قد يبدو من غير البديهي زيارة مدينة غنية ثقافياً مثل الرياض، وقضاء فترة ما بعد الظهر في منطقة صناعية ولكن، ضمن مجموعة من العنابر التي تمّ تجديدها في مدينة الدرعية التاريخية، سوف تكتشف حيّاً جديداً متلألئاً يقف شامخاً كمنارة للتعبير الفنّي ـ حي جاكس.
الكشف عن تاريخ حي جاكس
تأسّس الحي في الأصل كموقع صناعي عام ١٩٧٥، وأصبح منذ ذلك الحين القلب النابض للمدينة التاريخية، مع التركيز على رواية قصّة التطوّر الصناعي في المملكة. منذ عام ٢٠٢١، تطوّر جاكس ليصبح مجتمعاً مزدهراً من الفنّانين والصناعات الإبداعية والمؤسّسات الثقافية. وهو ينمو بشكلٍ كبير، حيث يجتاح المزيد من المستودعات ويجذب المواهب العالمية إلى محيطه.
يُعدّ حي جاكس، في جوهره، بمثابة احتفال بالفنّان الكامن بداخلنا جميعاً، وهو شعور تردّد صداه في حملة تشويقية حديثة على مستوى المدينة حوّلت شوارع الرياض إلى معرض للجداريات واللوحات الإعلانية التي تحمل عبارات "أنا الفنون" و"أنا الإلهام" و"أنا جاكس". فبدءاً من الفنّانين والمعارض المشهورة وصولاً إلى دور الإنتاج والوكالات الإبداعية، وفّر الحي نظاماً بيئيّاً للفنّانين، وقرّب بينهم حسّيّاً ممّا يعزّز التعاون والاتصالات الجديدة والمثيرة. إنّه شهادة على النهضة الثقافية المزدهرة التي تحدث في الرياض، وتدعمها وزارة الثقافة السعودية، والتي تهدف إلى جذب ١٥٠ مليون زائر من خلال تعزيز العروض الثقافية والسياحية.
من الفنّ إلى الموسيقى وما وراءها
يُعدّ متحف المملكة العربية السعودية للفنّ المعاصر (SAMoCA) من بين المعارض الفنّية الحديثة التي تعتبر الآن جاكس موطناً لها. وباعتباره أول متحف في البلاد مخصّص للفنّ الحديث، فإنّه يعد ببدء حقبة جديدة من تقدير الفنّ في المملكة، مع مهمّة تمكين الفنّانين من المنطقة مع العمل كمنصّة للمواهب المحلية والعالمية. يستكشف معرضه الأخير "في الليل" ـ الذي يستمرّ حتى ٢٠ مايو ـ رمزية العالم الليلي، ولا سيما ارتباطاته بالغموض والاستبطان والخيال. يقدّم المعرض أعمالاً لأكثر من ٣٠ فنّاناً عالمياً، ويستكشف الموضوع من خلال مجموعة متنوّعة من الوسائط، بما فيها النحت، والتركيبات الغامرة وأعمال الفيديو، وكلّها تتعلّق بالليل بطرقٍ مختلفة.
من بين المساحات الإبداعية الأخرى التي احتضنت جاكس هي The Aimes، وهي شركة تجربة فنّية ديناميكية تساعد في تنظيم بعض أهمّ المشاريع والفعاليات في المنطقة، بما في ذلك "بينالي الفنون الإسلامية"، و"نور الرياض"، بالإضافة إلى مجموعة من الفعاليات الخاصة بالموقع داخل "مرايا في العلا". وفي الوقت نفسه، قامت MDLBeast، المعروفة بمهرجانها Soundstorm الموسيقي الرائد، بتوسيع عروضها من خلال إطلاق Beast House، وهو نادي جديد للأعضاء فقط في جاكس. يهدف هذا المركز المبتكر إلى تنمية العلاقات داخل صناعة الموسيقى مع توفير مساحة إبداعية للموسيقيين لصقل مهاراتهم. تشمل هذه التسهيلات العالية التقنية غرفة إنتاج واستوديو تسجيل، مع مساحة متاحة لجلسات الموسيقى الحية وفعاليات التواصل والمزيد.
ملاذٌ جديد للمعارض وفنّ الطهو
اجتذب حي جاكس العديد من المعارض المحلية ذات السمعة الطيبة. افتتح معرض ATHA، وهو معرض فنّي معاصر رائد في جدة والعلا، مساحته الثالثة في فبراير ٢٠٢٤. ويستمرّ حتى ٢٠ مايو معرض The Ground Day Breaks ـ وهو معرض فردي لمهند شونو الذي يتناول القضايا البيئية والاجتماعية والسياسية الملحّة من خلال استخدام رمل المسبك الأسود المستصلح، وهو منتج ثانوي صناعي مهمل. كما انتقل "حافظ غاليري" و"استوديو ناصر التركي" و"استوديو نورا بن سعيدان" إلى مستودعات قريبة.
أينما يستقرّ الفنّانون، يتبعهم آخرون، وأصبح حي جاكس الآن مركزاً ليس فقط للفنون، ولكن أيضاً للمطاعم والمقاهي الإحترافية، حيث AOX و Archi & JAX وحفنة من المطاعم الأوائل المستعدّة لإشباع تكاثر الزائرين القادمين إلى المكان سيراً على الأقدام.
بينالي الدرعية للفنّ المعاصر لعام ٢٠٢٤
وبما أنّ حي جاكس يستضيف "بينالي الدرعية للفنّ المعاصر لعام ٢٠٢٤" حتى ٢٤ مايو، فإنّ تحوّله قد تمّ توقيته بدقّة. يضمّ هذا الحدث التاريخي ٩٢ فنّاناً من ٤٣ دولة، ومن المتوقّع أن يعزّز سمعة جاكس كمركز فنون نابض بالحياة وديناميكي، يجذب عشّاق الفنّ والتجّار وأمناء المعارض والمقيمين الفضوليين الذين يتوقون لاستكشاف هذه النقطة الثقافية الساخنة الجديدة ـ مكان حيث وجد الإبداع له أخيراً، وطناً دائماً وترحيبيّاً.