمل كانوا يصرون علي لتناول الفطور قبل خروجي.
ندى: عندما كبرت وأصبحت في العشرينات، كسبت وزن اكثر من قبل ووصلت إلى أقصى وزن في حياتي. فكنت أعاني في الملابس ولا أشعر بالراحة فقررت أن عليّ خسارة الوزن.
نوال: سبب خسارتي الوزن كان مرحلة صعبة في حياتي حيث توقفت كلياً عن الطعام بسبب عدم وجود أي شهية. ولكن الحياة تكمل وتتخطين ما كان أليماً بالنسبة لكِ، فكان تناول الطعام جزئاً من ذلك.
ندى: كنت احزن كثيرا عند ذهابي للتسوق فلم اكن اجد قياسي وخاصة في الماركات العالمية او المتاجر اللبنانية، فلم أجد ما يتعدى قياس 10 (UK) بينما كنت ارتدي قياس 16. فاخرج من المتجر ولا أزوره مجدداً، في النهاية بدأت أتبضع من متاجر لديهم قياسات كبيرة مع أن وزني لم يكن زائداً لهذا الحدّ، ولكنني كنت أجبر على ارتداء ما لا يعجبني او ان ادفع مبالغ طائلة . كما أن القصات لم تكن شبابية بل اكثر للسيدات مما كان محبطاً.
ولكن في السنين الماضية تحسن الوضع فصرت اجد قياسي في بعض المتاجر العالمية كمانغو و H&M.
نوال: التحديات كانت في ايجاد القياس المناسب، وهذا لم أكن أعاني منه من قبل. غالباً ما كانت تعتذر البائعة قائلةً انه بامكاني البحث في قسم الأطفال. فتخيّلي أن تتفرجي على قطعة ثياب لفتاة صغيرة فتقول صديقتك، "جربيها يمكن تظبط."
ندى: في بعض الأحيان كنت أنظر إلى مرآتي وأقول: "يا ريت". خاصةً وانني كنت احب أن ارتداء ملابس ضيقة. ولكنني لم أكره يوماً المرأة التي أراها. كنت دائماً أتمنى ان أنحف ولكن بنفس الوقت كنت أرى نفسي جميلة فانظر إلى نفسي وأقول "خلص أنا هيك! "
نوال: كنت أرى أنني نحيفة جداً فأنظر إلى المرآة ولا أرى إلا أنفي الذي أصبح كبيراً جداً على وجهي. حتى ملابسي أصبحت واسعة جداً فلم أعد أرى نفسي كما قبل. فعظامي كانت ظاهرة ووجهي تغير ليس فقط من ناحية الحجم بل من ناحية الشكل. ولكن نحافتي لم تزعجني فانا افضّل النحافة.
ندى: لا يمكنني القول أنني عانيت. كنت على علاقة طويلة مع احد الأشخاص، لفترة 5 سنوات، خلالها كنت قد اكتسبت أكبر قدر من الوزن لكنني لم أجد الشخص المناسب بعدها. أذكر أنني خرجت في إحدى المرات مع أحد الرجال، فنظر إلي خلال موعدنا الأول قائلاً: " لازم تضعفي 5 كلغ بتصيري تمام." استغربت الأمر، فقد رآني ودعاني إلى لعشاء وليس كأنه صُدم بمظهري. لربما الوزن يؤثر على نظرة الرجل للمرأة ولكن لا يمكننا التعميم.
نوال: وزني عانى من حياتي العاطفية( مازحةً). كلا، لم أعاني يوماً من علاقة مع الرجال بسبب وزني!
ندى: كل امرأة تفكر بماذا سترتدي في الموعد الأول لتبدو أجمل، بينما كنت أفكر ماذا سارتدي لكي أخفي عيوبي الجسدية.
نوال: كنت احتار ماذا سأرتدي. كنت أحاول ان أخرج بملابس واسعة نوعاً ما لتخفي تفاصيل جسدي، فحتى الملابس الضيقة كانت تبدو واسعة و"مبهبطة" وبدون ترتيب مما كان يغضبني جداً.
ندى: نعم ولا. فمن قبل كنت اطلب دائماً إطفاء الضوء ولا أتقبل أن اخلع ملابسي في النور ولكن لا يمكنني القول أنها أئرت على حياتي الجنسية إذ كانت لدي ثقة، خلال علاقتي الطويلة مع حبيبي السابق، بالحميمية التي بيننا. ولكن الآن طبعاً أصبحت مرتاحة اكثر قأتقبل الأنوار وأملك ثقة أكبر بشكلي.
نوال: لم أدخل في علاقة حميمة يوماً لذا لا يمكنني الجزم، ولكن لا أظن أنني قد أخجل من جسدي أمام الرجل الذي أحب فأنا أذهب إلى البحر وأرتدي ثوب السباحة بشكل طبيعيّ. ولكن اتمنى بعض الزوائد في أماكن معيّنة.
