"لقد أدركت "فريدا" أنّه بإمكاننا تغيير هويتنا من خلال طريقتنا في ارتداء الملابس. فاختيارنا للملابس يُحدّد عالمنا ويعكس الصورة التي نودّ أن نُظهرها للآخرين يومياً. وعن طريق اختبار الإطلالات المختلفة، أجرت تحوّلات في نفسها، ممّا يُلخّص، بالنسبة إليّ، القوّة الحقيقيّة للأزياء" - ماريا غراتسيا كيوري.
عندما حضرت ماريا غراتسيا كيوري مع فريق عمل Dior بأكمله إلى مكسيكو سيتي في شهر مايو لتقديم مجموعة Cruise لعام ٢٠٢٤، أثار العرض ردود فعل متنوّعة. ومع ذلك، ترك انطباعاً قوياً في قلوب الجميع، ونحن الذين حظينا بفرصة الحضور نؤكّد أنّها كانت تجربة ستبقى محفورة في الذاكرة.
كانت اللحظة مثيرة، دراماتيكيّة، ومؤثّرة جدّاً. وفي تلك الليلة بالذات، هطلت الأمطار بغزارة. لمدة عشرين دقيقة تقريباً، واصلت العارضات المشي تحت قطرات الماء المتساقطة، ممّا أضفى لمسة شاعريّة إلى المكان حيث التقت "فريدا كاهلو" بـ"دييغو"، وهو المتحف والمركز الثقافي "كوليجيو دي سان إلديفونسو" Antiguo Colegio de San Ildefonso، حيث انعقد فيه مؤتمر صحفي قبل يومين من العرض، والذي قدّمت خلاله ماريا غراتسيا والقيّمة على الفنّ والأزياء، Circe Henestrosa، لمحة مسبقة عمّا سيشاهده الجمهور لاحقاً.
تألّفت الإطلالات من القطع ذات الإشارات المرجعيّة القويّة إلى تاريخ بلدنا وثقافته، والتي تمّ تصميمها بالتعاون مع حرفيّين من مناطق مختلفة. على وقع أغنية "أنت تستحقّ حباً" Te Mereces un Amor لـ Vivir Quintana في الخلفيّة، تمّ عرض تشكيلة من الملابس التي تجمع بين التطريز الحرفيّ وتقنيات الحياكة مع تصاميم من أرشيف Dior. كما برز شكل الفراشة وشخصيّة "فريدا كاهلو" بصورة متكرّرة في الإطلالات. كانت نيّة ماريا غراتسيا من هذه المجموعة واضحة تماماً: الإشادة بالعمل الحرفيّ الاستثنائيّ المُنفّذ في المكسيك وتسليط الضوء على تقنيّات البلاد وإمكانيّاتها المختلفة والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.
منذ أن أسّس كريستيان ديور دار الأزياء الخاصّة به في الخمسينيّات، أصبح حبّه للمكسيك ملحوظاً، وجعلت ماريا غراتسيا من مُهمّتها الاستمرار في تجسيد هذا الافتتان ومشاركته بشكلٍ علني. بالنسبة إليها، شكّل العمل على هذه المجموعة فرصة جديدة لتقوية الروابط بين فرنسا والمكسيك، فضلاً عن إرساء معايير جديدة تمزج ما بين الخبرات، والتقاليد الحرفيّة، والابتكار. دعونا لا ننسى أنّه من خلال مبادرات التعاون هذه، يتمّ ابتكار قطع متميّزة كان سيصعب تصوّرها بأيّ طريقة أخرى. واليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أصبح من الضروريّ أن نُقدّر المهارة الحرفيّة المُتقنة التي تُنجَز في بلدنا.
بعد يومين من الحدث، أتيحت لي فرصة اللقاء بماريا غراتسيا والتحدّث معها لبعض الوقت حول العملية الإبداعيّة وراء إحياء هذه المجموعة وحول العرض الذي شكّل لحظة تاريخيّة في عالم الموضة والذي سيبقى محفوراً في ذاكرة الكثيرين إلى الأبد. وتجدر الإشارة إلى أنّ ابنتها Rachele Regini، هي عارضة الأزياء التي ترتدي بعض الإطلالات التي صوّرناها لهذه الصفحات.
