"وداوني بالموسيقى" نعم، إنّ الموسيقى تلطّف السلوك... وما يُسعد الأذن يُسعد الجسم والروح. هذا ما يُعرف بـ العلاج بالموسيقى!
أظهرت دراسات إحصائية تدنّي الآلام المزمنة بنسبة 60 في المئة تقريباً بعد جلسات المعالجة بالموسيقى وهذا يعود إلى تحرّر الدوبامين والأندومورفين وارتخاء العضلات. هكذا، تسمح الجلسات المنتظمة بخفض تناول الأدوية المضادّة للألم من 30 إلى 50 في المئة.
كلّنا اختبرنا طعم الموسيقى اللذيذ. "أعطني الناي وغنّي، فالغنى سرّ الوجود"، تقول فيروز ويقول جبران خليل جبران. وللموسيقى طعم يبقى بعد أن يفنى اللحن. ولكن علاوةً على ذلك، تحفّز الموسيقى آليّة فيزيولوجيّة معيّنة، فحين تدخل الموسيقى بتناغم في جهازنا العصبيّ، تولّد فينا ردّات فعل مهدّئة أو محفّزة فتبدّل المزاج وتسهّل تجانس الاتّزان، بعبارة أخرى تسمح بتماسك كافة المعايير الفيزيائيّة والكيميائيّة للجسم التي لا بدّ لها من أن تبقى ثابتة نوعاً ما (مثل معدّل السكّر في الدم، الحرارة، نسبة الملح في الدم...). وقد ثبت علمياً أنّ سماع مقطع موسيقيّ محبّب يتفاعل على الجهاز العصبيّ المعروف بكونه الحامي الطبيعيّ لجسم الإنسان Parasympatic System. في هذه المرحلة، يصبح إيقاع القلب والتنفّس أبطأ وينخفض ضغط الدم ممّا يريح العضلات. وهذا ليس كلّ شيء فإنّ الموسيقى تخفض كذلك معدّل الكورتيزول، الهرمون المسؤول عن الإرهاق وعن أمور أخرى.
الطبّ الموسيقيّ
حسب د. فرحات، يمكن معالجة العديد من الأمراض النفسيّة بالموسيقى مثل ضغط الدم المرتفع والتعب الناتج عن العلاج الكيميائيّ والشعاعيّ والأمراض التنفّسيّة وآلام الولادة وبعض الأمراض المرتبطة بالفكر والنفس والوظائف الدماغيّة...
مسألة قديمة
إنّ العلاقة بين الموسيقى والعلاج معروفة منذ العصور الغابرة. لطالما كان للموسيقى مكانة مهمّة في كافة الثقافات والحضارات خلال التاريخ، كما يشرح د. حمدا فرحات[DS21] ، بروفسور وعالم نفس سريري ومعالج بالموسيقى في جامعة ليون 2. اليوم، في العديد من البلدان، ترتبط ممارسة العلاج بالموسيقى بمجال محترفي الصحّة وتشتهر بكونها طبّاً بديلاً. بعيداً عن التقيّد بالمجال الطبّي الصرف، يُمارس العلاج بالموسيقى أيضاً في سياق نفسيّ تعليميّ (مدارس، مراكز طبّيّة-تربويّة وغيرها)، وفي سياق تربويّ ونفسيّ اجتماعيّ (قطاع ترابطيّ، وقاية، سجون...) حيث يبدو العلاج فعّالاً للغاية.
ضد الإدمان
كذلك، يمكن للموسيقى أن تعالج العديد من المشاكل النفسيّة مثل الإرهاق والقلق ومرض الألزهايمر والباركنسون واضطراب الوسواس القهري ومشاكل اللغة والكلام والتوحّد والحركة المفرطة وعسر القراءة والفهم وكلّ الأمراض المرتبطة بالإدمان. هكذا، تمّت معالجة ميكا، المغنّي البريطاني-اللّبناني من البكم في طفولته بفضل الموسيقى ودروس الغناء.
لغة السعادة العالميّة
تُمارس جلسة العلاج بالموسيقى بطريقة فرديّة أو جماعيّة وتبدأ بالتبادل الكلاميّ. تتوجّه للجميع كباراً وصغاراً ورضّعاً وللجنين حتّى! ليس من الضروريّ أن يتقن المرء العزف على آلة معيّنة أو قراءة المقاطع الموسيقيّة للممارسة ولكنّ ذلك قد يساعد. كذلك، لسلامة الفرد وبناء شخصيّته، ينصح المعالجون بالموسيقى بشدّة بتعلّم الموسيقى منذ سنّ مبكرة. في نهاية الجلسة، يمكن لكل شخص أن يعبّر عن نفسه بالكلام حتى ولو أنّه في معظم الأمور تتكرّر الكلمات ذاتها من خلال الأغنيات، اللغة العالميّة للسعادة.
تقرير ألين طوق