ندى: القول انه يجب علي خسارة الوزن ليس فقط لصحتي أو شكلي بل ربطها بايجادي الرجل المناسب وخاصة في السنتين الأخيرتين. وكيفما ذهبت كنت أسمع ندى انحفي، حرام وجهك جميل جداً بينما كنت مرتاحة في مظهري. والأسوأ تعليقات كمتى ستنحفين؟ أو لا تظنين أن عليك أن تنحفي. أو مثلاً كيف ترتدين ثوب سباحة بجزئين أمام الناس؟
نوال: عندما كان الجميع يسألني إن كنت مريضة. فحيث ما أذهب بالإضافة للتعليقات الشفهية كانت تُطرح أسئلة كثيرة مثلاً إن كنت أعاني من السرطان أو أي مرض آخر. كنت أعامل وكأنني مريضة فغالباً ما قالوا لي: أجلسي، هل نأتيك بماء وسكر هل تشعرين بخير. بينما لم أكن أعاني من أي خطب. وكثيراً ما سمعت تعليقات جارحة: كستيكة وما عندكن أكل بالبيت.
ندى: لا يوقفك بل يحطمك في العديد من الأحيان فتعودي بجهد شخصي وترفعين معنوياتك ولكن نعم في العديد من المجالات تشعرين وكأنك تحدين نفسك بسبب نظرتك لنفسك ومعاملة الاخرين لكٍ.
نوال: نعم، فمع خسارتي للوزن صرت أبدو أصغر بكثير في العمر مما جعلني أفقد الراحة لمناقشة المواضيع العامة والمشاركة في الأحاديث والتعبير عن رأيي بأي موضوع. كنت في سنتي الجامعية الأخيرة ولكن الناس كانوا يسألوني دوماً في أي صف مدرسي انا.
ندى: في ما قبل كنت اعنيها في بعض الأحيان وأخرى كنت فقط أقنع نفسي ولكن الآن ثقتي أقوى بكثير وأكبر.
نوال: لم تشكل نحافتي هاجساً بالنسبة لي ولم تكن عقدة اعاني منها. لكن المجتمع والأشخاص من حولي كانوا مزعجين، دائماً لديهم تعليق ما. فأصبح هاجسي أن ارتاح من كلام الناس والتعليقات أكثر من أن ازيد من وزني.
ندى: كنت متعبة دائماً. امشي قليلاً فاشعر بالتعب بعد بضعة خطوات وعندما أجلس أشعر بثقل وكان يزعجني أنني أكون متعبة ويأتي أحد الأشخاص ويقول: شو امتى بدنا نضعف؟
نوال: عانيت بفترة من مشاكل في المعدة فحتى بالرغم من عدم وجود أي شهية لتناول الطعام، كنت أحاول بفشل. فبعد زيارة للطبيب والخضوع للفحوصات، اكتشفنا أن المعدة لا تهضم المأكولات مما يخلق شعور حرقة والحاجة للتقيؤ.
ندى: برافو ندى اوعى ترجعي تنصحي كتير حلو هيك! عنجد قبل كتير نصحتي انتبهي ما تنصحي!
نوال: خيّ، نصحانة! اوعى ترجعي تضعفي هيك أحلى! كنا مفكرينك مريضة.
ندى: كلا، سيذكرونك مهما حدث بأنك كنت سمينة في إحدى المراحل! لا تفكري انك في مجتمع سيدعك تنسين!
نوال: كلا، لن تسلمي من التعليقات.فالان ينظرون إلي ويتذكرون أنني بدوت مريضة ويشعرون بالحاجة لتذكيري بالموضوع!
ندى: هناك طريقة معينة للقول للشخص ان وزنه زائد ويجب ان ينحف. هناك الشخص المناسب لذلك كما والوقت والطريقة المناسبين . فكردة فعل معظم الأحيان كنت أرفض خسارة الوزن ولو كان ذلك لمصلحتي.
لا يجوز مثلاً ان تعلق على الموضوع في عشاء أمام الجميع .
في العديد من الأوقات كنت مرتاحة جداً في وزني وام اكن أرغب بخسارة الوزن وهم لم يساعدوا بل أخروا العملية!
من الآخر تركونا شو بدكن فيّنا!
نوال: أفهم أن العديد من الأشخاص يتكلمون عن الوزن بهدف افادتك أو لمصلحتك. ولكن من يعاني من المشكلة ليس بحاجة لأن يسمعها مجددا فنحن ندرك مشكلتنا. كامرأة، إن سال الكحل عن عينيك تلاحظين وتصحيحيها، فكيف إذا كان الموضوع يتعلق بجسدك. على كل شخص أن يهتم بأموره التي تعنيه وليس الإشارة إلى عيوب الاخرين فلا أحد بدون عيوب. أما للسيدات اللواتي تحاولن كسب الوزن، يمكنك دائما المحاولة واتباح الطرق الصحية لذلك ولكن النفسية أهم طالما أنت مرتاحة لا شئ آخر يهم.
تتعدد الأشكال والأوزان والصراع واحد. فبين معركة المرأة الثلاثية الأبعاد مع نفسها، مرآتها ومجتمعها، يبدو أن صورة الذات تتصدع محتارة من سترضي بينهم. فهل سنكون عقبة أمام ذاتنا ومن حولنا ونزيد هذا الصراع، أم سنكون الحلّ؟
ففي نهاية المطاف، صحتنا تأتي أولاً، وسعادتنا الداخلية هي الأهم وما تبقّى، هي بضعة أرقام ترينا الحياة من مقياس آخر.
تحقيق تيري عبد المسيح