قبل البدء بقصّتي، عليّ الإعتراف بأنني تزوّجتُ من مازن بسبب مالِه. أعلم أنّ هذا أمر لا يجب الإفتخار به ولكنّها الحقيقة. فلم يجذبني به شيء آخر. لم يكن وسيماً أوجذّاباً ولم يتمتّع حتى بحسّ الفكاهة. هو إنسان لولا ماله لم يكن ليجد أحداً قربه.
تعرّفتُ إليه عند أصدقاء لي وفي البدء إنزعجتُ كثيراً من ثرثرته وحركاته المبتذلة. وعندما قالوا لي أنّه أبدى لهم رغبته بأن يراني مجدداً صرختُ:"لا! هذا لن يحصل أبداً". ولكنّهم أقنعوني به كونه ثريّ جداً ويعلم كيف يوزّع ماله على من يرضى عليه. وبما أنني كنتُ حينها في ضائقة ماليّة، قلتُ لنفسي أنّه ليس هناكَ من ضرر إن حاولتُ إستيعابه. فقبلتُ أن أشربَ معه القهوة. جاء إلى الموعد محمّلاً بالزهور وضحكتُ كثيراً لكثرتها. جلسنا وتكلّمنا لمدّة ساعة ولم يكن الأمر بالصعوبة التي تخيلتها. وقبل أن أغادر دعاني إلى العشاء في اليوم التالي في مطعم فخم جداً كنتُ قد سمعتُ به ولم أحلم أن أذهب يوماً إليه. فقبلتُ دعوته وباتَ لي همّ وحيد: ماذا سأرتدي إلى ذلك العشاء فأنا لم أكن ثريّة مثله وثيابي كانت جدّ عاديّة لا تليق في مطعم كهذا. فذهبتُ عند صديقة لأستعير منها ما ألبسه.
وحين دخلتُ المطعم مع مازن أُبهر الناس بجمالي وأناقتي وأنا بدوري أُبهرتُ بالمكان. وفي تلك اللحظة إبتسمتُ لأنني كنتُ سأعيش حلم كل فتاة وكنتُ سأنتصر على القلّة التي ترعرعتُ فيها. وبعد فترة من مواعدته، قرّر أنّ يقدّم لي سيّارة فخمة وطلبَ يدي للزواج. ورغم أنني كل تلك الفترة لم أستطع أن أحبّه قبلتُ عرضه متخيّلة نفسي أقود تلك المركبة العصريّة والجميلة. أقام لي مازن حفل زواج رائع ظهرَت صوره في المجلات وكانَ شعوري لا يوصف حتى أن إنتهت المراسم ووصلنا إلى باريس لقضاء شهر العسل. فكان عليّ القيام بواجباتي الزوجيّة وكانت لحظات صعبة جداً كوني لا أشعر تجاهه بأيّ مودّة. وفعلتُ ما عليّ معتقدة أنني سأعتاد على الأمر ولكنني لم أستطع تقبّله بتاتاً وأثناء ممارستنا للجنس وبدل أن أستمتع بلمساته كنتُ أركّز على أمور أخرى لكي لا أفكّر بما يفعله لي. أمّا هو فكان ممنوناً بعلاقتنا ولم يخطر على باله أبداً أنني كنتُ أخشى اللحظة التي نكون فيها سويّاً في السرير. وعندما كنتُ أجتمع بصديقاتي المتزوّجات وأسمع أخبارهنّ الحميمة وكيف كنّ تستمتعنّ بحياتهنّ الزوجيّة كنتُ أشعر بمرارة وأعزّي نفسي قائلة:"على الأقلّ عندي كل المال الذي أريده".
