أعطتني رنده موعداً في إحدى المقاهي فذهبت للقائها. وجدتها تبتسم، مسرورة لرؤيتي:
- "إجلسي، إجلسي! كم أنا سعيدة أن الشرير وهيب اقترف أخيراً الخطأ الفادح الذي سيكلّفه غالياًُ . فهو لطالما كان حريصاً، أما الآن فقد جاء يوم حسابه."
- "ماذا حصل؟! هيا أخبريني!"
- "أتذكرين الفتاتين اللتين شهدتا زوراً عليك؟ إحداهنّ مستعدّة الآن للتراجع عما قالته. فالسيد وهيب تحرّش بها هي الأخرى. فخافت من أن يحصل لها ما حصل لك، خاصة أنها متزوجة ولديها أطفالاً. فجاءت وأخبرتني بكل شيء، عندئذٍ نصحتها أن تذهب عند صاحب المطعم وتعترف له بكل شيء. فما رأيك؟"
- "هذا جيد ولكن غير كافٍ. يمكن لوهيب أن يقول أن الفتاة كاذبة فلا دليل بحوذتها."
- "معك حق، خاصة وأنه قال لها أنه سيتّهمها بالسرقة إذا تفوّهت بأيّ كلمة عنه. فما العمل إذن؟ لقد كنت سعيدة أننا أخيراً أمسكنا به لكن الآن..."
-"لا تخافي، حديثك اليوم أعاد لي الأمل. ظننت أنني سأبقى ضحيّته إلى الأبد، لكنني الآن أشعر بأنه يمكننا أن نقهر هذا الرجل، فهو إنسان مثلنا لديه عيوب وأخطاء. دعي الأمر لي يا صديقتي العزيزة."
عدت إلى البيت وقلبي كبير. لن أدع هذا النتن يُفسد مستقبلي ويشوّه سمعتي بعد اليوم. وشاءت الظروف أنني مساء هذا اليوم بالذات، شاهدت فيلماً على التلفاز أعطاني فكرة عظيمة. أحكمت خطتي جيداً ولم أخبر أهلي بالأمر، لم أشأ أن يقنعانني بالعدول عما كنت أنوي القيام به.
بحثت عن رقم هاتف وهيب على الإنترنت ووجدته. دخلت غرفتي وأغلقت الباب جيداً قبل أن أجري الاتصال:
- "آلو... سيّد وهيب؟ أنا "رنا" التي كانت تعمل في المطعم وطُردت... لا، لا أريد شتمك، بالعكس... ذهبت لأعمل في مطعم آخر واكتشفت أنك أخبرت الجميع. وكما أرى، لن أتمكن من العمل في أيّ مكان آخر ما لم أسوّي الأمر معك. نعم، عدت إلى رشدي. أنا مستعدة الآن لأكون كما تريدني أن أكون. متى؟ ساعة تشاء. في المطعم بعد الإقفال؟ جيّد، سأكون على الموعد. إلى اللقاء."
عندما أقفلت الخط، شعرت بالاشمئزاز. هل يُعقل أن يكون هناك أشخاص مثل وهيب؟
في المساء، بدأت بتجهيز نفسي. وجب عليّ أن أكون أنيقة وجذابة، فارتديت فستاناً قصيراً وحذاء بكعبٍ عالٍ ووضعت الماكياج والعطر. نظرت إلى نفسي في المرآة: كنت جاهزة للرحيل. انتظرت في مقهى مجاور إلى حين وقت إقفال المطعم، ثم غادرت. عندما وصلت كانت الظلمة تخيّم على المكان باستثناء ضوء خافت. كان الباب الخلفي مفتوحاً كي أستطيع الدخول، دخلت وتركته كذلك.
كان وهيب ينتظرني في المطبخ. اعتلت وجهه بسمة عريضة عندما رآني:
- "ما هذا الجمال! أنا سعيد جداً أنك عدت إلى رشدك... تعالي..."
وقادني إلى الصالة حيث كان قد جهّز طاولة. أخذ زجاجة من الكحول وعرض عليّ كأس:
- "اشربي، فنحن نحتفل اليوم بجمالك!"
أخذت الكأس وجلست إلى المائدة. نظرت إليه وكأنني معجبة به وقلت:
- "سيد وهيب، يا ليتنا لم نصل إلى هذا الحدّ، أعني تقوم باتهامي زوراً وتساهم في طردي لأنني لم أقم علاقة معك. أنا الآن مستعدة لفعل أيّ شيء كي أتمكن من العمل في أماكن أخرى. فلقد تلطّخت سمعتي من جراء ما قلته عني."
- "لو قبلت معي منذ البداية لكنت جعلتك ثرية وأصبحت يوماً رئيسة النادلات في المطعم."
- "سمعت أنك تريد فتاة أخرى هنا... أنا أغار يا سيد وهيب."
- "لا تخافي، فهي ليست مثلك، أستطيع طردها إذا شئتِ."
- "كيف؟"
- "أقول لصاحب المطعم أنها سرقت مالاً من الصندوق. فالرجل يصدق كل ما أقوله."
- "ليس كل ما تقوله، يا وهيب."
استدار وهيب نحو مصدر الصوت ووجد صاحب المطعم واقفاً برفقة صديقتي رنده والنادلة الأخرى. ارتبك وهيب ولم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة. فقلت له:
- "اتصلت برنده وقلت لها أن توافيني إلى هنا مع شهود."
- "أرى أنك استطعت إقناع السيد أحمد بالمجيء."
- "نعم، وجلبت معي زميلتنا لتشهد وتخبر أن وهيب وهيب يستغلّ مركزه لإرضاء شهواته."
ثم تابعت:
- "وفي حال لم يتمكن السيد أحمد من سماع الحديث بأكمله، فقد سجّلته على هاتفي النقال. لقد انتهت أيامك يا وهيب!"
- "أنت مطرود!" صرخ السيد أحمد. "لا أريد أن أراك مجدداً. وكن على ثقة أنك لن تجد عملاً ليس فقط في مجال المطاعم، بل في البلد كلّه!"
خرج وهيب مذلولاً. اعتذر مني صاحب المطعم وأسف أنه لم يتحقق من التهمة الموجهّة إليّ قبل طردي. ولأسامحه، قام بتعييني مكان وهيب فأصبحت أنا مديرة الصالة. وعمل السيد أحمد على إخبار جميع أصحاب المطاعم أن ما قيل عني كان كذب ونفاق وأن المسؤول عن تلك الإشاعة المغرضة كان وهيب.
حاورتها بولا جهشان