حلية Panier في مارسيليا هي عبارة عن مستشفى تحوّل إلى فندق، بكلّ اختصار. منذ 2013، صار "المرضى" المقيمون في Hôtel-Dieu في مارسيليا يثيرون حسد الجميع.
إنّ هذا المكان، فندق Intercontinental Marseille-Hôtel Dieu، أشبه بماسة برّاقة تلمع في منتصف الليل. أوصلتني سيّارة الأجرة إلى أمام مدخل الفندق حيث تهافت بوّابان إلى حمل حقيبتي. في قاعة الاستقبال، رافقتني عاملة الاستقبال حتّى المصعد الذي أوصلني بهدوء إلى الطبقة السابعة. كبسة زرّ واحدة وأعطاني المفتاح المغناطيسي الضوء الأخضر للدخول إلى غرفتي الغارقة بالنور. وعبر الباب-النافذة المطلّ على المرفأ القديم، تظهر Notre-Dame-de-la-Garde المنيرة المذهلة. فتحت، خرجت إلى الشرفة واتّكأت على النافذة المقنطرة وتنشّقت هواء المدينة الألفيّة. إحساس خيالي!
رهان ومجازفة
إنّها بالفعل مجازفة كبيرة أن تُدفع مبالغ طائلة لترميم هذا المستشفى القديم المصنّف على أنّه أثريّ، فقد بُني عام 1866 في قلب حيّ حلّت فيه أمواج متلاحقة إيطاليّة وكورسيكيّة وشمال أفريقيّة تنازعت للسيطرة على تجارة السجائر في مارسيليا. اليوم، بعد عشرة أعوام على بداية المغامرة وأربع سنوات على افتتاح فندق Intercontinental Marseille-Hôtel Dieu، يتذوّق هذا المكان نكهة الرهان الناجح. لقد تبدّل الحيّ، صحيح! في الخلف، Panier بشوارعه الضيّقة وساحاته الصغيرة يوحي بقرية من بروفنسال. متاجر للصابون (من مارسيليا طبعاً)، أسواق السلع المستعملة، مطاعم صغيرة جميلة... هنا، من الرائع أن نضلّ الطريق وسط متاهات الشوارع والسلالم وأن نترك المتعة تنقلنا إلى عالم آخر. من اليسار، على بعد خمس دقائق مشياً على الأقدام، تقبع قلعة سان جان وجسر متحف Mucem القريب من البحر. من الأمام المرفأ القديم، حلية مارسيليا. ومباشرةً تحت الفندق، عبّارة قديمة تعود إلى حقبة بانيول تنقل الركّاب من جانب إلى آخر. رحلة مضمونة عبر الزمن عند الصباح حين يعود الصيّادون ومعهم حصاد الليل الذي يقدّمونه على الأرصفة. أكثر من الأسماك، إنّها وجوههم التي تخبر عن هواء البحر والرذاذ والملح.
مرتع الصفاء
بالنسبة للهندسة الداخليّة، اعتنى بها جان-فيليب نويل، أحد المراجع العالميّة في مجال تصميم الفنادق المترفة، وقد وجد الإلهام في تاريخ المبنى الذي يُعدّ أحد أجمل الأبنية الاستشفائيّة في النظام القديم. إنّه الطابع المعدني للبناء مع واجهته المصنوعة من الحجر، وهو الذي طبع جوهر المشروع. أمّا المصدر الثاني للوحي لدى المهندس فهو مدينة مارسيليا بذاتها، مع انفتاحها على البحر الأبيض المتوسّط. تماماً مثل Hôtel-Dieu، إنّ المدينة معدنيّة جداً وهي تفيض بالصخور دائماً. والنور الطبيعي للمنطقة يبتكر ظلالاً متناقضة. توحي الغرف والشقق الفاخرة وعددها 194، وقاعة الاستقبال والمطعمان والبار ومنتجع الرفاهية – باختصار Marseille Hôtel-Dieu بكامله – بحلاوة العيش والترف المطلق. من الوسائد الليّنة إلى التدرّجات الدافئة لخشبيّات الغرف، ومن الثريّات الذهبيّة لحانة Les Fenêtres إلى الأجواء الملبّدة بتدرّجات البيج والبنّي لمطعم L’Alcyone المكلّل بنجوم، ومن شرفة Meilleure terrasse en ville en Europe المطلّة على المرفأ القديم إلى مسبح المنتجع المتميّز بمياهه الدافئة وحرارتها 29 درجة... استُبدِلت تنهّدات ألم المرضى بتنهّدات رضى الزبائن اليوم.