ولكن سرعان ما أدركتُ أنّ المرء يمكنه أن يخسر كل شيء بسرعة فائقة. فبعد سنتين على زواجنا وقع مازن ضحيّة الوضع الإقتصادي المتردّي وفقد إستثماراته الواحد تلو الآخر حتى أنّه لم يعد عنده سيولة. فبدأ يبيع ممتلكاتنا من شقق وأراضي بسعر متدنّي لكي نحاول متابعة حياتنا كالسابق ولكن بدأ المال يجفّ والأصدقاء تبتعد ومصداقيّته في السوق لم تعد كما كانت. وأثناء ذلك تعكّر مزاج زوجي فباتَ لا يُطاق أبداً وبدأنا نتشاجر كثيراً خاصةً بعدما قالَ لي أنّ عليّ التخلّي عن مجوهراتي وسيّارتي. هنا طفح كيلي. كنتُ أعلم أنّه إذا فُقد المال ستكون حياتي بمثابة جحيم مع إنسان لا يعني شيء لي وسيكون الأمر كما في المثل الشعبي: "إذا أخذتَ القرد على ماله، ذهبَ المال وبقيَ القرد". وبقيَ مازن من دون الذي جعله مقبولاً بالنسبة لي وأصبحتُ أشمئزّ منه لدرجة أنني إنتقلتُ إلى غرفة أخرى وإرتحتُ من همّ واجباتي الزوجيّة. حتى أنني فكّرتُ جديّاً بتركه فما نفع بقائي معه إذا أصبح فقيراً؟ لو أردتُ رجلاً فقيراً لإخترتُ أحداً أحبّه على الأقل.
وفي ذاك نهار جاء مازن إلى غرفتي بقصد إقامة علاقة معي وأمام رفضي القاطع قال لي:
- لم تمانعي عندما كان عندي المال وكنتُ أشتري لكِ الأشياء الجميلة!
- هذا ما يحصل عندما تشتري زوجة فأنتَ لطالما علمتَ أنني لا أحبّكَ ورغم ذلك تزوّجتني. والآن فقدتَ كل مقتنياتكَ بما فيها أنا!
- أنا لم أشتري حبّكِ... بل تمنّيته... علمتُ طبعاً أنّ الطريقة الوحيدة لأبقيكِ معي هي المال ولكنني كنتُ آمل دوماً أن تريْ فيّ الإنسان بدل المحفظة. وعملتُ جهدي لأثبتَ لكِ حبّي ولكن دون جدوى. أعلم أنني لا أستطيع خلق مشاعر عندكِ أو عند أحد ولكن عليكِ إحترامي على الأقل. تتهمينني أنني إشتريتكِ ولكنني لم أكن لأنجح إن لم تكوني للبيع. كل ما أريده منكِ هو أن أشعر بأنّكِ إلى جانبي في هذه المرحلة الصعبة فلا تنسي أنني خسرتُ جنى عمري كلّه.
وخرجَ من الغرفة وأدركتُ حينها كم كنتُ قاسية معه وأنّ رفضي الكليّ له جعلني أنسى إنسانيّتي. فهو لم يؤذيني يوماً بل عمِلَ ما بوسعه ليسعدني أمّا أنا فلم أفعل شيء بإستثناء إقامة العلاقات الجنسيّة معه. كان بإستطاعته الحصول على هذا وأكثر من أيّ إمرأة غيري ولكنّه إختارني أنا بالذات لأنّه أحبّني. كنتُ أظنّ أنني مُفضِلة عليه لأنني جميلة وقبلتُ الزواج به ولكن الحقيقة كانت أنّه هو الذي حسّن أوضاعي وأعطاني فرصة لأعيش بكرامة وأحقق جميع أحلامي.
وبلحظة واحدة رأيته جميلاً ووسيماً وأدركتُ أنّه بحاجة ماسة إليّ. ركضتُ إلى غرفته وفتحتُ الباب عليه لأجده يبكي بصمت. أخذته بين ذراعيّ وهمستُ بأذنه:
- أنا هنا ولن أذهب إلى أيّ مكان... وسنواجه كل شيء سويّاً... حبيبي.
حاورتها بولا جهشان