"أنا لست في صدد أن أطلق الحقائق أو أن أبرهنها. كلّ ما أفعله من خلال أفلامي هو طرح الأسئلة من وجهة نظر مختلفة علّها تفضي إلى واقع آخر مغاير".
هذا أول ما قالته الفنانة الفرنسيّة المعاصرة ومخرجة الأفلام الوثائقيّة، كلاريس هان Clarisse Hahn، التي تشارك في مهرجان طرابلس الدولي للسينما 2013 لدى سؤالها عن الرسالة التي يحملها فيلمها "العاشق الكردي" Kurdish Lover المشارك في المهرجان.
أمامي امرأة تتطلّع مباشرة نحو محاروتها في نظرة ثابتة لا تردد فيها أبداً، وكأنها تكاد ألا ترفّ جفنيها. مقتضبة الكلام، تجيب في جمل قصيرة لا تعقيب فيها، ولا تفكير مطوّل وكأن الأشياء واضحة في رأسها لا ثاني لها. ولكنّها بعيدة كلّ البعد عن أن تكون سجينة الأحكام المسبقة، بل على العكس تماماً، تقول بأنها في سعي دائم إلى كسر ما هو ثابت ومُسبًق.
"لطالما جذبتني التناقضات، والحالات الإجتماعية والإنسانيّة ذات التركيبات المتشعّبة والتي لا تعكس بالضرورة ما أعرفه شخصيّاً عن الأنماط الإجتماعية المألوفة في ذهني والتي أجاورها في فرنسا."
وهذا ما ينطبق بالتحديد على "العاشق الكردي" الذي اخذها إلى كردستان من الجانب التركي حيث قضت الأيام تصوّر عائلة زوجها الكردي الأصل، حيث تتجاور الحماة والكنّة والأولاد في بيت واحد، وحيث تجتمع التناقضات ضمن المجموعة الواحدة، التي تؤدّي إلى مشاحنات يوميّة بفعل الروتين والقرب الجغرافي وتشابك القرارات في التدبير المنزلي وغيرها من امور العائلات الكبيرة والمتشابكة في بيئة قرويّة.
اسألها: "لمَ الأكراد بالتحديد، هل لأن زوجك كرديّ أو أنك ارتبطت به كنتيجة حتميّة لاهتمامك بالمجموعات الكرديّة في فرنسا؟"
تجيب كلاريس، وقد جالت بنظرها الثاقب في ارجاء المكان، مخفّفة من حدّة الشخصية، ربما لأن السؤال يتناول جانباً شحصيّاً لديها: "أنا أعتقد حقّاً بأن الأمرين مترابطان ارتباطاً وثيقاً وعلى الرغم من الفترة الزمنية التي تفصل الحدثين عن بعضهما (أي يوم شهدت لمظاهرة مناصرة لأكراد فرنسييّن في شوارع باريس، ومن ثمّ لاحقاً تعرّفها على زوجها) إلا أني أراهما فعلاً واحداً. وفي النهاية إن اهتمامي بالقضية الكردية كأقليّة تنادي ببلد غير معترف به دولياً، ينسحب أيضاً على اهتمامي بحراك الأقليات بشكل عام أينما كانوا في العالم."
ولدت كلاريس هان في باريس عام 1973، وهي ابنة الناقد الفني المعروف أوتو هان الذي كان مسؤولاً عن الصفحات الثقافية والفنيّة لمجلّة "الإكسبرس" L’Express الفرنسيّة. بالإضافة إلى إخراج الأفلام وإقامة معارضها الفنيّة، تعلّم كلاريس مادّة "الفيديو"/ السينما في العاصمة الفرنسيّة، ولها العديد من الأفلام الوثائقيّة. ولكن أبرزها "العاشق الكردي" الذي نال جوائز عدّة في مهرجانات مختلفة في فرنسا وبلدان أخرى.
وعن سؤالها عمّا إذا كانت تودّ حصر انتاجاتها بالأفلام الوثائقيّة فقط، تجيب كلاريس هان: "أعمل حالياّ على فيلم طويل غير وثائقيّ، يتناول أيضاً القضيّة الكرديّة ولكن بعيداً عن الخطاب السياسي. فما أريده في هذا الفيلم هو إلقاء الضوء على الأكراد في محاولة للعودة الى الجذور."
وتعود نظرة كلاريس الثاقبة، في تأكيد غير خفيّ على حشريّتها في التناقض والإختلاف... في كيان الإنسان نفسه.
دلال حرب
للمزيد من المعلومات عن فيلم "العاشق الكردي" Kurdish Lover، يمكنم زيارة الموقع التالي: www.culturalresistance.org