بعَثتُ صوَرًا غير لائقة لذلك الشخص الذي خلتُه يُحبُّني، وتغيّرَت حياتي منذ ذلك اليوم. فكنتُ قَبل ذلك أحسبُ نفسي صبيّة ذكيّة لا يستطيع أحدٌ إيقاعها، خاصّة بهكذا أمور. فمَن منّا لَم يسمَع بعواقب إرسال صوَر مُماثِلة؟ لكن حين تشتغِل العواطِف، يتوقّفُ المنطق والذكاء والدهاء، وعندما نقَع تحت يَد شخص رذيل ومعدوم الأخلاق، نثِقُ به ونستسلِم له. أنا لا أبحثُ عن أعذار، لِذا أرجوكم ألا تقسوا عليّ، لكن احزروا أن تقَعوا كما وقعَت، واعتبِروا مِن قصّتي فقط. إحكوها لبناتكم وجاراتكم وكلّ النساء مِن حولكم أكُنّ صغيرات أم راشدات، فقلبُنا رقيق ويبحثُ دائمًا عن الأمان في الحبّ والعاطفة.
تعرّفتُ على زاهي على الانترنت، ليس على موقع للتواعد، بل على إنستغرام. للحقيقة، لَم أكن أبحث عن الحبّ آنذاك، بل كنتُ فتاة جامعيّة أحبّ أن أكون موجودة كسوايَ "أونلاين"، فهكذا هي أيّامنا. بعثَ لي زاهي بضع كلمات مُثنِيًا على أناقتي في إحدى الصوَر التي نشرتُها عن فرَح أخي، فشكرتُه بتهذيب. بعد ذلك، بدأ يُرسل لي الصوَر الجميلة لمناظر طبيعيّة خلابة أو حتّى أقوال دينيّة عميقة المعنى. بدا لي ذلك الشاب وكأنّه رصين ومُهذّب وتقيّ، ناهيك عن وسامته، الأمر الذي حمَلني على انتظار ما سيبعثُ لي مُجدّدًا. فتصوّرَ لي أنّني، مِن دون أن أقصد، وجدتُ الرجُل الذي سيُصبحُ يومًا زوجي، لكنّني كتَمتُ الأمر عن أيٍّ كان لأتأكّد أوّلًا منه. فلقد قالَ لي زاهي إنّه أيضًا شاب جامعيّ، ويعملُ في الوقت نفسه كبائع في إحدى الشركات التي وعدَته بترقيَته فور تخرّجه، أيّ بعد أشهر قليلة. ما عنى أنّه سيستطيع رسم مُستقبل مع التي سيختارُها قلبه. علِمتُ أنّه يتحدّث عنّي، فامتلأ قلبي بالفرَح. لكنّ صفحته على الإنستا كانت فارِغة، أيّ أنّني لَم أتحقّق مِن الذي قالَه لي، لكنّني لَم أكترِث للأمر، فلماذا يكذبُ عليّ؟ إنتقَلنا إلى التحدّث عبر الواتساب، وبعد فترة فتَحنا كاميرا لنرى بعضنا حقيقةً... وأعترِفُ أنّ زاهي بدا لي أكبَر مِن سنّه بكثير ومُختلفًا عن صورة بروفايله. عندها، إعترَفَ لي أنّها ليست صورته، بل صورة ابن أخته، وعذره كان أنّه خافَ أن أجِدَ فارِق السنّ بيننا كبيرًا ولا أتجاوَب معه. إنتهى به المطاف يتوسّلني بعدَم قطَع الاتّصال به، وعرَضَ عليّ أن نبقى فقط أصدقاء، فقبِلتُ بدلًا مِن حَظره. غبيّة!
فكيف لفتاة بِسنّي أن تتفوّق على رجُل له ماضٍ وخبرة؟ على كلّ الأحوال، حسِبتُ آنذاك أنّني سأتحدّث معه كصديقة فقط، إلّا أنّه عرَفَ كيف يستميل قلبي له بالحديث الجميل والأذن الصاغية والنصائح المُجدية، خاصّة في ما يخصّ مشاكلي اليوميّة مع أمّي التي كانت قاسية جدًّا معي. فلو هي كانت أكثر مرونة وتفهّمًا معي، لأخبرتُها عن زاهي بدلًا مِن أن أُترَك لوحدي معه. ومع الوقت، صِرتُ بالفعل مُتيّمة به.
