بعد أن تبيّن أنّ خطوبتي من ذلك الشاب كانت خطأً جسيماً، فضّلتُ أن أترك الغشّاش وأجفّف دموعي. كان وسيماً جداً وكل الفتيات الأخريات كن مغرمات به وبالطبع لم يستطع الإكتفاء بي وحدي.
وبقيتُ أكره صنف الرجال، إلى أن تعرّفتُ على فارس عندما كنتُ أزور مع صديقاتي معرضاً للسيّارات. وبما أنّ الإعجاب كان متبادلاً، بدأنا نتواعد حتى أن قرّرنا أن نبقى سويّاً إلى الأبد. والأمر الذي أقنعني بأن أتجرّأ وأتزوّجه، كان شكله الخارجي. فارس لم يكن وسيماً أبداً ولم يلفت إنتباه أي فتاة إلتقينا بها ونحن سويّاً. فتأكّدتُ أنّه لن يفعل بي ما فعله الذي سبقه وأنّنا سنعيش حياة هنيئة مليئة بالحب والتفاني. إنتقلنا للعيش في شقّة ظريفة في مبنى هادئ وجعلتُ من مسكننا الجديد مكاناً جميلاً، بإنتظار أن يملؤه الأطفال.
إستقبلَنا سكّان المبنى بأذرع مفتوحة، فكنّا بالنسبة لهم تسلية جديدة، خاصة أنّهم كانوا يعرفون بعضهم منذ زمن بعيد، فدُعينا إلى منازلهم للغداء أو للعشاء وولِدَت بيننا مودّة. كنتُ سعيدة أن أتعرّف على أناس جدد وشعرتُ أنّ هذا المكان مناسب جداً لإنجاب الأطفال، لأنّني كنتُ سأحظى بمساعدة الجميع، خاصة أنّ والدتي كانت قد توفّيت منذ سنين.
ولكن بعد فترة قصيرة، صُرِف فارس مع عدد كبير مِن زملائه من عمله بسبب إعادة هيكليّة الشركة وأُجبرتُ على معاودة عملي الذي تركته لأتزوّج. كنتُ خائفة جداً على حالة زوجي النفسيّة، فكان معتاداً على النهوض باكراً والذهاب إلى الشركة وهناك كان يختلط مع أناس كثر وها هو يخسرَ كل شيء بلحظة واحدة. لذا طلبتُ من جيراني أن يرفّهوا عنه خلال غيابي. مريّنا بأيّام عصيبة جداً وتحملّتُ ومزاج زوجي المتقلّب، حتى أن هدأ أخيراً وإستطعنا العودة إلى حياتنا السابقة. فخلال تلك الأيّام وبفضل سكان المبنى، أصبح لفارس هواية جديدة وهي تصليح كلّ ما يمكن أن يتعطّل عند الجيران، فكلّما إعتازه أحد، كان يركض ليرى أين الخطب ويحاول معالجة الأمر وكان بطريقه يشرب معهم الشاي والقهوة ويستبقونه أحياناً على الغداء أو العشاء. فرِحتُ جداً بأن يكون زوجي قد تخطّى مأساة بطالته وشغل نفسه وإستطعتُ التركيز على عملي بإنتظار أن يجد وظيفة تسمح لي بأن أتحضّر للأمومة.
ولكن في ذات نهار، عندما كنتُ في السوبرماركت، إلتقيتُ بصديقة لي تعرّفتُ إليها من خلال زوجها الذي كان زميل فارس. وبعد أن قبّلتني وسألت عنّي وعن زوجي قلتُ لها:
- آمل أن يكون مازن قد وجد عمل.
- ولِم يفعل؟ فهو سعيد بالشركة!
- ألم يتمّ صرفه كما حدث لفارس؟
- لا... فهو لم... أقصد... مازن ما زال يعمل كالسابق.
