إلى أي مدى ذَهَبَ زوجي ليتفادى العمل وتحمّل السؤوليّة؟

طباع الإنسان لا تتغيّر كثيراً مع مرور السنين، فزوجي منير لطالما كان كسلاناً.
منذ ما كان تلميذاً في المدرسة وهو يرسب ويعيد سنته، بينما كان رفاقه يجتهدون لتأمين مستقبل لأنفسهم. وكَبِرَ وبقيَ يفتّش عن السهولة وعن جميع السبل المتاحة له لتفادي العناء والمسؤوليّة. ولكنني كنتُ أجهل كل هذا عندما تزوّجته.

صحيح أنّه كان يبحث عن عمل عندما إلتقينا ولكنّه أقنعني أنّ الوضع مؤقت وسرعان ما سيجد الوظيفة التي يستحقّها. فلم أكترث كثيراً للأمر خاصة أنّه كان يملك منزلاً وقطعاً من الأرض في ضواحي العاصمة وكنتُ من ناحيتي موظفّة مصرف، أنعم بتسهيلات عديدة وأجر جيّد. ولكن الوظيفة المنتظرة لم تأتي وبقِيَ منير من دون عمل حتى بعد زفافنا.
وكنتُ أجهل أيضاً أنّ الأملاك التي تباهى بها لم تكن له، بل لأهله وأنّه لن يحصل على شيء قبل وفاتهم. وبالطبع أصبح مضحكة عائلتي ومعارفي الذين لم يفوّتوا فرصة لجعل زوجي محطّ نكتهم وبات شغلي الشاغل إيجاد التبريرات لفشله.
لم أكن مسرورة أبداً أن أستيقظ في الصباح المبكّر للذهاب إلى المصرف، بينما كان هو يبقى نائماً حتى ساعات الظهر ليدور لاحقاً على الأقارب والأصدقاء يحتسي القهوة ويأكل الحلويات. وبعد مرور سنة على هذا النحو، قررتُ أن أتكلّم معه بالموضوع وأحاول إقناعه على إيجاد وظيفة لكيّ يساعدني بمصروف البيت وأستطيع هكذا شراء بعض الحاجات لنفسي وأستمتع بما أجنيه. ولكنّه جابهني بلا مبالاة لم أرَ مثلها بحياتي:

- حبيبتي... لما أنتِ محمولة عليّ هكذا؟ ألأنّكِ ترينني مرتاحاً أعيش بهناء وسعادة؟ لماذا تريدينني أن أكدح وأتعب؟ أنتِ تعملين وتحبّين هذا وأنا لم أجبركِ على فعل شيء وبإستطاعتكِ ترك عملكِ ساعة تشائين!

- وكيف سنعيش إن فعلتُ هذا؟

- سنفكّر بذلك عندما يحصل... أرأيتِ؟ أنتِ دائماً تشغلين بالكِ بأمور لم تأتِ بعد! أتعَبَني حديثكِ... أنا ذاهب للنوم.

خلتُ نفسي أحلم! وبعد أن دخلَ لينام، جلستُ لوحدي أفكّر بما عليّ فعله والأمر الوحيد الذي فرضَ نفسه كان طبعاً تركه والبحث عن شخص آخر أو البقاء لوحدي، فَبِكلا الحالتين لم أكن لأخسر شيء. ولكن كان مكتوب لي أن أعاني مع هذا الإنسان سنين طويلة. فبعد أن أخذتُ قراري بتركه، أصيب منير بمرض خطير. نزلَ الخبر عليّ كالصاعقة. فإلى جانب حزني على ما حصل له، أصبح من الغير أخلاقي أن أتخلّى عنه وهو في محنته. أمّا هو فأظنُّ أنّه وجدَ في المرض حجّة أخرى ليبقى في السرير وإصدار الأوامر والطلبات دون أي توبيخ من أحد. بل بالعكس بدأ الجميع يلبّي بسرور نزواته بما فيهم أنا. فمَن يستطيع رفض أي شيء لرجل قد يموت في أيّ وقت؟

