ما عانيتُ منه بعد زواجي أشبه بفيلم رُعب ولم أتخيّل يوماً أنني سأكون ضحيّة ممارسات كالتي حدثَتْ لي.
بدأ كل شيء عندما تعرّفتُ إلى راغب عند إحدى صديقاتي. كان جالساً وحده يقرأ صحيفة بينما كان الآخرون يتحدّثون ويضحكون كما يجري عادة عندما يلتقي الأصدقاء. أعجبني جانبه الغامض والمثقّف فذهبتُ إليه وعرّفته عن نفسي ومنذ اللحظة الأولى ولِدَ بيننا إعجاب قويّ لاحظه كل الحاضرين. بعد إنتهاء السهرة سألتُ صديقتي عن راغب فأجابتني أنّها لا تعرف الكثير عنه سوى أنّه زميل لها في المكتب وأنّه إنسان جدّي يسكن مع أمّه ويعتني بصحتّها بعدما عانت من كسر في وركها.
جذبتني حنيّته تجاه والدته فهذا الصنف من الرجال باتَ نادراً. وبما أنّ راغب كان قد تركَ لي رقم هاتفه قررتُ الإتّصال به. وبدأنا نتواعد وبكثافة حتى أنّ قرّر أن يعرّفني على أمّه. إستقبلتني غاده بحرارة مع أنّ الإرتباك كان واضحاً عليّ فكنتُ أخشى تلكَ اللحظة التي كانت بمثابة إختبار لي. شرِبنا الشاي وأكلنا الحلوى وقبل أن أودّعها قالت لي:
- أنتِ منذ الآن بمكانة إبنتي.
وفي طريق العودة قلتُ لنفسي أنّ حياتي مع هذا الرجل ستكون هنيئة. كم كنتُ مخطئة!
بعد أن قضينا شهر العسل في تركيا إنتقلتُ للعيش معه ومع أمّه طبعاً وكانت قد أعطتنا الغرفة الكبيرة وإنتقلتْ إلى أخرى وكانت هذه لفتة لطيفة منها.
ولكن في صباح اليوم التالي وفي تمام الساعة الخامسة إستيقظتُ على صوت غاده:
- هيّا... إنهضي! لدينا الكثير من العمل! هيّا!
- أيّ عمل؟
- حبيبتي... إنتهى شهر العسل ولديكِ واجبات! لم أعُد فتيّة لأقدِر على تلبية طلبات راغب. أصبح هذا دوركِ الآن.
لم أفهم ما الذي قصدَته ب"طلبات" ولكنني نهضتُ رغماً عنّي من الفراش. قادتني إلى المطبخ ووجدتُ جبلاً من الصحون المتّسخة ينتظرني. ثم جاءت وحَزمت وسطي بمريول وذهبَت إلى غرفتها. كدتُ أركض إلى راغب الذي بقيَ نائماً لأشتكي له ولكنني فضلّتُ السكوت وعدم إفتعال مشاكل منذ اليوم الأوّل. وبعد الجلي كانت كومة الثياب التي أمِرتُ بكيّها والغسيل وطبعاً تحضير إفطار زوجي العزيز.
وعندما خرج أخيراً راغب من السرير وجلس على المائدة ليأكل أخبرتُه أنّ أمّه أيقظتني في الخامسة صباحاً وأجبرتني على العمل.قال لي:
- أليسَت إمرأة عظيمة؟ النظام يا حبيبتي... النظام سرّ النجاح!
ثم إبتسمَ وتابع أكله وبعد أن إستحمّ خرج إلى العمل. أمّا أنا فتابعتُ عملي الشاق في المنزل وتلبية طلبات غاده المتواصلة. علمتُ حينها انني كنتُ في نظرهما خادمة جلباها لتريحهما. ولكن الآتي كان أعظم.
يوم بعد يوم أصبحتُ معزولة عن العالم الخارجي فكلّما جاء أحد ليزورني كان زوجي وحماتي يحسسانهم أنّه غير مرغوب فيهم حتى أن فهم الجميع الرسالة. ولم يعد لي أحد سوى هذان الشخصان البغيضين أفعل ما بوسعي لإرضاءهما طوال النهار والليل.