- أعذريني ولكنّني لم أفهم... تقولين أنّ زوجكِ إحتفظ بعمله ولكنّ زوجي أنا طُرِدَ؟ ولمَ هذه التفرقة؟ ما عدد الموظّفين الذين طُرِدوا؟
- واحد فقط... زوجكِ... وإن كنتِ تريدين معرفة السبب، فعليكِ أن تسألينه بنفسكِ... أراكِ بخير.
وتركَتني ورحلَت إلى الصندوق لدفع ثمن مشترياتها. شعرتُ أنّ شيئاً بشعاً قد حصل مع زوجي وأنّه يخفي عنّي أشياء كثيرة ولكنّني قررتُ أن أنتظر قليلاً قبل طرح سؤالاتي عليه لأنّني لم أكن مستعدّة أن أراه بمزاج سيء مرّة أخرى، فتركته يمارس هوايته الجديدة بين الجيران. ومرّت بضعة أشهر على هذا النحو فطلبتُ من فارس أن يجد عملاً حقيقيّاً كي نرتاح ماديّاً قليلاً. أجابني:
- ولِمَ العجلة؟ أنا سعيد هكذا... أجني بعض المال وأساعد الجيران... تعرفين كم تأذّيتُ عندما صرفوني...
- ولكن هناك العديد من زملائك في حالة مشابهة... لقد صُرِفَ آخرون معك... حتى صديقكَ مازن... أليس كذلك؟
- أجل! ونصف الموظّفين أيضاً! شيء مؤسف للغاية...
وتأكّدتُ أنّ زوجي يكذب ولكنّني لم أقل له شيئاً، لأنّني لم أكن أعلم ما ستكون ردّة فعله عندما أواجهه بما أعرفه. وبما أنّه لم يكن مستعدّاً للبحث عن عمل، قرّرتُ أن أفعل هذا نيابة عنه. دقيتُ أبواب معارفي ووكّلتُ أصدقائي بأن يجدوا لفارس ما يشغله عن زياراته اليوميّة لسكان المبنى. ولكن كانت المسألة تتخطّى هذا الواقع الذي كنتُ أعاني منه. فالحقيقة كانت مختلفة تماماً وصعبة التصديق. وعلِمتُ بما كان يحدث فعلاً بطريقة الصدفة، عندما كنتُ أنتظر عودة فارس لأتناول العشاء معه. كان قد ذهبَ إلى جيراننا في الطابق الأوّل لإصلاح خطب في الكهرباء وخفتُ أن يبرد الطعام فلحقتُ به. وعندما قرعتُ الجرس سمعتُ أصوات خلف الباب ثمّ صوت شباك يُقفل بقوّة وعندما فتحت لي الجارة وسألتها عن زوجي قالت لي أنّه قد غادر شقّتها قبل ساعة تقريباً. ولكنّني شعرتُ بإرتباكها وقلتُ لها:
- ألن تدعيني للدخول؟
- لا... أقصد بلى... تفضّلي... ولكن عليكِ أن تعذريني لأنّني كنتُ على وشك الدخول إلى الحمّام لأستحمّ... تعالي في الغد.
- لا تقلقي أستطيع الجلوس مع زوجكِ ريثما تنتهين من الحمّام.
- إنّه مسافر... لن يعود قبل مساء الغد.
- ولكنّني سمعتكِ تتحدّثين مع أحد
- إنّه التلفاز.