تربطك علاقة وثيقة بالمكسيك، البلد الذي زرتيه عدّة مرّات والذي لعب دوراً مهماً في الكثير من اللحظات المحوريّة طوال فترة عملك لدى Dior. السؤال الأوّل الذي أودّ أن أطرحه عليك هو، كيف نشأ هذا الافتتان بالمكسيك وتقاليدها الحرفيّة، بالإضافة إلى إعجابك بشخصيات مثل "فريدا كاهلو"؟ لماذا اخترتها لتكون مرجعاً راسخاً في المجموعة؟
كان ذلك بفضل قوّة الفنّ. فقبل عدة سنوات، حضرتُ معرضاً لـ"فريدا كاهلو" في روما، ومنذ ذلك الحين، أصبحتُ مفتونةً بها للغاية. تركت "فريدا" أثراً عميقاً في نفسي؛ كانت المرّة الأولى التي أحضر معرضاً لفنّانة أنثى وقد فاجأتني كثيراً، إنّها الفنانة الأهمّ في العالم بالنسبة إليّ. وبعد ذلك، أصبح لديّ فضول لمعرفة المزيد حول عملها وشخصيّتها بشكلٍ عام. فصحيح أنّ "فريدا" مكسيكيّة، لكنّ تأثيرها يتخطّى حدود البلاد. وهي مثال للنساء في جميع أنحاء العالم.
علاوةً على ذلك، استخدمت الموضة وأسلوبها الشخصيّ في الملابس كوسيلة للتأكيد على هويّتها والتعبير عن نفسها، الأمر الذي كان واضحاً جدّاً في المعرض المكسيكي "المظاهر تخدع" Appearances Deceive الذي عُرض لاحقاً في باريس ولندن. ما رأيك في ذلك؟
أعتقد أنّ الرابط بين "فريدا" والأزياء هو أنّها فهمت قيمة الأزياء بشكلٍ عام، وهذا أمر ملهم لكافّة المُصمّمين في العالم. لقد أدركت أنّنا من خلال ملابسنا وطريقتنا في ارتداء الملابس، يمكننا تغيير أنفسنا كما يحلو لنا. ذلك أنّ اختيارنا للملابس يُعتبر وسيلة لتحديد عالمنا وهو يعكس الصورة التي نودّ أن نُظهرها للآخرين يوميّاً. ومن خلال اختبار الإطلالات المختلفة، أجرت تحوّلات في نفسها، ممّا يُلخّص، بالنسبة إليّ، القوّة الحقيقيّة للأزياء. فالأزياء لغة.
فلنتحدّث عن تشكيل مجموعة "كروز" لعام ٢٠٢٤. أعتقد أنّه كان حلماً أردت تحقيقه، وتقديمه هنا في بلدنا، وعرضه بهذه الطريقة البارزة والملفتة للأنظار.
حين شاهدنا المعرض المخصّص لـ"فريدا" في باريس، تحت إشراف وتنظيم Circe Henestrosa، طلبنا منها أن تشارك في عمليّة ابتكار المجموعة وأن تكون صلة الوصل بيننا وبين الحرفيّين من المجتمعات المختلفة في أواكساكا، وبويبلا، وتشياباس. في البداية، كنتُ أطمح إلى صنع قطعة ثياب مع كلّ مجتمع، لكنّ الأمر كان أصعب ممّا توقّعت. ساعدتنا "سيرسي" كثيراً خلال رحلتنا، فقد زرنا مجتمعات مختلفة لإجراء المناقشات واكتشاف كيف بإمكاننا العمل معاً ووضع استراتيجيّة للمشروع، خاصّةً وأنّ العديد من القطع كان يتطلّب الكثير من الوقت لإنجازه. في العادة، نسافر مع فريق عمل الماركة بأكمله، ونصحب معنا الأكسسوارات، والقبعات، والتطريزات، والألبسة الجاهزة، والمجوهرات، وإلخ. ولكن لهذا المشروع تحديداً، قرّرنا اعتماد قامة Dior كقاعدة لعملنا واستكشاف كيف يمكننا تحويلها من خلال دمج فنّ التطريز في تصميم أنماط الدار المُميّزة.