وأوّل غلطة اقترَفتُها كانت خَلع حجابي أثناء مُحادثتي معه عبر الفيديو، وهو الذي ألحَّ عليّ أن أفعل ذلك، ودارَ بيننا جدال كبير، وأقفَلَ زاهي الخط في وجهي لكثرة غضبه، ثمّ أرسَلَ لي كلمات تقول: "مِن الواضح أنّكِ تتسلّين معي فقط وتوهميني بأنّكِ تُحبّيني، لكن عند أوّل طلَب لي ترفضيني... حسنًا... على الأقلّ عرفتُ مشاعركِ تجاهي. الوداع". وكالبلهاء، إتّصلتُ به مُجدّدًا وخلَعتُ حجابي أمامه. رأيتُ في عَينَيه الفرَح وشيئًا آخَر لَم أستطِع تحديده في تلك الفترة، لكنّني عرفتُ لاحقًا أنّ تلك النظرة كان سببها شعوره بالانتصار والتحكّم بي. بعد ذلك، صرتُ أكلّمه دائمًا مِن دون حجاب عبر الفيديو لأريه كَم أحبُّه. وهو اعتبَرَ ذلك بمثابة ضوء أخضَر لتنفيذ ما في باله في ما يخصّني.
ثمّ تصاعدَت الأمور، خاصّة عندما طلبتُ مِن زاهي أن نلتقيَ شخصيًّا، فكنّا بدأنا نتكلّم قَبل أشهر وكنتُ بحاجة لرؤيته، والتأكّد مِن أنّ علاقتنا ليست "افتراضيّة" وحسب، بل أنّنا سنتزوّج بالفعل كما هو وعدَني. لكنّه بقيَ يؤجِّل ذلك اللقاء مرّة بعد مرّة إلى حين قال لي: "للحقيقة، أنا مُتردِّد والسبب هو أنتِ... أجل، أنتِ. فأنا لا أشعُر أنّكِ تُحبّيني حقًّا، بل أنّكِ تمضين الوقت معي بينما تُتابعين دراستكِ، أيّ أنّكِ تملَئين فراغكِ معي". وأمام استنكاري الشديد، تابَعَ زاهي: "أُريدُ إثباتًا قاطعًا على أنّكِ لي ولي وحدي... فقد تكونين على علاقة مع غيري أيضًا... أثبتي لي أنّكِ امرأتي!". وعندما سألتُه أيّ اثبات هو يُريدُه، قالَ: "أرسلي لي صورة في ملابسكِ الداخليّة". رفضتُ طبعًا وبقوّة، فكيف لي أن أفعَل ذلك؟!؟ إلّا أنّ زاهي توقّفَ عن مُراسلتي وانقطعَت أخباره. بعَثتُ له رسائل كثيرة بلا جدوى، ولَم أعُد قادِرة على النوم أو الدراسة، فهمّي الوحيد كان استرجاع حبيبي الذي لَم أعُد قادِرة على العَيش مِن دونه.
وفعلتُ ما طلبَه منّي، أجل، إلتقَطُّ صورة لي بملابسي الداخليّة، على أمَل أن يُدرِك مدى حبّي له ويعودَ إليّ ونلتقي ونتزوّج. طلَبتُ منه طبعًا أن يحذِفها على الفور، وهو أقسَمَ لي أنّه سيفعَل. كنتُ يافعة ولا خبرة لي في الحياة والناس، بل أؤمِن بالحبّ وبالكلام الجميل والوعود الرومانسيّة.
