الكروشيه، تقنية حرفية قديمة لصنع القماش باستخدام الخيوط والخطاف، لها تاريخ غني ومتنوّع يعود إلى قرون مضت. منذ بداياته المتواضعة كزينة بسيطة للملابس إلى حضوره حالياً كفن إبداعي وطريقة تعبير، شهد الكروشيه مراحل تطوّر كثيرة.
في ما يأتي جولة على أبرز المراحل التي مرّ بها فن الكروشيه عبر التاريخ، وصولاً إلى يومنا هذا حيث أصبح صيحة لا تغيب عن اتجاهات الموضة العالمية.
دي دبليو أندرسون JW Anderson
ظهور الكروشيه في أوروبا
في القرن التاسع عشر، اكتسب الكروشيه شعبية في أوروبا، وخاصة في فرنسا وأيرلندا. ارتبط بشكل كبير بطبقة المجتمع الأرستقراطية الراقية، واستُخدم في تصميم قطع أزياء راقية ذات تفاصيل معقّدة. ورغم التطوّر الذي شهدته صناعة الملابس، من خلال اعتماد آلات حياكة مبتكرة، بقي الكروشيه محافظاً على قيمته كتقنية حرفية متميّزة. وفي منتصف القرن التاسع عشر، شهدت أيرلندا أزمة اقتصادية كبيرة، ما دفع النساء في الطبقات الأكثر ثراء إلى استخدام الخيوط القطنية والكروشيه بهدف تقليد الحياكة الفاخرة لقماش الدانتيل الذي كان يُعتمد في إسبانيا وإيطاليا.
كانت الراهبات أول من بادر إلى تعليم فن الكروشيه في الأديرة للفتيات الصغيرات، ومع التطوّر اللافت الذي طرأ عليه، أصبح الكروشيه الهواية المفضّلة لسيدات البلاط في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. خلال عصر النهضة، ومن ثم عهد لويس الرابع عشر، شهدت تقنية الكروشيه تحسّناً كبيراً، وسمحت الثورة الفرنسية بتصديرها إلى جميع دول أوروبا بواسطة العائلات النبيلة التي ذهبت إلى المنفى، حاملة معها خبرتها في هذا المجال.
على مرّ السنوات، اقترب الكروشيه أكثر من اتجاهات الموضة وشهد تحوّلاً تدريجياً وصل إلى ذورته خلال القرن التاسع عشر في أيرلندا وأصبح صناعة حقيقية للأزياء. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تم نشر العديد من الكتب الخاصة بهذا الفن في جميع أنحاء أوروبا، سهّلت تعلّمه والعثور على النماذج والمواد بشكل أسرع.
شانيل Chanel
الكروشيه في القرن العشرين
في القرن العشرين، استمر الكروشيه في التطوّر ودخل في صناعة الملابس اليومية وملابس السهرات. خلال الحربين العالميتين، أصبح الكروشيه التقنية الأكثر استخداماً في صناعة الملابس والإكسسوارات بسبب نقص المواد، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حافظ الكروشيه على حضوره إذ أصبحت حياكته هواية شعبية تمارسها مختلف سيدات المجتمع خاصة مع انتشار الكتب والمجلات المخصّصة لتعليمها.
سيلين Celine
الكروشيه في القرن الحادي والعشرين
في يومنا هذا، لا يزال الكروشيه يتمتع بشعبية كبيرة ولم يعد حضوره يقتصر على الأزياء بل بات يدخل في صناعات مختلفة كالإكسسوارات والألعاب واللوحات الفنيّة والبطانيات والإكسسوارات المنزلية... وغيرها. ومع ظهور التكنولوجيا والإنترنت، اكتسبت هذه الحرفة مزيداً من التطوّر مع انتشار الكثير من المعلومات ومشاركة العديد من الموارد كالخطوات المصوّرة بطريقة الفيديو والقوالب المستحدثة ومصادر المواد النادرة... حتى باتت حياكة الكروشيه إحدى أبرز الصيحات التي يبدع المصمّمون في تقديمها ضمن مجموعاتهم الموسمية.