إذا رأيتموني، لن يخال لكم أبداً أنّني رجل معنَّف. فأنا طويل القامة وقويّ البنية وأشغر مركزاً مرموقاً في مصرف كبير. ولكن المظاهر غشّاشة ومفهوم الرجولة المغلوط يمنعُني من التكلّم. عندما تزوّجتُ من جيهان، كنتُ أعلم أنّ شخصيّتها قويّة وأظنّ أنّ ذلك كان أحد الأسباب التي دفعتني على إختيارها. أحببتُها كثيراً وأردتُ إظهار حبّي لها بشتّى الطرق، أي بمعاملتها وكأنّها ملكة. وككل الناس، كنّا نتشاجر ولكن بعد ولادة ولدنا أصبحَت جيهان عنيفة معي. في البدء عمِلَت على إيذائي نفسيّاً بالقول أنّني لا أجيد إبساطها جنسيّاً لأنني فاشل بكل شيء أفعله. حزِنتُ كثيراً، فأعتقدتُ أنّها كانَت سعيدة معي وأنّني ألعب دوراً فعّالاً كزوج وحبيب. حاولتُ التكلّم معها بالموضوع ولكنّها صدّتني:
- كم أنّكَ مثير للشفقة... لستَ رجلاً... لا أدري كيف تزوّجتكَ... أرجو ألا يصبح إبننا مثلكَ وإلا قتلتُه!
وأمام هكذا جواب، فضّلتُ طبعاً إقفال الموضوع والإنتظار حتى يزول غضبها. ولكن الأمور كانت في بدايتها. أصبح دوري يقتصر على إعطائها المال ودائماً المزيد منه وكأنّه لم يعد يكفيها شيء. ولكي ألبّي رغباتها العديدة، بدأتُ أعمل في المساء كمحاسب لشركة خاصة. وعندما أعود إلى البيت بعد يوم طويل وشاق، كانت تنتظرني على الباب ويدها ممدودة قائلة:
- هات ما في جيوبكَ!
بتُ أسأل نفسي أين أخطأتُ معها، فكانت إنسانة لطيفة ومحبّة وللحقيقة لم أجد تفسيراً لتصرّفاتها القاسية. حتى أن إنتقلَت الأمور إلى درجة أعلى من العنف. في ذات نهار، كنتُ جالساً في المطبخ أقرأ تقريرات حسابيّة، حين دخلَت عليّ ونظرَت إليّ بغضب وصرخَت فجأة:
- أنتَ جالس هنا وأنا منهمكة بالطفل؟ أنا لم آتِ به لوحدي! تعبتُ منكَ ومن كسلكَ!
- ولكنني أعمل أنا أيضاً!
- أتجادلني؟
وأخذَت مقلاة وضربتني بها على ظهري. كان الألم شديد، لدرجة أنّني وجدتُ صعوبة بالتنفس وقبلَ أن يتسنّى لي إستيعاب ما حدَث كانت قد خرجَت من المطبخ. في المساء ونحن في السرير، بدأَت تقبّلني بحنان ومارسنا الحب كالسابق وتغاضيتُ عمّا فعلَته. ولكن في الصباح عادَت زوجتي إلى طبعها الشرس وأسفِتُ لأنني لم أعالج الأزمة بفعاليّة. وبعد أيّام قليلة، سمعتُها تصرخ على إبننا لأنّه يبكي، فحاولتُ التدخّل. إستدارَت وأخذَت المكواة التي كانت موصولة بالحائط ووضعَتها على يدي مُحدثة حرقاً كبيراً بها. ركضتُ إلى الحمّام لوضع الماء على الحرق وعندما عدتُ وجدتُها تحضّر الأكل. قلتُ لها:
- أنتِ مجنونة! أنظري ما فعلتِ!
- قلتُ لك أنّك جبان... هيّا إبكِ... هيّا! إنّه حرق بسيط... أنتم الرجال كالأطفال!
- حرق بسيط؟؟؟ عليّ الذهاب إلى المستشفى للمعالجة!
- إذهب... ولا تنسى أن تقول لهم أنّ زوجتك فعلَت هذا بكَ... سيضحكون كثيراً أيّها البطل!
في تلك اللحظة، خطرَ على بالي أن ألقّنها درساً لن تنساه ولكنّني كنتُ متأكّداً أنّها ستقلب الأمور لصالحها وسأبدو أنا كالجاني، فسكتُّ وقررتُ عدم الذهاب لمعالجة يدي خوفاً من العار. كانَت محقّة فالرجل المعنّف أضحوكة المجتمع. وعندما حلّ موعد النوم جاءَت جيهان كما في المرّة السابقة لتقبّلني ولكنّني رفضتُ وأزحتُها عنّي. ويا ليتني لم أفعل! جلسَت على السرير وفتحَت عينيها بي وقالَت:
- لن تنام هنا الليلة... خذ وسادتكَ وإذهب إلى الصالون.