وأصبحتُ مزيجاً من ممرّضة وخادمة، أقضي وقت فراغي إلى جانبه، أسلّيه وأقوم بكل ما يتمنّاه. لم أكن أشكو لأحد لكيّ لا يظنّ الناس أنني زوجة فاشلة، فمَن كان لِيَفهم ما كنتُ أمرّ به؟ لذا تحمّلتُ الوضع طيلة سنتين، حتى أن إكتشفتُ شيئاً فظيعاً لم أكن لأصدّقه لو رواه أحد لي: منير خبّأ عنّي حقيقة حالته المرضيّة. صحيح أنّه كان مصاباً بمرض خطير ولكنّه كان قد شُفِيَ بعد أن خضع للعلاجات المناسبة وجعلني أظنُّ أنّ أيّامه معدودة. كيف علمتُ بالحقيقة؟ من طبيبه الذي لم أعد أراه مؤخّراً لأنّ زوجي أصرّ أن يذهب لوحده إلى عيادته، تحت حجّة أنني أتعَب معه كثيراً وأراد أن يخفّف عنّي بعض الشيء. والحقيقة كنت أنّه لم يكن يريدني أن أعلم بأمر شفائه. ففي يوم من الأيّام، عندما كنتُ أتسوّق، سمعتُ صوتاً ورائي يقول:

- كيف حال مريضنا المفضل؟

إستدرتُ ووجدتُ الطبيب واقف أمامي. قلتُ له:

- ألا يجب أن أسألك أنا هذا السؤال؟ ألا تراه كل أسبوع تقريباً؟

- لا... لم أرَه منذ ما أخبرتُه أنّه تعافى وأحَلتُه إلى زميل لي للمتابعة كل ستة أشهر.

- ماذا؟؟؟ تعافى؟؟؟

- ألستِ مسرورة؟ ظننتُ أنّكما إحتفلتما بالخبر السعيد وتعيدان ترتيب حياتكما بعد تلك الفترة العصيبة.

- نعم نعم... ولكنني أردتُ التأكّد منكَ شخصيّاً... أنتَ تعلم أنّه في هكذا حالات قد يحدث إنتكاساً... أنا فقط حذرة...

وإنتظرتُ أن أخرج من السوبرماركت وأركب سيّارتي، حتى أستوعبَ ملّياً ما سمعتُه من طبيب زوجي. كنتُ أعلم أنّ منير رجلاً كسولاً ولكنني لم أتوقّع أبداً أن يدّعي الإحتضار لكيّ يبقى في السرير وأخدمه. طفحَ الكيل معي هذه المرّة وركضتُ إلى البيت لأواجهه بما علمتُه. قال لي بعد أن إنتهيتُ من توبيخه:

- كنتُ أعلم أنّكِ تنوين تركي وجاء مرضي... وعندما أكتشفتُ أنني شفيتُ، فضّلتُ عدم إخباركِ لكي تبقي إلى جانبي... إسمعي... أعترفُ أنني غلطتُ معكِ وأرجو منكِ أن تقبلي إعتذاري... ولكن تأكدّي من حبّي لكِ... أنا لم أستعملكِ بل أنا بحاجة لكِ ولحنانكِ... أقرّ أنني لا أحبُّ أن أُتعبَ نفسي ولكن سأفعل المستحيل لأغيّر رأيكِ بي. أعدكِ بأن أجد عملاً بأسرع وقت.

- وإن لم تفعل؟

- يمكنكِ تركي إن أخلّيتُ بوعدي.

وكان جديّاً فيما قاله، فبعد أسبوعين زفّ لي الخبر السعيد: وجدَ وظيفة في إحدى الشركات. صحيح أنّ معاشه لم يكن بكثير ولكنّها كانت بداية لا بأس بها. وتغيّر كل شيء بيننا، فبدأنا نلتقي في الصباح حول الفطور ونعود في المساء ونتحدّث عن نهارنا ونستمتع بفرصة نهاية الأسبوع. وبعد أن مرَّت سنة على هذا الحال وتأكّدتُ أنّ منير سلكَ الطريق الصحيح، قررتُ إنجاب طفل. كنتُ قد تجنّبتُ الحمل لأنني لم أكن أريد أن يتمثّل إبني بهكذا أب أو أن يكبرَ من دونِه في حال تركتُه. واليوم لدينا ثلاثة أولاد وأعيش مع زوجي قصّة حبّ رائعة.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button