كيف وصلتُ إلى الوقوع بهكذا الفخ؟
ربما لأنني كنتُ فتاة بريئة، تلقَّت تربية تقليديّة ومحافظة. فلم يتسنّى لي أن أختلط مع باقي فتيات وفتيان عمري وخوض تجارب أستخلصُ منها العبر والخبرة. وكنتُ أرى الخير في كل مكان وأظنّ أنّ كل الناس مثلي صادقون ونزيهون. بقيتُ هكذا حتى دخولي إلى الجامعة، حيث تعرفت إلى أصناف متعدّدة من التلاميذ، يأتون من مختلف المناطق والبيئات والمجتمعات.
أُعجبتُ بهذا التعدد وقررتُ أن أضف البعض منهم إلى دائرة أصدقائي القليلين. وبما أنني كنتُ فتاة جميلة، حول الكثير من الشبان التقرب مني. واحد منهم فقط أعجبني وكان يُدعى باسل ولسوء حظّي كان أقلّهم أخلاقاً. ولم أدرك هذا إلا بعد فوات الأوان. وبعد أن جذبني بكلامه اللطيف ونظراته القاتلة قبلتُ أن أواعده. ولكنني لم ألاحظ إمتعاض باقي زملائي حيال هذه العلاقة ولم اسمع من صديقتي عندما قال لي أنّ باسل ليس مناسباً لي.
إعتقدتُ أنّها تغار منّي ولا تريدني أن أكون سعيدة مع أجمل شاب في الكليّة. مرَّت الأيّام وكنّا بدأنا نتقابل بإنتظام، حين جاء الوقت لكي نعبّر عن إعجابنا ببعضنا، فقبّلني بحرارة وأنا بدوري قبّلته. كانت فرحتي عارمة لأنّها كانت أوّل تجربة لي وفهمتُ حينها أنني أكنّ له شعوراً عميقاً وكأيّ فتاة في مثل هذا العمر، خلتُ أننا سنقضي باقي عمرنا سويّاً. ولكن ما لم أكن أعرفه هو أنّ باسل كان يصوّر لقاءاتنا وقبلاتنا بواسطة هاتفه. وكيف لي أن أعلم بذلك، فمن المستحيل تخيّل أحداً يفعل هذا، خاصة مع حبيبته. وبقيتُ أجهل ما يحصل لفترة طويلة، إلى أن بدأت الشكوك تثاورني وبدأتُ أشكّ بأخلاقه عندما رأيتُ على هاتفه صوَراً لفتاة في ثياب النوم. إستغربتُ كثيراً وسألته عنها فقال لي:
- لا شيء... فتاة كانت معجبة بي وأرسلَت لي تلك الصوَر... لا تقلقي فأنا لا أحبّ هكذ أمور...
- ولكن حبيبي... هي نائمة... كيف لها أن تلتقط صوراً لنفسها أثناء نومها؟
- ... لا أدري! ربما كان برفقتها أحد! كفى اسئلة!
- ولماذا ما زالت تلك الصوَر بحوزتكَ طالما أنّها لا تعني لكَ شيئاً؟
- ماذا تريدينني أن أفعل؟ أن أمحيها؟ سأفعل هذا حالاً!
ومحاها أمامي وسررتُ بنفسي وكأنني بفعل هذا الإنجاز كنتُ قد حافظتُ على علاقتنا. وبالرغم كل هذه الإشارات، لم أرَ الحقيقة التي كانت واضحة للجميع، لأنّ باسل كان يرسل صوره وهو يقبّلني لأصدقائه الذين بدورهم كانوا يبعثونها لمعارفهم. بقيَ الأمر محصوراً بينهم، فكانوا معتادين على تقاسم دلائل إنجازاتهم الغراميّة إلى حين رأت حبيبة أحدهم صوَري.
في البدء لم تجرؤ تلك الفتاة على إخباري، خوفاً من أن يُحدث ذلك شجاراً بينهما ولكنّها إستاءت كثيراً لأنّه كان من الواضح أنني لم أكن على علم بشيء. فسكتَت وأخذَت على عاتقها تنبيهي بطريقة غير مباشرة. فأرسلَت لي مع زميلة ورقة تقول: "عندما تكونين لوحدكِ مع باسل تأكّدي أنّ هاتفه مقفل أو بعيداً عنه." للحقيقة لم أفهم قصدها وإعتقدتُ أنّها تعني بذلك أنّه عليّ الإستمتاع بجلستي مع حبيبي دون أن يقاطعنا أحد وإستأتُ لتدخّلها بحياتي الخاصة.