ونظرتُ إلى الصالون ورأيتُ التلفاز مقفلاً، فشكرتُها على وقتها وعدتُ إلى منزلي. لماذا كذبَت عليّ هكذا؟ وما كانت تخفيه عنّي؟ وبعد بضعة دقائق دخلَ فارس البيت. سألتُه أين كان، فأخبرني أنّه ذهبَ ليتنزّه قليلاً قبل موعد العشاء. لم أصدّقه لأنّني كنتُ أعلم أنّه يكره التنزّه وعلِمتُ أنّه يخفي عنّي شيئاً. قررتُ مراقبته عن كثب لمعرفة حقيقة ما يجري، فكان الغموض يلفّ زوجي منذ فترة ولم أكن مستعدّة أن أقبل بهذا الوضع، خاصة أنّني كنتُ أتعب جداً لأجني المال عوضاً عنه. وفي اليوم التالي ومِن دون أن أخبر أحداً، أخذتُ إجازة من عملي وذهبتُ إلى المقهى المقابل لمبنانا أنتظر لكي يبدأ زوجي نهاره. ومِن مركز المراقبة الذي إستحدثُته، إستطعتُ رؤية الأزواج يذهبون إلى أشغالهم الواحد تلو الآخر. ومن بعدها بقليل رأيتُ زوجاتهم تبدأنّ بتنظيف المنازل وتحضير الغداء. دخلتُ المبنى وإنتظرتُ على السلالم. بعد قليل سمعتُ باب شقّتنا يُفتح وصوت أقدام زوجي تتجه إلى الطابق الأوّل عند تلك الجارة. لحقتُ به بعد أن تأكّدتُ أنّه أصبح عندها ولصقتُ أذني على الباب. عندها سمعتُ أجزاء لحديث، علِمتُ أنّه حميم: "حبيبي... إشتقتُ إليك..." شعرتُ بغضب كبير وبدأتُ أقرع الباب بقوّة وعندما فتحَت لي المرأة رأيتُ زوجي خلفها وقميصه مفتوح على صدره. صُدِما لرؤيتي وتلبكّا كثيراً خاصة عندما بدأتُ بالصراخ:
- أيّها الخائن! أيّها الكسول! أعمل طوال النهار بينما تقضي وقتكَ مع تلك الفاجرة!
ولكثرة صراخي خرجَت باقي النساء من شققهنّ وركضنّ لرؤية ما يحصل. سررتُ بهذا الدعم وبينما كنتُ أستعدّ لمتابعة تأنيبي لزوجي، فوجئتُ بإحدى جاراتي تصرخ له:
- كيف تفعل هذا؟ أيّها الخائن المنحطّ! قلتَ لي أنّكَ تحبّني!
نظرتُ إليها بدهشة وبينما كنتُ على وشك أن أستفهم منها عمّا يحدث صرخَت جارة ثالثة:
- لا! قال أنّه يحبّني أنا.
وبدأ شجار كبير بين جميع المقيمات في المبنى ووقفتُ أتفرّج عليهنّ وكأنّني أشاهد فيلماً هزلياً. ثمّ نظرتُ إلى فارس فلم أره. كان قد فضّل الهروب قبل أن نصبّ جميعنا غضبنا عليه. تركتُ جيراني ونزلتُ إلى شقّتي ووجدتُ زوجي يحزم بسرعة حقيبة صغيرة وقبلَ أن ينتهي قلتُ له بهدوء:
- ستذهب من هنا من دون أي قطعة ثياب... هيّا... سرّ أمامي وأخرج من بيتي...
نظر إليّ بحزن وحاول إستعطافي:
- هنّ اللواتي جبرتني على...
- أسكت! قلتُ لك أن تذهب حالاً!
وخرجَ من الباب ومن حياتي. وبعد فترة قليلة، حصلتُ على الطلاق وعلى وكالة للشقّة مكّنتني أن أبيعها لأنّني لم أكن مستعدّة للعيش وسط عشيقات زوجي. وعلمتُ أيضاً أنّ سبب طرد فارس من عمله، كان تصرّفه الغير الأخلاقي مع زميلاته. وعندها أدركتُ أنّ الوسامة لا علاقة لها بالإخلاص أو عدمه وأنّ المهمّ هو الإنسان نفسه وكيف تربّى وإلى أيّ درجة هو مستعدّ للتضحية من أجل من يحبّ.
حاورتها بولا جهشان