باختصار، وبعد العمل على هذا المشروع الهائل، ما هي مساهمة المكسيك كدولة، برأيك، في عالم الموضة؟
في هذه البلاد، تُستخدم صناعة حرفيّة وتقنيّات في الحياكة لا نجدها في أيّ مكانٍ آخر من العالم. على سبيل المثال، الحزام المنسوج على النول ليس مجرّد حزام عاديّ، بل يُجسّد عملاً محدّداً للغاية، ففي حين يُنظر إليه على أنّه قطعة حرفيّة الصنع، يندرج، من وجهة نظري، ضمن فئة التصاميم الراقية. والهدف الرئيسي هو تغيير المنظور السائد والإقرار بالقيمة الحقيقيّة للحرفيّة اليدويّة. من المهمّ جداً وضع تعريف مُحدّد لكلّ من التصاميم الراقية "هوت كوتور" والألبسة الجاهزة، بحيث يمكن أن تكون الخطوط الفاصلة بينهما غير واضحة تماماً. بالنسبة إليّ، كلّ ما يُصنع يدوياً يدلّ على تصاميم راقية، في حين أنّ استخدام الآلات في التصنيع يشير إلى أنّ القطعة تصبّ في خانة الألبسة الجاهزة.
ما كانت الجوانب المُجزية خلال العمل على هذه المجموعة؟ هل من قطعة ملابس مُفضّلة لديك؟
أحببت العمل مع "إيلان كروز كروز"، وهو شاب من بويبلا متخصّص في الحياكة التي تشتهر بها جماعات الناهوا. وهو أحد مُؤسّسي مشغل الأقمشة Yolcentle، وقد تعاونّا معه لصنع سلسلة من القمصان والفساتين المُطرّزة في المشغل. عندما التقيت به، لاحظتُ أنّه يتمتّع بأسلوبٍ رائع وحسّ بارز في الجمع بين التقاليد والموضة. كما أنّ لديه رؤية واضحة المعالم في مجال الموضة والأزياء، ويتحلّى بموهبة فطريّة وقدرة فائقة على تجديد التقاليد الحرفيّة.
أنا متحمسّة جدّاً لطرح السؤال التالي عليك: يهمّني أن أعرف ما كان شعورك أثناء العرض؟
كنتُ متحمّسة كثيراً لتقديم العرض في "سان إلديفونسو"، لكنّ التنفيذ الفعلي للحدث كان بمثابة كابوس. فقد كان العمل خلف الكواليس فوضويّاً بشكلٍ لا يُصدّق، إذ كانت المساحة ضيّقة للغاية وبالكاد تتّسع لمئة عارضة ولفِرَق الأزياء والماكياج. وفي حين كان الصحفيّون يستمتعون بتجربة مريحة خالية من التوتّر أثناء مشاهدة العرض، بدا الأمر بالنسبة إلينا كما لو كنّا وسط إعصار (تضحك). ومع ذلك، أحببتُ كلّ شيء. كما أنّنا كرّسنا الكثير من الجهود لعمليّة اختيار عارضات الأزياء، وقامت العارضة المكسيكيّة Celic Dorig بافتتاح العرض، وكانت هذه المرّة الأولى في مسيرتها المهنيّة.
جسّد العرض بلا شكّ لحظة تاريخيّة ستبقى محفورة في ذاكرة الكثيرين. وعلى الرغم من مرور أيّام عدّة، إلّا أنّ صور الحدث لا تزال منتشرة بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعيّ. والآن، دعينا نتحدّث قليلاً عن الختام المذهل: لحظة رومانسية ودراماتيكيّة للغاية، حملت رسالة عميقة وقويّة للأخوية النسائيّة. هذا بالإضافة إلى اختيار أغنية "من دون خوف" Canción Sin Miedo لـ Vivir Quintana، التي شكّلت نشيداً نسويّاً، سلّط الضوء على أعمال العنف في بلادنا. بالفعل، أثارت نهاية العرض تعاطفاً كبيراً لدى الجمهور. وبطبيعة الحال، لا يمكننا التغاضي عن الظروف التي تعيش في ظلّها البلاد. وبالطبع، الموضة لها بعد سياسيّ.