فرِحَ زاهي لأقصى درجة عند تلقّيه الصورة، وأغرَقني بالغزَل وكلام بالحبّ. لكنّني لَم أحظَ بمُقابلة شخصيّة معه لأعذار عديدة قدّمَها لي. بل عادَ وطلَبَ منّي صورة أخرى، فرفضتُ بِحَزم. عندها هو قالَ لي عبر الفيديو بصوت جِدّي ونظرة لَم أرَها في عَينَيه مِن قَبل: “ستفعلين ما أطلبُه منكِ وإلّا بعَثتُ صورتكِ مِن دون حجاب وفي ملابسكِ الداخليّة لأفراد عائلتكِ وكلّ مَن تعرفينه. فلكثرة غبائكِ، أخبَرتِني كلّ ما أنا بحاجة لمعرفته عنكِ: عنوان سكنَكِ واسم كلّ أفراد عائلتكِ وأين يعمَلون، وعن زميلاتكِ في الجامعة وكلّ ما يتعلّق بهنّ... ستأخذين تلك الصورة شئتِ أم أبَيتِ! هيّا!". بكيتُ وتوسّلتُ إليه لكنّه بقيَ على قراره. أقفَلتُ الخطّ وبدأتُ أفكِّر بالموضوع... لِما لا أقولُ لأهلي عن الذي يحصل وتنتهي المسألة؟ لا! لا! أقولُ لأمّي القاسية أنّ ابنتها بعثَت صورة لنفسها شبه عارية؟!؟ أو لأبي التقيّ أنّني لَم أخلَع حجابي وحسب، بل أرَيتُ جسدي لرجُل ليس زوجي؟!؟ يا لمصيبتي! عندها قبِلتُ مع زاهي على شرط أن يعِدَني بحذف الصورتَين نهائيًّا وعدَم الاتّصال بي على الاطلاق. صدّقتُه وبعَثتُ له صورة لي أيضًا في الملابس الداخليّة، لكن مُستلقية على السرير بوضع غير لائق.
طارَ زاهي مِن الفرَح لكنّه طلَبَ أن أُعيدَ الصورة بوضع مُختلِف فامتثَلتُ. بعد ذلك، غابَ الرجُل لأسبوعَين، وخلتُ نفسي أنّني تخلّصتُ منه أخيرًا. لكنّه عادَ طالبًا المزيد مِن الصوَر... وإلّا!
وأدرَكتُ أنّني عالِقة بدوّامة لا نهاية لها، وأنّ يومًا سيأتي ويطلبُ منّي صوَرًا وأنا عارية تمامًا. يا للإنسان الماكِر ومعدوم الأخلاق! يا إلهي، كيف وقعتُ في شباكه هكذا؟!؟ خلِّصني منه، يا ربّ! أو ابعَث لي مَن يُخلّصني!
وفي لحظة واحدة، خطَرَ ببالي أن أُكلّمِ ابنة خالي، وهي صبيّة عاقِلة وذكيّة. كانت علاقتنا جيّدة لكنّنا لا نلتقي إلّا في المُناسبات والأعياد، لأنّها تسكنُ بعيدًا. أخذتُ الهاتف واتصَلتُ بها، وروَيتُ لها ما يحصل لي وأنا أبكي وأرتجِف مِن كثرة خجَلي وخوفي.
إستمعَت لي قريبتي بصمت ثمّ قالَت: "لن أوبّخَكِ فهذا ليس مِن شأني، بل سأساعدُكِ. لأنّ مِن واجبي مُساندتكِ في محنتكِ. أظنّ أنّ هذه الأمور تحصل كثيرًا لكنّها تبقى طَي الكتمان، فالمُفترسون كثيرون ويستعملون أساليب مُختلِفة لِنَيل مرادهم. أظنّ أيضًا أنّ ذلك السافِل يُتاجِرُ بصوَركِ ولستِ ضحيّته الوحيدة، وعلينا إيقافه ليس فقط مِن أجلكِ لكن مِن أجل غيركِ أيضًا. أعطِني بعض الوقت".
كلّمَت ابنة خالي زوجها، قائلة إنّ إحدى صديقاتها واقِعة في مأزق، وهو وجَدَ مَن يعرفُ أحدًا في قسم الجرائم المعلوماتيّة ويستطيع أن يطلبَ منه ألّا يذكُر اسم الصديقة في تقريره لدقّة الموضوع.
