كبرتُ في مجتمع يقبل لا بل يشجّع الفتاة على الزواج من رجل أكبر منها سنّاً حتى لو بسنوات عديدة لذا لم أرى مانعاً لأقبل دعوة سعد إلى الغداء. كنتُ في العشرين من عمري أمّا هو فكان قد بلغ الخمسين. ما أعجبني به كانت ثقته بنفسه والنجاح الإجتماعي الذي بلغه وكان هذا يعني شيئاً واحداً: أنّه سيتمكّن من إعطائي حياة هنيئة ورعاية متينة. ولكن ما لم أحسب له حساب هو البعد الذي يولّد هكذا فرق في العمر من ناحية الأهداف والرؤية وطريقة التفكير. فبالواقع لم يجمعني به شيء.
وتزوّجتُ من سعد والكلّ هنّأني على إختياري له وهو كان فخوراً أن يكون قد حصل على فتاة شابة وجميلة مثلي. وبعد حفلة الزفاف الصاخبة وشهر العسل المدهش عُدنا إلى بيتنا لنبدأ حياتنا الزوجيّة معاً. وفور وصولنا أطلعني زوجي على "القواعد" التي عليّ إتباعها إذا كنتُ أريد أن أكون سعيدة معه. فلم يكن مستعدّاً لأن يغيّر شيئاً في طريقة عيشه وكان عليّ أنا أتأقلم معه. فعلِمتُ أنني سأكون مجبرة أن أذهب معه إلى جميع المناسبات الإجتماعيّة أمّا هو فلا، خاصة إذا كان لديه عمل. ولم يكن مقبولاً أن أخرج من دونه وإذا كان لديّ أصدقاء فمن المستحبّ أن تكون صديقات وأن تأتينَ هنّ إلى المنزل بدلاً من أن أذهب أنا إليهنَ. وبالنسبة إلى الأعمال المنزليّة فكان هناك من يساعدني ولكن عليّ الإشراف على كل شيء خاصة على قائمة الطعام التي سيعطيني إيّاها سعد كل صباح. أما النقطة الأخيرة فكانت تُعنى بالعلاقات الحميمة بيننا فعليّ تلبية رغباته جميعها حينما يشاء دون أن أتحجج بصداع أم تعب وكنتُ ملزمة أن أعطيه وريثاً وليس وريثة خلال سنة.
عندما سمعته يتلي عليّ كل هذه "القواعد" ضحِكتُ لأنني خلتُه يمزح ولكنه صرخَ بي:
- ما بالكِ تبتسمين؟ أنا جديّ ومن المستحسن أن تنفذّي هذه الشروط!
عندها علمتُ أنني تزوّجتُ من رجل مريض نفسيّاً وأنّ أمامي خيارين: الرحيل أم الخضوع. وبما أنني كنتُ صغيرة ومن دون خبرة بقيتُ على أمل تغيير الأمور. ولكن ما من أحد يستطيع التأثير على رجل متمرّس في الخمسين من عمره.
وعشتُ سعادة مزيّفة أرقص في السهرات مع زوجي العزيز، أضحك وأبتسم أمام الناس، وعندما نعود إلى البيت أخضع لرغباته الجنسيّة ثم ينام دون أن ينظر حتى إليّ. وبالرغم أننا كنّا نمارس الجنس يوميّاً فلم أحمل وطبعاً ألقى اللوم عليّ. وعندما عرضتُ على سعد أن نذهب إلى الطبيب سويّاً لنجري فحوصات قال لي:
- إذهبي لوحدكِ فأنا رجل بكل معنى الكلمة! الخطأ منكِ فقط!
وفعلتُ كما قال ولم يجدوا أي خطب عندي ولكنني لم أجرؤ على إخباره أنّه السبب في عدم إنجابي لكي لا يصبّ غضبه عليّ.
مرّت سنتين على هذا النحو وبدأت الدنيا تضيق بي فلم يكن هذا ما حلمتُ به عندما كنتُ مراهقة وزواجي من سعد لم يجلب لي السعادة فبالرغم من ماله ومكانته الإجتماعيّة كانت أيّامي فارغة لا طعم لها. كانت هذه حياتي حتى أن إلتقيتُ بِمازن. فرغم إنقطاعي التام عن صنف الرجال إستطاع هذا الشاب الوصول إلى حياتي بأغرب الصدف.
كنتُ خارجة من عند مصفف الشعر عندما صدمتني سيّارة وأرمتني أرضاً. ترّجل السائق وركض ليرى إن كنتُ بخير. وعند رؤية رأسي المدمّم أصرّ أن يأخذني إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة. وبقيَ معي مازن حتى خرج الطبيب وطمأنه عن حالتي. وفي طريق العودة طلب رقم هاتفي ليتمكّن من متابعة حالتي. لم يخطر ببالي أبداً أن هذا الحادث سيكون له تأثير على حياتي كلّها لأنني لم أنظر إلى مازن وكأنّه رجل بل إنسان لطيف ومحبّ. وربما هذا ما جزبني إليه وجعلني أفكّر به بإستمرار وأنتظر إتصالاته الهاتفيّة بفارغ الصبر.
وأغرمتُ به لأنّه كان يشبهني وكنّا نتقاسم أشياء كثيرة كالأغاني والروايات والأفلام وذكريات جيل واحد. وأصبح مازن النور الوحيد في آخر النفق وعلمتُ في قرارة نفسي أنني لن أحبّ سواه. ولكن ما من أمل فزوجي لم يكن مستعدّاً أبداً ليتخلّى عني فصورته الإجتماعيّة كانت تهمّه جداً وكوني قد خضعتُ له ونفذتُ جميع "قواعده" جعل مني ضحيّة مثاليّة لا بديل لها. فوضعتُ حبّي لمازن بخانة الإستيحالات والأحلام لأتابع حياتي البشعة مع سعد. إنتظرني حبيبي سنة كاملة وحين رأى أن لا شيء يحدث أو سيحدث فضّل الرحيل إلى بلد آخر بعيداً عن كل شيء يذكّره بي وبدأ حياة جديدة.
أمّا أنا فإنهرتُ كليّاً عندما فقدتُ حبّي وأصبحَت أيّامي كلّها متشابهة من دون أولاد ومع زوج لا يعيش إلا لنفسه. ولكثرة إكتآبي لم أعد أذهب مع سعد إلى أي مكان ولم أعد أطيق أن يلمسني فبدل أن يبحث عن طريقة لإسعادي وإعادة البهجة إلي روحي قرّر بكل بساطة أن يتخلّص منّي. فلمَ يبقيني طالما لم أنجب له حتى ولداً! وهكذا طلّقني. سعدتُ جدّاً عندما إسترجعتُ حياتي وأوّل شيء فعلتُه هو البحث عن حبيبي مازن ولكنني لم أجد له أثراً. كانت قد إنقطعَت أخباره بعد رحيله بفترة قليلة وحتى أهله لم يكونوا على علم بمكانه رغم أنّهم حاولوا التفتيش عنه بكل الوسائل الممكنة. وها أنا اليوم أنتظر إشارة ولو بسيطة تمكّنني من العثور عليه ولن أهدأ حتى أجده.
حاورتها بولا جهشان