حتى جاء يوم عيد ميلاد صديقتي الحميمة وأردتُ حضور الإحتفال معها ولكن منعني راغب من ذلك قائلاً أن الزوجة المحترمة لا تخرج من البيت من دون زوجها وعندما عرضتُ عليه الذهاب معي رفضَ متحّجّجاً أنه تَعِب. فإتصلتُ بصديقتي لأعتذر وإختلقتُ عذراً لكي لا تعلم بأية حالة أنا. وهنا كانت غلطتي فكان عليّ إخبار أهلي أو أحد ما بما كان يجري بهذا البيت ولكن كبريائي لم يسمح لي. فبعد ذلك النهار لم يعد يُسمح لي بإستعمال الهاتف لأن حسبهما لا داعي لذلك.
ضاقت بيَ الدنيا وكنتُ أقضي الليالي أبكي وأسأل نفسي كيف يحصل هذا لي وأين أخطأت. حتى أن قررتُ الرحيل وترك المنزل الزوجي. ولكن رأتني غاده وأنا أوضّب أغراضي وإتّصلت براغب الذي تركَ عمله ووصل بعد دقائق:
- ماذا تفعلين؟
- أترككَ أنتَ وأمّك... أنا لم أتزوّج لأخدم أحد بل لأعيش مع رجل يحبّني ويحترمني... أصبحتُ كالموظّفة عندكما... أنا راحلة!
وقبل أن أستوعب ما يحصل لي أقعدني زوجي على كرسي وأخذ حبلاً أعطته إيّاه أمّه وحزمني بلحظة. كنتُ أصرخ وأحاول الإفلات ولكن لم أستطع التحرّك. ولم يكتفيا بذلك بل أخذت غادة آلة حلاقة وبينما كان راغب يمسِكُ برأسي قامت بحلق شعري. بكيتُ وهما يذلاّني هكذا لأنني خسرتُ كرامتي وأنوثتي وكياني كشخص.
وبعدما إنتهت قالت لي:
- الآن إرحلي إن كنتِ قادرة!
وفكّت الحبل الذي كان يربطني بالكرسي وتركاني وحيدة أبكي. ومن بعدها أصبحتُ بلا روح وبلا إرادة أنفّذُ الأوامر دون أن أفكّر حتى.
إلى حين بدأ ينمو شعري من جديد ورأيتُ صورتي في المرآة. فقلتُ لنفسي:
- حتّى الشعر عنده أمل أكثر منّي فبعدَ أن جزّوه رفض أن يستسلم ونما من جديد... وأنا أيضاً سأستعيد نفسي!
وبإنتظار الفرصة المناسبة تظاهرتُ بالخضوع. فبقيتُ أسمع الكلمة وأطيعهما وفي داخلي نار تشتعل. وفي إحدى الليالي حين كانا نائمان نهضتُ من السرير ومشيتُ بحذر حتى الباب وهربتُ من سجني.
ركضتُ حافية الأقدام حتى الطريق حيث أوقفتُ أوّل سيّارة وذهبتُ عند أهلي الذين ذهلوا لرؤيتي في ساعة كهذه ولرؤية شعري القصير. أخبرتُهم كل شيء وحلفَ أبي أن يقتلهما على الفور ولكنّني هدّأتُ من روعه لأنّ القانون سيعاقبهما.
وفي الصباح الباكر ذهبنا إلى الشرطة حيث قدّمتُ بلاغ ضدّهما بتهمة الحجز والتعنيف. وعندما ذهبَت الشرطة إلى منزلهما وجدوا الحبل وآلة الحلاقة والشعر الذي إحتفظت به حماتي ربما لتهدّدني به. وبالطبع نكرا كل شيء ولكن كان من الواضح أنّهما يكذبان. قبلتُ أن أسقط حقّي ضضهما إن أعطاني راغب الطلاق وفوراً فقَبِلَ خوفاً من الفضيحة.
عندما أفكّرُ بما حصل لي أشكرُ القدر لإعطائي القوّة اللازمة للفرار فأنا أكيدة أنّني لو لم أفعل لسجناني لباقي حياتي أو فعلا بي ما هو أفظع من ذلك.
حاورتها بولا جهشان