وبعد تلك الحادثة بأيّام، جاء باسل وعرض عليّ الذهاب إلى منزله لأنّ أهله كانوا مسافرين إلى أوروبا ويريد أن يكون معي بعيداً عن أعين الجميع. وعدَني بأن يحضّر لي الباستا، بعدما عَلِمَ أنه طبقي المفضّل. قبلتُ دعوته ولبستُ للمناسبة أجمل فستان لي وذهبتُ إلى بيته. هناك وجدتُ مائدة مليئة بالأكل اللذيذ وباقة من الورود تنتظرني. جلسنا سويّاً وتناولنا العشاء على صوت موسيقى هادئة وأجواء رومانسيّة رائعة. وبعدما إنتهينا دعاني للرقص وكنتُ في قمّة السعادة. ثم أخذ بيدي وقادني إلى غرفة النوم. ولكنني وقفتُ على عتبة الباب، فلم تكن بنيّتي الإقدام على فعل ما ينتظره منّي. لكنّه بدأ يصرّ عليّ ويحاول إقناعي بالقبول ولو للجلوس على السرير. عندها قلتُ له:
- سأقبل شرط أن تبقي هاتفكَ خارج الغرفة.
نظر إليّ بتعجّب وسألني لماذا فأجبته:
- لكي لا يزعجنا أحد.
وفي تلك اللحظة تغيّرت ملامحه وبدا مستاء جداً:
- أنا لا أفهمكِ! ما الضرر لو أخذتُ هاتفي معي؟ لماذا كل هذه الشروط؟ لم يسبق أن طلبَ منّي أحد أن أفعل هذا! أنتِ تفسدين كل شيء!
- أريد أن أكون لوحدي معكَ... ما الخطب بذلك؟
- سندخل كلنا إلى الغرفة وهكذا قررتُ!!!
إصراره هذا بدا غريباً جداً، فقررتُ الرحيل. حاولَ أن يمنعني من الخروج من المنزل ولكنني تخلّصتُ من قبضته وركضتُ نحو المخرج. وقبل أن أختفي في ظلمة الليل سمعتُه يصرخ لي:
- من أخبركِ بشأن الصور؟ من أوشى بي لكِ؟
وفي تلك اللحظة فهمتُ كل شيء وشعرتُ بخيانة عظمى من قِبَل الذي أعطيته قلبي. كل ما كان يهمّه هو إثبات إنتصاره على باقي شبّان الكليّة والتباهي بأنّه فاز بي. وعندما وصلتُ إلى منزلي، كنتُ قد نسيتُ ما حدث عند باسل وبدأتُ أفكّر بما قاله لي بشأن الصوَر. والطريقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة، كانت بواسطة الفتاة التي بعثَت لي الرسالة. وبعد جهد إستطعتُ إقناعها بلقائي في مقهى وهناك جلسنا وأخبرَتني بكل شيء. شعرتُ بغضب عميق وبخجل شديد ولكن المهمّ كان معاقبة باسل وحمله على تلف الصور التي لم يرسلها بعد. شكرتُ تلك الفتاة على تنبيهي، فلو لم تفعل لكانت حصلَت كارثة. وبعد تفكير عميق، قررتُ أن أذهب إلى مديرة الكليّة وإخبارها بما حصل على أمل أن تساعدني. من حسن حظّي أنّ من كان يشغلُ هذا المنصب، إمرأة لأنّها تفهّمَت وضعي بسرعة وقررَت على الفور أخذ التدابير اللازمة. فأجرّت سلسلة تحقيقات مع التلاميذ للتأكّد من صحّة الخبر، ثمّ أرسلَت بباسل لإخباره بأنّه مطرود من الجامعة وأجبرَته على توقيع تعهّد بأن يتلِفَ جميع الصوَر التي بحوذته وإلا قدّمَت شكوى ضدّه. وإمتثلَ باسل لطلباتها دون تردّد. أمّا أنا، ففضّلتُ ترك الكلّية لأنني لم أتحمّل أن يكون بعض زملائي قد رأووني أقبّل حبيبي.
هل سأثق برجل بعد الآن؟ ليس عندي جواباً حتى الآن ولكنني آمل أن أنسيَ ولو بعض الشيء ما حصل معي!
حاورتها بولا حهشان