لا يخفى عن أحد أنّ الوسائل الرقميّة أثّرت بشكلٍ ملحوظ على العالم بأسره إذ قرّبت الناس أكثر من بعضهم البعض وبالتالي عمدت إلى إحداث ثورةٍ في عالم الفنّ الذي تحرّر من حدود جدران صالات العرض والمراكز الفنّية، فخضع لعمليّة تحوّل كبرى أثّرت على نشأته والترويج له وبيعه وشرائه. فنون جميلة، تصوير، إخراج... صارت وسائل التواصل الاجتماعي قاعدة عمليّة بالغة الأهمية لكلّ مجالات الفنّ ولكلّ من يبحث عن التفوّق في هذا الميدان.
"في بداية سنوات الألفين بدأت أمارس هوايتي أحياناً في تصميم الغرافيك"، كما يشرح الفنّان البصريّ إسماعيل الزايدي. "لم آخذ الفنّ الرقمي على محمل الجدّ إلاّ في صيف العام 2017 حين رحت ألتقط الصور – كنت في السابعة عشرة من عمري فقط في ذاك الوقت". تعلّم هذا الفنّان المغربي الناجح فنّ التصوير بنفسه وهو واحد من جيل الشباب العربي الذي يسلّط الضوء على ثقافته وإبداع شعبه من خلال أشكال جديدة من الفنّ تستند كلّها إلى التكنولوجيا. "جذبني هذا العمل لأنّه يشعرني بالتحرّر إذ يسمح لي بالتعبير عن وجهة نظري من دون أن أضطرّ للّجوء إلى الكلمات". ولا يحسّ لوحده بهذا الشعور. فإنّ كنزي الصهيل - وهي فنّانة فلسطينية تهوى التجميع والتصوير، ولدت وترعرعت في جدّة، المملكة العربية السعودية – قد تعلّقت بدورها بالرقمية منذ صغرها. وتقول: "قد يبدو الأمر غريباً لكنّني شعرت أنّ الفنّ الرقمي ملموس ومتاح أكثر من الفنون الأخرى... وإنّ سهولة الوصول إلى الانترنت تعني الوصول إلى ملايين القطع المحتملة التي يمكنني استخدامها للحصول على صورة كولاج نهائية. أحبّ الكولاج المقصوص على اليد لكنّني لست بارعة كثيراً باستعمال يدي بالتالي أفضّل العمل رقمياً".
تتمحور ممارسة الفنّ الرقمي حول ابتكار قطعٍ يُنتجها الكومبيوتر، أكان بواسطة المسح الضوئي أو الرسم مع استخدام ماوس وجهاز لوحي عبر برمجية CGI أو إنستغرام حتى. ويشمل ذلك فيديوهات مسجّلة رقمياً فضلاً عن الصور. "أظنّ أنّ ابتكار تحفة فنّية رقمية يتطلّب المهارة ذاتها والإبداع ذاته المفروض من أجل ابتكار أيّ فنّ آخر. من الرائع أن ينوجد اليوم شكل جديد من أشكال الفنّ بفضل هذا العصر الرقمي. لكن يحتاج الفنّانون وعشّاق الفنّ على حدّ سواء أم يستمرّوا بالتأقلم مع هذا العالم المتبدّل بسرعة"، كما تشرح كنزي. ويوافق اسماعيل على هذا القول: "تتبدّل الأمور بسرعة ويكسب الفنّانون الرقميّون ببطء الشهرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا عظيم. مثلاً، ترغب الماركات اليوم بالتعاون مع فنّانين مغربيّين لأنّهم يتمتّعون بأسلوب خاص لا يسعهم إيجاده عند الآخرين. وهذا يساعد حتماً على تطوير الفنّ في منطقتنا".
مع التقدّم التكنولوجي الذي يفتح الأبواب أمام الناس لكي يبتكروا الفنّ الرقمي، تمّ إنشاء منصّة عملاقة لمواقع التواصل الاجتماعي وللتطبيقات من أجل مشاطرة الفنّ وشرائه بسهولة أكبر. منذ أن بدأت بمسيرتها الفنّية على إنستغرام، شاهدت كنزي أعمالها منشورةً في مجلات رائدة عديدة في الشرق الأوسط في حين أنّ اتصالات أجريت مع اسماعيل ليعرض صوره في بضعة معارض لمجرّد أنّه يقدّم أعماله عبر تلك المواقع.
لكنّ التكنولوجيا سيف ذو حدّين، إذ يسمح الأول للجمهور بتأدية دور مهمّ في صناعة الصور، ما يجعل الفنّانين يجمعون على الحبّ والكره في الوقت نفسه. "قد يكون هذا مقيّضاً بلا شكّ في حال كان الهدف الوحيد هو إرضاء الناس"، حسب ما تشرحه كينزي عن كيفية تحوّل إنستغرام إلى عدو الفنّان اللّدود. "صحيح أنّ الأرقام تفتح الأبواب وتمهّد لنا للقيام ببعض الأمور التي نريدها وتعرّف عنا للصحافة وأمناء المعارض وغيرهم، لكن برأيي أنّه على العمل أن يتحدّث عن نفسه ويُثبت إن كنّا جديرين بالأضواء أو لا. كلّنا محاطين بأشخاصٍ كثر لديهم العديد من المتابعين لكنّ المحتوى الذي يقدّمونه هو الأكثر أهميةً بنظري". مع تزايد إمكانية رؤيتهم والتعرّف إليهم وإلى أعمالهم، يصير الفنّانون في خطر التقيّد بصنع الفنّ إستناداً إلى ما قد يُعجب الناس فقط. "أحسّ أنّ عدداً كبيراً من الفنّانين يخافون من فرض مفهوم إبداعي جديد لهذا السبب"، بحسب رأي اسماعيل الذي يجد أنّ الطريق الوحيد لمحاربة هذه المسألة هي في فرض أسلوبه الشخصي. "في نهاية المطاف، من المهمّ المحافظة على مصداقيّتنا حيال أفكارنا ومبادئنا الفنّية".