بالتأكيد. لا شكّ في ذلك أبداً. ما من أمرٍ في هذه الحياة بدون أبعاد سياسية. حتى الطعام يتأثر بالسياسة. وعلاقاتنا تتشكّل بالاستناد إلى العوامل السياسية. باختصار، السياسة تتداخل مع كافة جوانب حياتنا.
تُعدّ جرائم قتل النساء من أكثر المشاكل أهمية في بلدنا حاليّاً وأعتقد أنّها مسألة لا بدّ من معالجتها. وبرأيي، يمكن دراسة الموضة من وجهات نظر مختلفة، كما يمكن تفسيرها بطرق مختلفة واستخدامها لسرد القصص، أو التعبير عن أفكار مُعيّنة، أو تجسيد مفهومٍ ما. يمكنك استخدام الموضة لطرح مشكلة ما، وأعتقد أنّ هذا بالتحديد ما قمتِ به في الفساتين البيضاء المُطرّزة بعبارات نسويّة حمراء اللون. ترك هذا الأمر أثراً عميقاً في نفسي، حتى أنّه جعلني أشعر برعشة في جسمي بالكامل.
للاحتفال بأعمال Pippa Bacca، الفنّانة التي قُتلت خلال أحد العروض وهي ترتدي فستان زفاف، أنشأت Elina Chauvet تركيباً فنّياً في ميلانو، أعادت فيه ابتكار فستان زفاف مُطرّز بعبارات لافتة. وعندما رأيت عملها، قلتُ في نفسي "إنّ هذه القطعة الفنّية مذهلة للغاية". بالتالي، حاولت التواصل معها. التقينا أخيراً في مكسيكو سيتي، حيث قلتُ لها: "أريد منك أن تبتكري قطعة فنيّة لمجموعتنا القادمة. فإنّنا سنُقيم العرض في هذه المدينة بالتحديد. أطلعيني على رؤيتك الإبداعيّة للمشروع وأنا أمنحك الحريّة الكاملة في اختيار ما تريدين ابتكاره للعرض، لأنّني أعتقد أنّه من الضروري أن يحمل عملك رسالة نسويّة". كما شاركتُها لمحة عن تاريخ Dior، وطلبت منّي إعادة ابتكار الفساتين التي صمّمها "كريستيان ديور" عام ١٩٥٤، حين حضر لتقديم أوّل عرض أزياء له في مكسيكو سيتي. وبالتالي، أعدنا إنتاج عيّنة من أقمشة الفساتين، وقرّرَت أن يقوم أحد المشاغل في مجتمعها المحليّ بتطريز الفساتين لتسليط الضوء على أنواع العنف المختلفة ضد المرأة باستخدام لغات متعدّدة، لأنّ هذه المسألة لا تقتصر على المكسيك فحسب، بل إنّها موجودة في مختلف أنحاء العالم بشكلٍ عام. وحين سألتها عن الوسيلة التي تريد من خلالها التعبير عن هذه الرسالة، سواء من خلال الملابس، أو الديكور، أو العارضات، اختارت أن يتمّ ذلك من خلال العارضات.
المظهر الكامل من Dior، ماكياج Dior Beauty Looks Dior Backstage.
-------------------------------
نص: Fernanda Sela
تصوير: Nuria Lagarde
تنسيق الأزياء: Natalia Sanchez
عارضة الأزياء: Rachele Regini
شعر وماكياج: Laura Stucci
إنتاج: Fernanda Pacheco و Alonso Diaz
العناية بالأظافر: Fabiola Corona
ساعد في الأزياء: Dulce Adalid