إتّصلَت بي قريبتي بالمعلومات التالية: عليّ إقناع زاهي بتلقّي الصورة عبر البريد الإلكترونيّ وليس الواتساب لأنّه مُشفَّر. ثمّ أعطَتني عنوان بريد عليّ استعماله وكأنّه لي، وطمأنَتني بأنّني لن أُرسِل له أيّة صورة، بل فقط رابطًا. فإن نقَرَ عليه، سيوصِله بِموقع وهميّ أعدَّه قسم الجرائم المعلوماتيّة. فلَن يعرفَ أحد مَن أنا ولن أضطّر لِبعث أيّ صورة.
رفضَ زاهي أن يتلقّى صورتي عبر الإيميل، لكنّني أقنعتُه بأنّ لا خيارَ له، فأُريدُ أن أحميَ نفسي بعدَم استعمال الواتساب، فقد يقَع هاتفي بيَد أحدٍ ما ويُفضَح أمري. فعادَ وقبِلَ معي لكنّه استغرَبَ وجود الرابط في الرسالة. عندها قلتُ له ما أملَته عليّ قريبتي، وهو أنّني حمَّلتُ الصورة على موقع آمِن يُحافظ على سرّيّة هويّتي. ووقَعَ زاهي في الفخ، إذ بدخوله الموقع الوهميّ، إستطاعَ قسم الجرائم المعلوماتيّة معرفة عنوانه الأي بي، أيّ رقم فريد لكل مُستخدِم للإنترنِت. بعد ذلك، إستغرقَ الأمر ساعات قليلة لمعرفة التفاصيل اللازمة عنه، وحتّى أين هو موجود.
تمَّ القبض على زاهي، وبعد التفتيش في هاتفه وحاسوبه المحمول، تبيّنَ أنّه يستغِلّ صبايا عديدات للحصول على صوَر إباحيّة يبيعُها لرِجال يهوون أمورًا كهذه. ولأنّ هناك ضحايا غيري، لَم يستوجِب استدعائي، بل بقيَت هويّتي سرّيّة. على كلّ الأحوال، إعترَفَ زاهي بكلّ شيء عندما أدرَكَ أنّ لا فائدة مِن النكران، بل مِن مصلحته التعاون مع السلطات، ودخَلَ السجن. تمَّ حذف كلّ الصوَر الخاصّة بي وبسائر الفتيات الأخريات، ولوحِقَ الذين اشتروا الصوَر مِن زاهي.
كيف أصِفُ لكم مدى ارتياحي لدى سماعي ما حصَلَ مع زاهي؟ فليس هناك مِن كلمات تُعبِّرُ تمامًا عن شعوري. بكيتُ كثيرًا وشكَرتُ ربّي وابنة خالي، ودعَوت بالتوفيق لكلّ شخص ساهَمَ بتوقيف ذلك الوحش. لِمتُ نفسي طبعًا، ولِمتُ أهلي لأنّهم ليسوا قريبين منّي كفاية لأعتبرهم سنَدًا لي.
تعلّمتُ الكثير مِن تجربتي الأليمة، تعلّمتُ ألّا أُصدِّق أيّ كلام، بل أن أحفَظَ تفاصيل حياتي الخاصّة لنفسي، وألّا أفعَل ما هو خطأ مِن أجل أيّ كان. فلو أحبَّني زاهي حقًّا، لحافَظَ عليّ بدَلًا مِن أن يحمِلني على فعل ما هو مُسيء لسُمعتي وشرَفي. تعلّمتُ أيضًا أنّ أكون صديقة لأولادي المُستقبليّين، ليأتوا إليّ عند الحاجة، وليشعروا بأنّهم بأمان معي مهما حصَلَ لهم. وتعلّمتُ أنّ الحبّ جميل حين يكون نظيفًا وعفيفًا، ولستُ خائفة مِن الحبّ، بل صرتُ أعرفُ كيف أختار شريك حياتي لاحقًا. لقد نجّاني الله مِن الأفظَع، لكن كَم مِن صبيّة وامرأة هم ضحايا هكذا رجال؟
حاورتها بولا جهشان