وذهبتُ لا لأنّها أرادَت ذلك، بل لتفادي شجار كبير قد يوقظ الجيران. لم أكن أريد أن يعلم أحد بما يجري، لأنّني كنتُ أتأمّل أن تكّف زوجتي عن إهانتي وإيذائي وأن نستعيد حياتنا السابقة. ومنذ تلك الليلة لم تسمَح لي جيهان بالنوم في السرير وأصبحَت الأريكة مكاني الليليّ. ثمّ مرَّت فترة هدنة لم أعرف سببها، فتخيّلَ لي أنّها هدأَت ولكنّني كنتُ مخطئاً. كانت تحضّر لما هو أعظم لأنّني كنتُ قد نسيتُ موعد عيد ميلادها وكانت مستاءة منّي جداً وقررَت طبعاً أنّ عليّ دفع ثمن تلك الغلطة العظيمة. وبينما كنتُ أستحمّ في الصباح، فتحَت عليّ الستار وبدأَت تضربني بواسطة عصا المكنسة. كانت عينيّ مليئة بالصابون وشعرتُ بألم فظيع في كل أنحاء جسمي وبدأت بالصراخ. وعندما فتحتُ عينيّ أخيراً رأيتُها والعصا بيدَيها ونظرة الجنون على وجهها وقالت لي عندما سقطتُ أرضاً:
- أظنُّ أنّك لن تنسى عيد ميلادي بعد الآن. هيّا إنهِ حمّامكَ عليكَ الذهاب إلى العمل!
أعترف أنني بكيتُ. لم أبكِ منذ سنين طويلة وآخر مرّة كانت عندما كنتُ في المدرسة. بكيتُ لأنّني أدركتُ أنّ حياتي أخذَت منعطفاً مؤلماً وأنّني لن أستطع الخروج من هذه المصيبة لأنّني كنتُ أخاف على إبننا منها، فإذا تركتُها ورحلتُ كانت ستصبّ غضبها عليه وإذا طالبتُ بالحضانة سأضطرّ على البوح للجميع أنّ زوجتي تضربني. أنا لستُ جباناً ولستُ معدوم الرجولة بل دخلتُ دوامة جهنميّة لا مخرج لها. وبعد هجومها الوحشيّ عليّ لبستُ هدومي وتوجّهتُ إلى المصرف. وعندما سألني زملائي لماذا أمشي وأتحرّك بصعوبة أجبتُهم:
- ضربَتني... سيّارة... ولكنني بخير.
وبعد ذلك النهار لم أعد أقاوم جيهان وتركتُها تفعل بي ما تشاء وكأنّني لعبة في يديها. وهكذا زادَت قوّة وشراسة، خاصة بعدما نجحَت على عزلي عن أصدقائي وعائلتي. جعلَتني أقول لهم أنّه غير مرغوب بهم في بيتنا ووجدتُ نفسي لوحدي معها وبرأسي همّ واحد: ألا تؤذي الولد. فأنا كنتُ قادر على تحمّل الضربات، أمّا هو فكان طفلاً صغيراً. لا أخفي أنّني حاولتُ مرّة إبلاغ السلطات ولكنني تراجعتُ خوفاً من الفضيحة. تصوّرتُهم وهم يضحكون عليّ وينظرون إلى بعضهم بسخرية لأنّهم لا يعلمون أنّ المرأة يمكنها أن تكون شرّيرة كالرجل وربّما أكثر. وأظنّ أنّ الأمور كانَت ستصل إلى حدّ خطير جداً لولا ذلك الجار الذي أنقَذني. كنتُ ذاهب ذات صباح إلى عملي وكان الشجار بيني وبين جيهان قد بدأ حول الأطباق التي لم أغسلها جيّداً، حين ركضَت إليّ وأنا واقف على السلالم ودفعَتني بكل قواها إلى الأسفل وهي تصرخ:
- إلى متى سأتحمّل كسلكَ؟!!
وسقطتُ علو طابقَين وفقدتُ وعيي ولم أستفيق إلا في المستشفى ووجدتُ طبيب بقربي وأشخاص آخرين. رأيتُ جاري يقول لهؤلاء الأشخاص:
- أنا جئتُ به إلى هنا... دفشَته... نعم قصداً... وقالَت له... من الواضح أنَّها أرادَت قتله...
ثم خرَجَ الطبيب والجار وبقيَ المفتّشين وبدأت الأسئلة. أجبتُهم:
- سقطتُّ... لم يدفشني أحد...
- سيّدي... الطبيب قال لنا أنّه وجَدَ آثار قديمة على جسدكَ تدلّ على تعنيف مستمرّ.
- هذا كذِب!
- سيّدي... أنتَ وحدكَ، يمكنكَ وضع حدّاً لما يحدث... لا تفوّت هذه الفرصة... إطمئنّ... لستَ الرجل الوحيد الذي تعنّفه زوجته ولدينا ما يكفي لنوقفها عند حدّها... قدّم شكوى ضدّها وسنهتمّ بالباقي.
ولكنّني رفضتُ. لم أكن مستعدّاً أن يعلمَ الجميع بما يحصل لي خاصة في مكان عمَلي. وعندما علِمَت جيهان أنّ الشرطة إستجوبَتني، خفّفَت من أيذائها الجسديّ لي خوفاً من العواقب ولكنّنها إستمرَّت في إهانتي يوميّاً. وكل ما تبقّى لي اليوم هو الإنتظار حتى يكبر إبني لكي أرحل.
حاورَته بولا جهشان