كسر القواعد
يتكفّل الشيف التنفيذي في Intercontinental Marseille-Hôtel Dieu ليونيل لوفي ببار Le Capian وحانة Les Fenêtres ومطعم L’Alcyone. تتلمذ هذا الشيف المتجذّر من تولوز والمغرم بمارسيليا على يديْ إيريك فروشون وآلان دوكاس وهو يعشق التحدّيات. أمّا أفضل ما يقدّمه لزبائنه وهم ينتقلون من منطقة إلى أخرى لتذوّقه فهو milkshake de bouillabaisse. على مائدة L’Alcyone هو لا يتردّد في تقديم طبق للتحلية بالثوم الأسود والسمسم... لكن ما من مطبخ جيّد من دون منتجات جيّدة. بالتأكيد، يأتي زيت الزيتون من عند Xavier Alazard des Baux de Provence، وتُصنّع منتجات الحليب في مزرعة في مارسيليا حيث استقدم ليونيل بقرته واسمها ليونيلا. من دون أن ننسى الخبز المكوّن من طحين الشيلم والحنطة والقمح الطوراني والحنطة السوداء والقمح البيولوجي من مطحنة St-Joseph de Grans بالقرب من مدينة آرل، والمحضّر على يدي ماري-كريستين عرقتنجي وهي فرّانة لبنانية الأصل توجّهت في الأصل نحو تعليم الحرف... نعم، هنا نكسر القواعد!
رحلة إلى بروفنس
متحف Mucem، المرفأ القديم، شوارع Panier الضيّقة... جميل لكن متعب. في الطبقة السفلية لفندق Intercontinental يقبع كنز للرفاهية يمتدّ على مساحة ألف متر مربّع هو منتجع لكلارنز. بدأت بالغطس في المسبح ثمّ انتقلت إلى الحمّام وتعرّقت لعشر دقائق قبل أن أنتعش تحت الدشّ الرائع. شربت شاي الأعشاب وصرت جاهزاً لتسليم نفسي ليديْ أنييس التي قدّمت لي جلسة عناية Clarins en Provence لمدّة ساعة ونصف. بكلّ راحة جلست على طاولة تدليك دافئة وبدأت الرحلة مع تقشير قويّ بأحجار ملح كامارغ والزيوت الأساسيّة. بعدئذٍ دخلت تحت الدش لإزالة الأحجار والتقشيرات وعدت إلى الطاولة مع بشرة أطفال لاستكمال التجربة: تدليك لكامل الجسم بواسطة زيت مهدّئ ودافئ ومع أكياس اللاوندة، لاسترخاء فوري يدوم طويلاً. ولا تبلغ السعادة أوجها إلاّ مع التنظيف-التقشير القائم على عصارة البرتقال، يتبعه تدليك مريح للوجه مع زيت الوجه من كلارنز. وتنتهي رحلة الاسترخاء مع بعض الحركات على فروة الرأس... عودة إلى أرض الواقع! لبست الرداء وأخذت المصعد للتوجّه إلى غرفتي بكلّ أسى لأنّني لم أكن أرغب في التخلّي عن صفاء حجرة العناية. ليلة هنيئة ونوم عميق مع عضلات مسترخية وحواسّ غارقة في رائحة الزيوت الأساسيّة.
جان بيار غيرار
www.intercontinental.com/marseille